30-أغسطس-2024
منشآت الطاقة

منشأة نفطية أوكرانية متضررة (فرانس برس)

تعدّ الحرب الروسية الأوكرانية في جانبٍ من جوانبها حربًا على الطاقة، حيث يسعى كل طرفٍ من أطراف النزاع إلى إلحاق أكبر ضررٍ ممكن بالبنية التحتية الطاقوية للآخر بواسطة المسيّرات والصواريخ التي تضرب وراء الخطوط، وتتسبّب في حرائق وانقطاعاتٍ في إمدادات المنتجات النفطية تارةً، وإغراق مناطق واسعة في الظلام أو حرمان أخرى من التدفئة، تارةً أخرى.

ويمكن تسمية هذه الحرب بـ"حرب الطاقة" التي يمكن القول إنها بدأت بالتوازي مع حرب قضم الأراضي. لكن مع ملاحظة أن  الهجمات المستهدفة للبنى التحتية للطاقة في روسيا وأوكرانيا تصاعدت في الأشهر الأخيرة.

وعلى الرغم من حرص بيانات كلٍّ من الطرفين الروسي والأوكراني على تأكيد أن الاستهدافات تقتصر على المرافق الداعمة للمجهود الحربي للطرف الآخر، بهدف التأثير في سير العمليات العسكرية، فإن الضربات المركّزة على مصافي النفط ومخازنه، ومحطات الطاقة تسبّبت في حرمان مئات آلاف المواطنين من الطاقة الكهربائية لفتراتٍ مختلفة، كما تؤدي إلى رفع أسعار المشتقات النفطية وخسائر كبيرة لمختلف القطاعات الاقتصادية.

وفي أحدث هجومٍ على خطوط الطاقة الروسية من طرف أوكرانيا، تحدثت منصات وقنوات روسية يوم أمس عن استهداف مسيراتٍ أوكرانية لخزانات نفط في مستودع غلوبوكينسكايا للنفط في منطقة روستوف الروسية، ما تسببت في اندلاعٍ شديد للنيران. ولفتت المصادر الروسية إلى أنّ حريقًا آخر ما يزال مشتعلًا منذ 18 آب/أغسطس في منشأة لتخزين الوقود في مدينة بروليتارسك في روستوف بعد تعرضه لهجومٍ أوكراني.

تشير تقييماتٌ أوكرانية إلى أن الخسائر التي لحقت بقطاع الطاقة الأوكراني بسبب الحرب بلغت 56 مليار دولار

كما شهد الأسبوع الجاري، وبالتحديد يوم الإثنين الماضي، شنّ القوات الروسية: "أضخم هجومٍ منذ بداية الحرب في 24 شباط/فبراير 2022، على منشآت الطاقة الأوكرانية، شمل 15 مقاطعة على كامل الجغرافيا الأوكرانية". واستعملت روسيا في هذا الهجوم أكثر من 200 صاروخ وطائرة مسيّرة، وأسفر عن انقطاعات كبيرة في الكهرباء وإمدادات المياه.

وكانت وزارة الدفاع الروسية أكدت في بيان أنّها: "هاجمت منشآت الكهرباء والغاز، بالإضافة إلى مواقع تخزين الأسلحة الغربية". وأضاف البيان الروسي أنه: "تم ضرب جميع الأهداف المحددة، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل نقل الأسلحة والذخائر بالسكك الحديدية إلى خط الجبهة".

وشملت الضربات على مرافق الطاقة في مقاطعات فولين وريفني في الشمال الغربي، وخميلنيتسكي ولفيف وإيفانو فرانكيفسك في الغرب، وجيتومير في الشمال، ودنيبروبتروفسك وكيروفوغراد وفينيتسيا في وسط أوكرانيا، وزابوريجيا في الجنوب الشرقي وأوديسا في الجنوب. وقالت أوكرانيا إن محطةً لتوليد الطاقة الكهرومائية في منطقة كييف استُهدفت، وأظهر مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي تضرر سد بعد ضربه بصاروخ.

