كانت جوان كراوفورد ترى مارلين مونرو رقيعة، وغير جميلة طبعًا. فهذه المرأة الرقيعة تحاكي الغرائز، ما يجعلها غرضًا جنسيًا في أحسن أحوالها. جوان كراوفورد وجميلات العالم يومذاك كن من أولئك اللواتي لا ينفر في وجوههن وأجسامهن أي نافر. التفاصيل محسوبة بدقة، فلا تطغى شفتان على وجه، ولا يجور ثديان على جذع. والحال، كانت النساء الجميلات هن من لا تبرز مفاتنهن إلا في المخادع. هذا ليس حجابًا، لكنه يشبه الحجاب.
مقاييس الجمال المتواطأ عليها منذ قرون هي المقاييس التي تفترض أن المرأة تملك جسمًا ولا تملك رغبات
أمبرتو إيكو يقول على لسان الشخصية الرئيسية في "اسم الوردة" أن المريمات اثنتان، المجدلية التي ينفر في وجهها وجسمها أدوات غوايتها للرجال، والعذراء التي تُرسم بأعضاء يغلب عليها التوسط ولا تجنح مطلقًا إلى الإكثار. المجدلية في عرف كنائس القرون الوسطى هي المرأة المغوية، التي يحلو لهذه الكنيسة أن تعاملها كساحرة، وكثيرات تم تحريقهن بتهمة السحر لأنهن كن جميلات على النحو الموصوف أعلاه.
لكن المجدليات أيضًا قد لا يظهرن جميلات، وإن كن يجنحن دائمًا لأن يكن مثيرات. الفارق جلي، الجميلة هي تلك التي تريد التمتع بصحبتها، والمثيرة هي من يجنح الآخر للتمتع بجسمها. لطالما كان الجمال غير بديهي على الإطلاق.
لكن الفلسفات والمجتمعات صنعت للجمال مقاييس. وعلى مر القرون صُنعت للمرأة الجميلة مقاييس صارمة. فهي تتمتع بجسم من لم تنجب بعد، ويشف جلدها عن نعومة جلد طفلة لم تبلغ بعد، ويجدر بها أن تبالغ في إزالة الشعر الزائد لئلا يحسب القرين أنها بلغت وأصبحت في عداد النساء اللواتي خرجن من دائرة المتعة إلى دائرة التقدير. وهي أيضًا لا تدعو الآخر بأي عضو من أعضائها، فكل عضو بارز هو نقيصة يجدر بها التحايل عليها.
وحيث إن الأجسام لا تنمو بحسب المقاييس، يحدث أن تبلغ نساء كثيرات بأعضاء غير محايدة، إذا اعتبرنا التوسط حيادًا. والحال لا بد من تغطية الجسم وإخفاء معالمه، خصوصًا تلك البارزة منها، وإذا كان الوجه فاضحًا وداعيًا للشهوة وموقظًا للرغبة، فلا بأس من تحجيبه بالنقاب.
لنتفكر قليلًا في هذا المسلك الإنساني على مر القرون. المثير والمغوي، وفق منطق الكشف والتحجيب هذا، هو المستعمل، وليس البتول. أن يكون جسم المرأة محايدًا هو دعوة، للرجال، أو لرجل معين لأن يحوله إلى جسم منحاز، جسم اختبر المتع ويفصح عن رغبته بها.
الجميلة هي تلك التي تريد التمتع بصحبتها، والمثيرة هي من يجنح الآخر للتمتع بجسمها
لكنه قبل أن يختبر المتع، يكون هذا الجسم داعيًا للرجال وليس داعيًا لمتعته. إنه جسم، في عرف الرجال، وثقافتهم المسيطرة، لا يمكنه أن يتعرف على نفسه ومتعه بنفسه. عليه أن يخضع لإرادة الذكر لكي يتحول من جسم لا يقول شيئًا ولا يفصح عن رغبة أو ميل، إلى جسم يفيض رغبة من أحشائه وتتمظهر هذه الرغبة في أعضائه الخارجية. مقاييس الجمال المتواطأ عليها منذ قرون هي المقاييس التي تفترض أن المرأة تملك جسمًا ولا تملك رغبات، وأنها لن تستطيع وحدها أن توقظ هذه الرغبات. وعليه يجدر بها أن تخضع لإرادة رجل ليجعل من جسمها المحايد جسمًا يشبه جسم المجدلية.
مع ذلك، ليس ثمة ما يمنع النساء في كل أصقاع العالم من تجربة الوسائل كافة لإظهار أجسامهن كما لو أنها ما زالت بكرًا لم تستخدم قط. كما لو أن كل التطورات التي حفلت بها المجتمعات لجهة إنصاف المرأة وحقوقها لم تغير في مفهوم الجسم الأنثوي الذي تقع عليه سيوف السلطة الذكورية أولًا. ويبدو أن كل هذا التقدم الذي أحرزناه لم ينجح في أن يحرر الجسم من سطوة الذكر المالك الذي يقيّم جسم المرأة كما يقيّم مزروعات حقله، وعلى النحو نفسه يسور جسمها بألف حجاب كما يسور حقله بأشواك وحراس وكلاب.