يجري مخطط ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل على قدمٍ وساق. وبحسب موقع "ميديا بارت" الفرنسي، تلعب الطرق الإسرائيلية الكبيرة دورًا محوريًا في مخطط الضم، إذ مهدت هذه الطرق، منذ فترةٍ طويلة، للضم الفعلي للضفة، وشجعت على الاستيطان فيها.
وتسارعت وتيرة مشروع ضم الضفة الغربية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، إذ بدأ المستوطنون في بناء الطرق والبؤر الاستيطانية غير القانونية بمعدلٍ غير مسبوق.
الطرق الإسرائيلية.. فصل عنصري واستيلاء مستمر على الأرض
ظلّت مسألة الطرق حاسمة دائمًا في تسريع وتيرة الاستيطان الإسرائيلي، وهي طرقٌ: "تربط المستوطنات فيما بينها وتقربها من المدن الإسرائيلية، وهي فوق ذلك حواجز تعمل على كسر الاستمرارية الإقليمية لإقامة دولة فلسطينية"، كما يوضح الخبير في سياسة الاستيطان درور إتكس، مؤسس "كيرم نافوت".
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وبناء الطرق الحكومية في الضفة الغربية يتسارع، كما يتم بناء الطرق غير القانونية التي تربط البؤر الاستيطانية فيما بينها بسرعة غير مسبوقة. وفي هذا الصدد، يقول يوناتان مزراحي من منظمة "السلام الآن": "نعلم أنه في أوقات الحرب يغتنم المستوطنون الفرصة لبناء المزيد"، مضيفًا: "في الفترة ما بين 7 تشرين الأول/أكتوبر وأوائل كانون الأول/ديسمبر الماضي، تم تسجيل 18 هجومًا. ومنذ ذلك الحين توقفت عن العد".
يرى "ميديا بارت" أنّ الفلسطينيين على "صواب" حين يستخدمون مصطلحات "الفصل العنصري" و"الانطواء" و"الضم الفعلي" لوصف محنتهم المستمرة
وتعكس قصة صالح محمود من العيسوية، البالغ من العمر 69 عامًا، بحسب موقع "ميديا بارت"، نموذجًا حيًا لما تفعله الطرق الإسرائيلية العملاقة والبؤر الاستيطانية المصاحبة لها من عملية فصلٍ عنصريٍ وتجريدٍ للفلسطينيين من أراضيهم، بهدف جعل الضفة الغربية في نهاية المطاف إسرائيليةً.
فالشيخ الفلسطيني الذي كان يذهب كل يوم إلى أرض عائلته لم يعد قادرًا على ذلك منذ العام 2019، والسبب افتتاح إسرائيل الطريق السريع رقم 4370 الذي يربط القدس بالمستوطنات الإسرائيلية في جنوب الضفة الغربية، ويقطع الوصول المباشر إلى أراضيه.
وبجانب هذا الطريق السريع، يقوم جدارٌ طويل يطلق عليه صالح محمود اسم "طريق الفصل العنصري"، لأنه يُبقي الإسرائيليين في جهة والفلسطينيين في جهة أخرى. وتحدث محمود عن عزلتهم ونضالهم، عبثًا، لتغيير مسار الطريق. كما أشار إلى الطرق الملتوية التي يضطرون الآن إلى سلوكها بالسيارة للوصول إلى حقولهم.
ويروي صالح محمود، لموقع "ميديا بارت"، كيف أن قرية الزعيم، حيث تقع أرضه، محاطةٌ بالمستعمرات والمستوطنات غير القانونية الواقعة بين عدة جسور، لأن: "منطق الإسرائيليين هو أخذ كل شيء، وخاصةً ما هو قريب من القدس".
تحد الطرق الإسرائيلية العملاقة والسريعة من أي إمكانيةٍ لتطوير الجيوب الفلسطينية، إذ تتسبّب في هدم البنية التحتية القائمة كما يقول أشرف عودة، صاحب منتزه "لونا بارك". وأضاف عودة: "كنا نعلم أن الحكومة تعمل على إنشاء طريق حوارة الالتفافي للمستوطنين، لكنني لم أتوقع أن تُقدم لي وزارة الدفاع الإسرائيلية إشعارًا يطلب مني إخلاء حمام السباحة بالمنتزه وتدميره لأنه يقع على مسار الطريق".