استهداف البنى التحتية الطاقوية جزء من استراتيجية الحرب

بات من المؤكّد أنّ استهداف البنى التحتية للطاقة في روسيا وأوكرانيا هو جزءٌ من استراتيجية الحرب لدى الطرفين "بهدف تعطيل قدرة الخصم العسكرية، وإلحاق خسائر اقتصادية، وزيادة النقمة الشعبية لدى مواطني الدولة الأخرى".

وتشير تقييماتٌ أوكرانية إلى أن الخسائر التي لحقت بقطاع الطاقة الأوكراني بسبب الحرب بلغت 56 مليار دولار، بما في ذلك 16 مليار دولار من الدمار المادي المباشر وأكثر من 40 مليار دولار من الخسائر المالية غير المباشرة. وخلص الخبراء إلى أن الاستعادة الكاملة لقطاع الطاقة بموجب مبدأ "إعادة البناء بشكل أفضل" ستتطلب 50.5 مليار دولار.

وكانت روسيا قد استهدفت البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا في الأيام الأولى للحرب، ففي الرابع من آذار/مارس 2022 شنت هجومًا على محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية، التي تعد  الأكبر من نوعها في أوروبا. وفي حزيران/يونيو من العام نفسه شنت موسكو هجومًا على محطات توليد الكهرباء ومحطات التحويل في أوكرانيا. ما تسبب حينها في انقطاع الكهرباء عن العديد من المدن الأوكرانية.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022 كثفت روسيا هجماتها على شبكة الطاقة الأوكرانية، ردًّا على استهداف أوكرانيا جسر كيرتش في شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا في عام 2014، وحينها غرقت العاصمة كييف ومدن أخرى في الظلام.

وزادت حدة الهجمات على مرافق الطاقة في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه، إذ أطلقت روسيا 158 صاروخًا وطائرة مسيّرة استهدفت البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، في هجوم هو الأكبر حتى ذلك الحين. وحرمت الهجمات عشرات آلاف المنازل من التدفئة في فصل الشتاء.

وفي الربيع الماضي، هاجمت روسيا بشكل منهجي قدرات توليد الطاقة الأوكرانية، واستهدفت التوربينات والمولدات ومعدات التحكم بهجمات مشتركة ضخمة كانت فعالة للغاية، واستهدفت الطاقة الحرارية والكهرومائية، ومن ضمنها تدمير وحدات توليد الطاقة في منطقة دنيبرو، والتي تعد أكبر محطة للطاقة المائية في أوكرانيا. وجاء الاستهداف رداً على ضرب مصافي النفط الروسية.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في  حزيران/يونيو الماضي، إن روسيا دمرت نصف قدرة توليد الكهرباء في بلاده، منذ أن بدأت في ضرب منشآت الطاقة في أواخر آذار/مارس الماضي.

في المقابل، كثفت أوكرانيا خلال العام الجاري من هجماتها التي تستهدف منشآت البنية التحتية الروسية للنفط، حيث تم توثيق أكثر من 60 هجومًا تسببت في 50 حريقًا على مصافي النفط ومرافق التخزين الموجودة في المقاطعات الروسية القريبة من الحدود الأوكرانية.

تداعيات

هذه الحرب على منشآت الطاقة أدت إلى ارتفاع أسعار البنزين في موسكو، ودفعت روسيا إلى فرض حظر على صادرات البنزين بين شهري آذار/مارس وأيار/مايو الماضيين. ومددت موسكو نهاية تموز/يوليو قرار الحظر حتى نهاية العام الحالي لمنع النقص في السوق المحلية وكبح ارتفاع الأسعار نتيجة شح المعروض من البنزين.

وتمنّي أوكرانيا النفس أن يؤثر استهداف منشآت الطاقة في قدرة روسيا على تمويل المجهود الحربي، لكنّ روسيا المعتمدة كثيرًا في موازنتها على عائدات الطاقة، استفادت من ارتفاع النفط عالميًا. وبالتالي لم تتضرر قدراتها على تمويل الحرب.