على مدى قرون ارتبط تاريخ الدويلات القاسمية الأمامية، المتعاقبة في حكم شمال اليمن بسمات تدميرية عدّة، منها الحروب المستمرة، وغياب الاستقرار وانتشار الأمراض والجهل والعزلة والأهم؛ ظهور المجاعات.
والحركة الحوثية كامتداد للحكم الكهنوتي الثيوقراطي للأئمة الزيديين، جينًا وفكرًا ومنهجًا، إن لم تكن أبشع منه، تستلهم استراتيجية الأئمة، في تجويع الشعب للحصول على طاعته، والتي لخصها الإمام أحمد حميد الدين، 1962، في مقالته المأثورة: "جوِّع كلبك يتبعك".
مثل هذه الاستهانة في مقال أحمد حميد الدين وتفكيره إزاء الشعب، ليست ابتكارًا بل إرثًا. وقد دون المعاصرون لوالده ما هو أفضع من ذلك، إذ تحكي المرويات التاريخية أن إحدى المجاعات حدثت في عصر الامام الأب، يحيى حميد الدين، وبلغت بالناس حد أكل جلود الحيوانات وعظامها، وكانوا يتساقطون في الطرقات من شدة الجوع، فيما خزائن الدولة مليئة بالأموال ومدافنها مليئة بالحبوب: "كانت دولة الامامة تجبي الإتاوات من الفلاحين على هيئة غلال وحبوب وتقوم بتخزينها في حفر كبيرة تسمى المدافن".
الحركة الحوثية كامتداد للحكم الكهنوتي الثيوقراطي للأئمة الزيديين، جينًا وفكرًا ومنهجًا، إن لم تكن أبشع منه، تستلهم استراتيجية الأئمة
وحين طلب الناس مساعدة الإمام، الذي كان يفرض الإتاوات المتضاعفة حتى على المتوفين، وتدخل بعض الوجهاء لحثه على إنقاذ الناس من مخازن الدولة الممتلئة بالغلات، رفض وقال مقولته الشهيرة "من مات فهو شهيد ومن عاش فهو عتيق"، حينها نقل عن أحد الوجهاء قوله مستهجنًا: اذا كان ابن حميد الدين مصدقًا بيوم القيامة فاقطعوا رقبتي بحذاء.
دفع الإمام يحيى ثمن مقولته تلك؛ قُتل بموجب فتوى، لكن الانقلاب عليه كُبح في مهده عام 1948، وذلك مع صعود ابنه على الذى يمثل سيرة الطغيان ذاتها، وحتى بعد قيام الجمهورية. فجاء صالح امتدادًا لاستراتيجية التجويع للحصول على الطاعة، والتي ضمنت له، إضافة لعوامل أخرى سيطرته على الجيش.
اقرأ/ي أيضًا: صالح: سوقيٌّ بدرجة رئيس جمهورية
واستكمالًا للفكرة، فقد كان مسلك، الأئمة الطائفيين، ملكيين وجمهوريين على السواء، في الإجهاز على بوادر نشوء الطبقة الوسطى في مهدها، تحاشيًا للثورات، تشمل من يعتبرون، عصا السلطة، فالجنود مثلًا، عانوا ضنك العيش، إذ يستلزم تطويعهم اضعافهم وحرمانهم من أدنى أسباب القوة، لئلا يتمردوا، واُعيد توجيه بؤسهم على المواطنين، لينقضوا ككلاب مسعورة تسد جوعها وظمأها من لحم المواطن ودمه.
شهدت بعض المناطق الكثير من الجنايات، في الصراع الأزلي بين الرعية والعكفة، كالقتل، والتحرش، والشجار
وحتى عهد قريب، وفي آخر دويلات الإمامة الزيدية، أو ما تسمى بالمملكة المتوكلية الهاشمية/ اليمنية لاحقًا، (1918 - 1962) وعبر جيشها بقطاعيه، البراني، وهو عبارة عن مليشيا بدائية من الحفاة بلا زي موحد، والنظامي، وهو عبارة عن مليشيا أقل بدائية ولديها زيّ/ إزار، موحد! وقد عرف ما كان يسمى بالايجارة، وهي عبارة عن رشوة مقننة عرفيًا، يُفرض على المواطنين إيتاؤها للعسكري، أو العُكفي، المُنفّذ، أو المُرسل لجمع الجبايات، عن يدٍ وهم صاغرون.
وتشمل ضيافة وإطعام العُكْفِي، ثلاثة أيام، من أجود الطعام، الذي يطلبه هو، ولا يأكله حتى أهل البيت، والتكفل بـ"قاته"، وكل احتياجاته، مضافًا إلى ذلك ما تيسر من المال.
ويمكن تصور الفداحات التي ارتكبها هؤلاء، العَكَفة، ذوي النعرات، في حق الرعية، ومن يختلفون مذهبيًا خاصة، فكانت المنازل تقتحم وتنهب عنوة، وبلغ استعلاء بعض العَكَفة، في بعض الحالات، أن يدخل البيت حاملًا بندقه على كتفيه بالعرض، فإذا لم يتمكن من الدخول، يأمر صاحب البيت بهدّ عتبة الباب!
وقد شهدت بعض المناطق الكثير من الجنايات، في الصراع الأزلي بين الرعية والعكفة، كالقتل، والتحرش، والشجار، ودفع الرعية ثمن ثوراتهم الصغيرة التي قد تتسبب بقتل العُكفي، مجازر جماعية أحيانًا، وإحراق للمزارع والممتلكات، في حملات الثأر العسكرية لمقتله!
اقرأ/ي أيضًا:
اليمن.. خمس سنوات في الطريق إلى الصوملة
أطفال اليمن.. العنف سيد اللعبة
الكهوف.. سكن النازحين جنوب اليمن