وتابع: "قيل لنا إن هذا الطريق لصالح السكان الفلسطينيين، ولكن هذا ليس صحيحًا، لأن معظم السكان صودرت أراضيهم من أجل بنائه، وقد خسرت الشركة العائلية الصغيرة 40% من دخلها السنوي بخسارة حوض السباحة هذا".
وفي خضمّ إنجاز الفريق الفرنسي لتقريره الميداني، نبّه معدو التقرير إلى حالة العسكرة التي تطبع المنطقة، حيث اقتربت منهم سيارة جيب تابعة للجيش الإسرائيلي خرج منها جنديان شابان ببنادق هجومية، وأصابعهما على الزناد، وبمجرد أن أدركوا أنهما صحفيان أجنبيان: "تغيرت لهجتهم بشكل جذري، وقال أحد الجنود وهو يشير نحو حوارة: البقاء هنا خطير، هناك الكثير من الإرهابيين" في إشارة إلى الفلسطينيين.
أما الآخر، فصرّح لصحفيي الموقع أنه: "استقر مع أطفاله الخمسة في مستوطنة هار براخا القريبة، قبل أن يطفئ محرك السيارة ويشير إلى مسار الطريق الجديد الذي يمر عبر البلدة الفلسطينية".
وأضاف الجندي الإسرائيلي الشاب متحدثًا عن الطريق: "إنه لتجنب المواجهات. بالنسبة لنا نحن الإسرائيليين، الأمر مطمئن أكثر"، مشيرًا إلى أنه ومن أجل بناء هذا الطريق: "استولى الإسرائيليون على 40 هكتارًا من الأراضي الفلسطينية".
عزلة عن العالم الخارجي
ومع أن منظمة "ييش دين" الإسرائيلية تؤكد أن عنف المستوطنين كان الأسوأ من نوعه عام 2023، فإن الجندي الإسرائيلي الذي تحدث إليه موقع "ميديا بارت" يبدو مقتنعًا، حسب الموقع الفرنسي، بحقه في الإقامة في الأراضي الفلسطينية، ولا يصدق عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض، حيث قال إنّ: "هذه مجرد قصص مختلقة. اذكر لي مستوطنًا عنيفًا واحًدا. العرب العنيفون لا يحصون. هناك قتلوا شابين"، وفق زعمه.
ويعود تاريخ الهجوم الذي يشير إليه الجندي الإسرائيلي إلى شباط/فبراير 2023، عندما أطلق فلسطيني النار على سيارة، مما أسفر عن مقتل شقيقين، علمًا أن الأعمال الانتقامية التي أقدم عليها المستوطنون لم تنتظر وقتًا طويلًا، إذ دخل مستوطنون مدججون بالسلاح وأحرقوا السيارات والشركات والمنازل، وقتلوا فلسطينيًا وجرحوا حوالي 100 آخرين.
ويرى الموقع الفرنسي أنّ الفلسطينيين على "صواب" حين يستخدمون مصطلحات "الفصل العنصري" و"الانطواء" و"الضم الفعلي" لوصف محنتهم المستمرة مع هذه الظواهر منذ فترة طويلة. وفي هذا الصدد، ينقل الموقع الفرنسي عن جمال سعيد الذي يعيش في خلة سكاريا المحاطة بـ16 مستوطنة، وتقع فعليًا داخل مستوطنتين، قوله إن: "جميع المنازل وهي 34 منزلًا تلقت أوامر هدم، في حين تنمو مباني المستوطنات مثل الفطر".
ويخلص تقرير موقع "ميديا بارت" إلى أن المجتمع الفلسطيني بأكمله شعر بالعزلة عن العالم منذ عام 2015، ولم تعد لديه أي وسائل نقل عام، ولا يسمح لسياراتهم بسلوك الطريق المخصص للمستوطنين: "كما لو كان ذلك لتشجيعنا على الرحيل بشكل هادئ"، كما تقول غادة، زوجة جمال وهي تقدم القهوة لضيوفها.