طلبني في "الماسنجر" عارضًا عليّ الانضمام إلى حزبه الجديد، فقلت له: لقد شاركتُ في أكثر من ألف نشاطٍ ثقافيٍّ وأدبيٍّ ضيفًا ومستضيفًا، فلم ألحظ أنّك حضرت نشاطًا واحدًا ولو من باب الفضول. ومرّ عام على أنّك أصبحت صديقي بفيسبوك، فلم تكلّف نفسك يومًا الضّغط على زرّ "أعجبني" تفاعلًا مع موضوعٍ من الموضوعات الثّقافيّة والأدبيّة التّي نشرتُها، والتّي يُفترض أنّها من صميم اهتمامات الأحزاب، فكيف تريدني أن أتخندق معك في حزبٍ واحد؟
يفترض بالحزب السياسي قبل أن يكون مجموعة أفراد يسعون للوصول للسلطة، أن يكون مؤسسة ثقافية لها مَنظورها ومُنظّروها
إنّ الحزب السياسيّ قبل أن يكون مجموعة أفراد يسعون للوصول إلى السّلطة، هو مؤسّسة ثقافيّة لها مَنظورها ومُنظّروها في اليمين أو اليسار أو الوسط، حسب المفهوم المتداول لهذا الثالوث في البيئة السياسية التّي انبثق منها. وهذا هو المعمول به في الجغرافيا، التّي أفرزت ثقافة الأحزاب السّياسية.
اقرأ/ي أيضًا: أحزاب الجزائر تبحث عن شبابها
لماذا لا تهتمّ الأحزاب الجزائرية بالرّهانات الثقافية؟ فتملك دورَ نشرٍ خاصّة بها، على الأقلّ لنشر الكتب المنسجمة مع مقولاتها الفكرية ورؤاها الإيديولوجية، فتستقطب الكفاءات بذلك، عوض اقتناصها في خانات الدّردشة كما يفعل عشّاق مواقع التّواصل الاجتماعيّة؟
ألا يفترض بك أن ترسل لي الآن نسخًا إلكترونية تشرح لي أفكار ومقولات ورؤى وتوجهات حزبك، عوض أن تكتفي بالقول إنكم حزب يشكّل البديل؟ هل ترى هذا معقولًا؟!
لماذا لا تستضيف الأحزاب السّياسيّة في الجزائر مثقفي البلد وكفاءاته المعرفية في جامعاتها الصّيفية وتجمّعاتها واجتماعاتها المختلفة للاستماع إليهم؟ هل يشترط أن أكون مهيكلًا معك حتّى تستفيد من أفكاري واقتراحاتي ورؤاي؟
ثمّ إنكم لا تستفيدون حتّى من المثقفين المهيكلين معكم، فأنتم تغيّبونهم وتهمّشونهم وترتّبونهم في ذيول قوائمكم أثناء الانتخابات. وهذا ما يفسّر التحاق بعض المثقفين ببعض الأحزاب، ثمّ سرعان ما ينسحبون منها، بعد أن يكتشفوا أنها مجرّد علب للتّعليب لا للتّفكير، إذ يجدون أنفسهم أمام البِنية نفسها، التي تعتمدها السّلطة الحاكمة في إدارة الشّؤون.
حتّى في معرض مساءلة الأحزاب السّياسية للحكومة في البرلمان، فهي نادرًا ما تستجوب وزير الثقافة، رغم أنّ قطاعه مسؤول مباشرة عن الرّهانات الثّقافيّة الوطنيّة. أكاد أجزم أنّ العلاقة الوحيدة، التي تربط الحزب الجزائريّ بالثقافة هي أنّه يُنظّم تجمّعاته في دور الثقافة. وأنا أدعو وزارة الثقافة إلى أن تصدر قرارًا يمنع ذلك، لأن فيه تمييعًا لصورة هذه المؤسّسات، التّي وُجدت لممارسة الفعل الثقافي لا السّياسي.
بعد ربع ساعةٍ طلبته في الماسنجر لأقول له إنّني شاهدت رئيس حزبه الجديد، قبل شهرين، يثني على الحزب الذّي انشقّ عنه. فما الذي حدث حتّى بات يراه جديرًا بالانشقاق؟ فوجدته قد حذفني من قائمة الأصدقاء!
أكاد أجزم أنّ العلاقة الوحيدة التي تربط الأحزاب السياسية الجزائرية بالثقافة، هي أنّها تنظم تجمّعاتها في دور الثقافة!
قبل ربع ساعة كنتُ "مثقفًا كبيرًا" في نظره، فبتّ تافهًا لا أرقى حتّى إلى أن أكون صديقًا على فيسبوك. وهو ما جعلني أستنجد بخانة النّشر، لأكتب: تبًّا لمعظم الأحزاب الجزائرية، من الحزب الحاكم إلى الحزب النائم إلى الحزب العائم إلى الحزب الحالم إلى الحزب الواهم إلى الحزب "المقاوم" إلى الحزب المسالم إلى الحزب المتاخم. والمجد لحرّية الإنسان والأوطان.
اقرأ/ي أيضًا: