بقدر ما إن سيرة الاغتصاب عمومًا أصبحت مادة مسيطرة على الصحف السودانية، وتحديدًا اغتصاب الأطفال، الذي يثير من الهلع ما يمكن أن تثيره الزوابع الرعدية. إلا أنه لم يحدث قط أن أُثيرت قضية اغتصاب الزوجات على نطاق واسع، أو بالأحرى تبدو وكأنها شكوى من ممارسة مشروعة وعادية داخل الغرف المغلقة.
في حين أن حوادث الاغتصاب باتت مادة مسيطرة على الصحافة السودانية، إلا أن اغتصاب الزوجات هو أمر لا يقابل بأي اهتمام مطلقًا
صحيح أنه ما من إحصائية يمكن أن تثير غضبًا هائلًا حول الاغتصاب الجنسي للزوجات في السودان، ولا حتى تعريفًا له، ولا يوجد بالمرة اهتمام من قبل من المراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني المشغولة بمكافحة العنف ضد المرأة، لكون التوغل في تلك القضايا، محض "ترف ثقافي"، أو بتعبير آخر: تدخل في خصوصيات لا ينبغى لها أن تغادر فراش الزوجية، والذي يتحصن بشعور من الخجل والعفة؛ ولذلك تلتزم أغلب الزوجات معنى قريب من المقولة الأمريكية الإشكالية الرائجة: "إذا تعرضت للاغتصاب ولم تستطع المقاومة فما عليك سوى الاستمتاع"!
اقرأ/ي أيضًا: هل يمكن أن يغتصب الزوج زوجته؟
الأسبوع الماضي، نشرت عدة مواقع سودانية، خبرًا عن عروس أنهت حياة زوجها طعنًا بالسكين، لأنه حاول اغتصابها! يقول الخبر إن العروسين استأجرا شقة بمدينة في العاصمة الخرطوم لقضاء شهر العسل، كما أن العروس استغلت نوم زوجها وباغتته بطعنة قاتلة وأنهت حياته، قبل أن تخطر ذويها بالجريمة، فأسرعوا وتوصلوا إليها ومن ثم سلموها إلى قسم الشرطة للتحقيق معها.
التحريات فيما بعد توصلت إلى أن العروس أقدمت على قتل زوجها نسبة لعدم قبولها بالزواج منه، وفي رواية أخرى لأنه حاول أن يقترب منها دونما مرة، ويمارس حياته الجنسية، بالحلال طبعًا!
كانت تلك الحادثة بمثابة دق ناقوس الخطر، فهى بالطبع ليست الأولى، ولكنها تزامنت مع عصف ذهني وبعض الوعي المجتمعي، والذي تجاوز حدود المحاكمة العلنية وتعنيف الزوجة، إلى إدارة نقاش واعٍ ومستفيض حول طبيعة الجريمة ودوافعها، وأيقظ الأصوات النسوية النائمة، والمتضامنين معها من جمهرة الحقوقيين والمثقفين، بقصد تكييف القضية في إطارها الصحيح، ووجدت العروس القاتلة من يتعاطف معها، لكونها ضحية في نهاية الأمر، حاولت أن تنهي مسلسل معاناتها بالطعنة الأخيرة .
ما يهم في ذلك الخبر، أنه مجرد حالة معملية، استوقفت العشرات ليعيدوا التفكير فيها، لا كأي جريمة قتل يسهل تحتها وضع عبارة "الجريمة لا تفيد"، وإنما من جوانب أخرى؛ أهمها بالطبع منح المرأة حق القبول والرفض، في الزواج، وهنا أعني بالتحديد ما أثير إزاء زواج التراضي في جلسات الحوار الوطني الذي تشكلت بموجبه الحكومة الحالية، والذي خلق حالة من الجدل بلا معنى، ووقف ضده بعض رجال الدين والسياسة، وذلك بعد أن أحالت رئاسة الجمهورية للبرلمان ملحق تعديلات على الدستور الانتقالي 2005، متعلقة بقضايا الحريات، وﺷﻤﻠﺖ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻭﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍلأﺳﺮﺓ ﻭﺍﻟﻄﻼﻕ.
وأثناء مداولات تلك الاجتراحات الدستورية، تكوّن جدارٌ فقهي رافض لها، حتى أن الحزب الحاكم صاحب الأغلبية في المجلس التشريعي لم يجد بُدًا من مسايرة الآراء الرافضة للتراضي، فهو كالعادة لا يريد أن يخسر رجال الدين والقبيلة وحُراس الفضيلة وسدنة المجتمع المحافظ.
يقف الوصاة على المجتمع السوداني ضد زواج التراضي، مؤازرين للولاية المطلقة للأب أو الأهل على ابنتهم، دون حقها في الرفض
وهؤلاء جميعًا وقفوا ضد زواج التراضي باعتبار أنه مناقض للشرع ويسفه رأي الأب الذي يعرف مصلحة بناته أكثر منهن! وكانت رؤيتهم سطحية جدًا، تحاول أن تعيد الحق إلى ولي الأمر.. كل الحق، حتى لو أدى ذلك إلى فرض خياراته على بناته، فيختار له لهن الأزواج، على النحو الذي يسره، ويحقق ما يعتقده طمأنية على مستقبلهن، أي البنات المُرغمات على الزواج .
اقرأ/ي أيضًا: ثورة السعوديات: "لا للولاية"!
كثيرًا ما يحدث ذلك، أن تنتهي الزيجات التي فرضها ولاة الأمور بمنطق الولاية على الأنثى الضعيفة؛ إلى الطلاق. وكثير من العلاقات الزوجية تتعايش مع أزمات أوجدها عدم التوافق وفرض الزوج بالقوة. وفي نهاية الأمر، ينتهي الرباط إلى محاكم الأسرة، أو إلى ثلاجات المشرحة، كحال العريس المغدور.
يمكن بسهولة تخيل دوافع تلك الجريمة أعلاه، والتي كان مسرحها شهر العسل الدامي. إذ كيف تجرأت زوجة لاتخاذ قرار التخلص من زوجها بتلك البساطة؟! ليس بطلب الطلاق، ولا بالاحتمال النبيل إلى "أن يأتي الحب بعد الزواج" كما يظن الكثيرين، ولكن بإنهاء حياته، مرة وللأبد!
أما الجانب الأخر في الكارثة، كارثة اغتصاب الزوجة، يتمثل في غياب الثقافة الجنسية، إن كان ثمة دافع خفي للجريمة، يُسمي الرغبة في الجماع محاولة اغتصاب، ولا يمكن أبدًا التماس العذر للعروس، ما لم تكن في حالة دفاع عن شرفها، وهنا يصعب تخيل ما سوف تنتهي إليه محاكمتها، لكن تشكل تيار على مواقع التواصل الاجتماعي السودانية رافض لإدانتها بالقتل العمد منذ الآن.
ثمة من يعتقد أنها في الحقيقة كانت تدافع عن كرهها لزوج مفروض عليها، لا تحبه ولا تشعر بالأمان معه، وهي بالضرورة أخطأت، بل أجرمت في حق نفسها قبل أن تجرم في حق الضحية. وهنا لا يختصر الأمر على حادثة "شهر العسل"، ولكن على حوادث أخرى في طي الكتمان، فهل كانوا جميعهم يسعون إلي زوجاتهم بالرغبة العنيفة في الحصول على المتعة الجنسية؟ أم أنه الجموح القاتل، والذي هو أيضًا مدعاة للتفاخر بين الرجال في الثقافة الشعبية؟
لا أحد يملك إجابة قاطعة، ولكن الخطورة كلها تكمن في الإكراه المعنوي، والذي يبدأ بإرغام الفتيات على الزواج، وإرغامهن مجددًا على القبول بالإساءة الجنسية.
يتمثل أحد جوانب كارثة اغتصاب الزوجة، إلى غياب الثقافة الجنسية، لدى الرجل أو المرأة، ما يحول الرغبة في الجماع لمحاولة اغتصاب
إنها، ويا للأسى، جريمة مركبة، ربما يسهل التعامل معها من نواح نفسية واجتماعية، أو بنظرية التفكيك. الزوجة قتلت نتيجة لتصوراتها الخاطئة، ورغبتها في التخلص من حالات الاغتصاب اليومي، والذي تسبب فيه الأهل، وهي تعلم أن زوجها سيقترب لا محالة. أما الزوج فهو ضحية دون شك، لكنه فات عليه أن يبدد خوفها وشكها، ويزيل النقاط السوداء العالقة في مخيلة زوجته، وقبل كل شيء يراضيها، ولو بالاستدراك، فيكون إمساكًا بمعروف "زواج تراض" أو تسريحًا بإحسان.
اقرأ/ي أيضًا: