لعلك صادفته ذات مرة، مررت عليه مرور الكرام أو تأملته قليلاً بصحبة الكاميرا العتيقة، ولعلك اقتربت منه يومًا ما، استسلمت له، ورسمت على وجهك ابتسامة، كما أمرك، قبل أن يصوّب عدسته باتجاهك، ثم يمنحك بعد لحظة صورة فوتوغرافية غائمة، مشوّشة ومهزوزة حتى تشك أنها صورتك، قبل أن تعزّي نفسك أنها مجرد "صورة ع السريع" ستؤدي الغرض والسلام!
كان لكاميرا التصوير المائي شأن كبير في بدايات القرن الماضي في مصر إذ كانت تنتشر أمام المصالح الحكومية بالقاهرة وعواصم المحافظات الكبرى
إذا لم تكن رأيت ذلك المشهد في صغرك فغالبًا لن تتاح لك الفرصة لمشاهدته أبدًا الآن، فمثل هذا النمط انقرض تقريبًا، لأن "كاميرا التصوير المائي" صار لها بدائل كثيرة وحديثة، مع التقدم التكنولوجي وظهور كاميرات الديجيتال الفورية والهواتف الذكية المزودة بكاميرات غاية في الدقة، حتى أوشكت كاميرات التصوير المائي على الانقراض لتنضم إلى أشياء كثيرة اختفت من حياتنا وصارت من تراث الزمن الذي نسميه جميلاً!
اقرأ/ي أيضًا: أصغر مصورة فلسطينية تحلم بالصوت والصورة
كان لكاميرا التصوير المائي شأن كبير في بدايات القرن الماضي في مصر إذ كانت تنتشر أمام المصالح الحكومية بالقاهرة وعواصم المحافظات الكبرى وكان من المشاهد المألوفة أن ترى رجلًا يُدخل رأسه داخل كيس قماش أسود تم تثبيته بآلة مرفوعة على حامل بثلاث أرجل بينما يجلس أمامه شخص آخر في هدوء تام يجعله أقرب للجماد منه للإنسان.
دخلت كاميرا التصوير المائي أو الشمسي، مصر عن طريق المهاجرين الأرمن، وهم من أوائل من علّموا المصريين هذا الفن. ونظرًا لحداثته وارتفاع تكاليف اقتناء كاميرا من هذا النوع في ذلك الوقت، لم يكن يقدر على اقتناء الكاميرات سوى الأثرياء وأُطلق على هذه المهنة مهنة "أولاد الذوات"، ورويدًا رويدًا مع التقدم التكنولوجي أصبحت مهنة المهمشين، ثم انقرضت تمامًا.
وتعتمد طريقة التصوير المائي على قيام المصور بوضع مادة حمضية في الآلة على الورق الحسّاس ويدخل رأسه في كيس أسود من القماش لضبط الصورة داخل الكاميرا ثم يخرجها ليعود إلى الزبون ويطلب منه الجلوس في وضع الثبات دون أن يتحرك أو يهمس بكلمة أو تهتز رموشه، حتى تخرج الصورة واضحة وجميلة، ثم يعود ويُدخل رأسه في الكيس الأسود ويقوم بالتقاط الصورة للزبون على الورق الحسّاس الذي يعتبر بمثابة الفيلم الخام.
دخلت كاميرا التصوير المائي أو الشمسي مصر عن طريق المهاجرين الأرمن، وهم من أوائل من علّموا المصريين هذا الفن
اقرأ/ي أيضًا: 360 درجة.. تقنية المغامرات
بعد ذلك يوضع الورق في الحمض المخصص لإظهار الصورة، تليها خطوة أخرى هي تثبيت شريحة الورق على حامل أمام العدسة، وهذه الخطوة بمثابة "النيجاتيف" وكانت تُعرف باسم "العفريتة". وأخيرًا يقوم المصور بتعريض الصورة للضوء ثم يضعها داخل صندوق الكاميرا ويبدأ في طبعها على ورق معين، وتخرج الصورة من درج جانبي مغلق بورق أحمر، وفي النهاية يقوم بغسلها في دلو مملوء بالمياه.
يذكر أن فكرة اختراع آلة التصوير ترجع للقرن الثالث عشر ولا يُعرف على وجه الدقة هل يعود الفضل في ذلك لروجر بيكون أم جون ألبرتي، غير أنه في عام 1826 استطاع نينور تزويدها بعدسة بها منفاخ يشبه منفاخ آلة الأكورديون الموسيقية. وفي عام 1829 صنع داجير آلة تصوير من جزئين، الأمامي عدسة والخلفي زجاج مصنفر، وجعل الجزء الخلفي قابلاً للانزلاق داخل الجزء الأمامي بشكل محكم، وقد تعاون داجير مع أحد أصدقائه ويدعى ألفونس جيرو واحتكرا معًا صناعة هذه الآلات لمدة قصيرة وكانت تحمل توقيع داجير ضمانًا منه.
استطاع جورج ايستمان مؤسس مصانع كوداك عام 1889 إنتاج الأفلام الملفوفة الشفافة على دعامة من نترات السلسلوز، وتعتبر هذه الخطوة من أهم التطورات التي ساعدت على تقدم التصوير الفوتوغرافي حيث أنتج بعدها المخترع توماس إديسون أول آلة تصوير سينمائية حديثة، وكانت نقطة تحول كبير في مجال التصوير الذي أصبح من أرقى وأهم الفنون في العصر الحديث.
اقرأ/ي أيضًا: