يقدم كايا جينش، في المقال الآتي المترجم بتصرف عن موقع The Point مداخلة ثرية في ظاهرة الكتّاب الأتراك الذين يكتبون باللغة الإنجليزية، وهي ظاهرة لافتة لها أسبابها الثقافية والسياسية والشخصية.
بنثر مقتصدٍ ودقيق، تحكي لنا رواية "السير على السقف" (Walking on the Ceiling)، عن صداقة بين كاتب روائي إنجليزي منتصفِ السنّ تلهمه إسطنبول للكتابة، وطالبة تركية تدرس الآداب. نعرف من اسمه حرفه الأول وحسب، "M"، وهو رجل خجول على نحو رقيق، ذو كتفين متهدّلين، ويحيط حياته الخاصّة بكتوميّة عجيبة. أما هي، "نونو" فمهاجرة كئيبة فقدت والديها، وتعيش حياتها على تأمل ذكراهما في غربتها. تبدأ العلاقة بينهما في باريس، بعد أن التقت به في أمسية ثقافية قرأ فيها من رواية جديدة له. فتن "M" بالفتاة التركية، قوامِها الرشيق واسمها الغرائبي. وكان الانجذاب متبادلًا، إذ أحبّت "نونو" فيه تركيزه فيما تقول وهما يتجولان في باريس، مدينة الأنوار، لفترة امتدّت لأسبوعين.
عبر رواية "السير على السقف" بالإنجليزية، تنضّم سافاش إلى نادٍ من الكتاب الأتراك الذين يكتبون بالإنجليزية، مثل ألف شافاق، وإيجه تاملكوران
مثل العديد من الروايات الأولى، أتت هذه الرواية بما تحكيه من توتر إيروتيكي وتأمل عميق مفعمة بالعديد من العناصر السيريّة. فكاتبة الرواية، عايشة غول سافاش، غادرت إسطنبول هي الأخرى صغيرة، وتخرجت في كلية أمريكية، ثم انتقلت بعد حين إلى باريس. (لكن والديها، بخلاف نونو في الرواية، ما يزالان على قيد الحياة، كما أن سافاش بخلاف شخصيتها في الرواية لم تعمل في مجلة تركية للسياحة والسفر). سافاش، التي تحمل الجنسية التركية، تدرّس فن الكتابة في السوربورن، وتحمل شهادات عليا في الأنثروبولوجيا، واللغة الروسية والكتابة الإبداعية. وإضافة إلى روايتها الأولى، فقد كتبت في العديد من الصحف والمجلات، مثل "ذا نيويوركر"، و "ذا ميليونز"، و"باريس ريفيو". لكن أكثر ما يثير العجب في روايتها الأولى، هي اللغة التي اختارتها للكتابة. صحيح أن الإنجليزية تبعث شيئًا من الرومانسية التي تزخر بها الحياة الباريسية، إلا أنها لا تقدم في ذاتها مسوّغًا يفسر قرار سافاش ترك لسانها الأم لتضع روايتها الأولى التي تتحدث عن كاتبة تركيّة ناشئة تكتب بالتركية.
اقرأ/ي أيضًا: أورهان باموق.. تراجيديا إسطنبول
عبر كتابة هذه الرواية بالإنجليزية، تنضّم سافاش إلى نادٍ من الكتاب الأتراك الذين يكتبون بالإنجليزية، مثل ألف شافاق، وإيجه تاملكوران، وهما كاتبتان مرموقتان كذلك في تركيا. ثمة افتراق بين هؤلاء الثلاثة، فشافاق نشرت رواياتها الأربعة الأولى بالتركية، قبل أن تنتقل إلى الكتابة بالإنجليزية عام 2004. أما تاملكوران فكتبت 16 كتابًا بالتركية، ثم تحوّلت إلى الإنجليزية مؤخرًا في كتاب عن الشعبويّة.
في هذا المناخ الجديد من الهجرة اللغوية، يظل أورهان باموك استثناءً مهمًّا لا يمكن إغفاله. تعزّزت شهرة باموك العالمية عقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر، بروايته الشهيرة "اسمي أحمر"، والتي صدرت ترجمتها الإنجليزية قبل نهاية أيلول/سبتمبر من ذلك العام. تتحدث الرواية عن مقتل رسّام للمنمنمات يرسم على طريقة الإفرنج، وعبر هذه الحكاية يلقي باموك الضوء على الانقسامات السائدة المتصورة بين الشرق والغرب. ومنذ صدور هذه الرواية بالإنجليزية، توالت ترجمات عديدة لأعمال باموك إلى الإنجليزية، وتحمّس القراء لزيارة تركيا، وكانت تلك الترجمات بمثابة الوجه الأبرز للقاء القارئ بالإنجليزية مع الأدب التركي. ورغم شهرة باموك في مختلف العوالم الغربية ولغاتها، لم ين عن الكتابة حصرًا بلغته الأم، حتى بعد أن تعرّض للمساءلة القانونية وخضع للمحاكمة حين رفعت عليه دعوى بتهمة "إهانة الهوية التركية"، بعد تعليقات أدلى بها عام 2005 بشأن بعض الفظائع في تاريخ البلاد. بعد ذلك بعام، وعقب حصوله على جائزة نوبل للأدب، ترك باموك إسطنبول وانتقل للعيش في نيويورك، بعد تلقيه عدة تهديدات بالقتل. وحتى في مكان إقامته الجديد، بقيت أعماله تصدر بترجمات إنجليزية، وكتب عن أعماله بحماسة وانبهار كلٌّ من جون أبدايك ومارغريت أتوود وغيرهما، حتى صار باموك محاضرًا في جامعة كولومبيا، ومع ذلك لم يتراجع عن الكتابة بالتركيّة.
خلال العقد الماضي، أسهمت ملاحقة الكتاب والصحفيين الأتراك من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في التشجيع على "هجرة" لغوية للكتابة بلغات أخرى. ففي آذار/مارس الماضي، نشرت دار "غرانتا" الشهيرة مذكرات للروائي والكاتب التركي الشهير أحمد ألتان، الذي يمضي حكمًا بالسجن المؤبّد في تركيا لإدانته بتهمة محاولة قلب النظام الدستوري. لقد كتب أحمد ألتان مذكراته بلغته الأم، لكنه قرر نشرها بالإنجليزية فقط.
في الوقت الذي ينتظر فيه هذا المصير العديد من الكتاب المعارضين في تركيا، ما يزال كثرٌ في المهجر، في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، يكتبون بالتركية. في عام 2016، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه رغم تعرض الصحفيين والصحف التركية لعملية من التضييق وتكميم الأفواه بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة ذلك العام، حظي الروائيون بنوع من "الحصانة" النسبية، وغضّ الرقيب الطرف عنهم. وعليه فإن الرقابة والقمع لا يفسّران جنوح كاتبة شابة مثل عايشة غول سافاش عن الكتابة بلغتها الأم وتفضيلها الإنجليزية لتستهل بها مشوارها الروائي. ثمة تفسير آخر يبدو معقولًا أكثر، وهو أن اختيار الإنجليزية نابع ربما من رغبة سافاش، على غرار شافاق وتاملكوران، بأن يكون لها جمهور أوسع من القراء.
اللغة التركية ليست ضمن قائمة أكبر عشر لغات في العالم، إذ يبلغ عدد المتحدثين بها حوالي 79 مليونًا
من المعلوم أن اللغة التركية ليست ضمن قائمة أكبر عشر لغات في العالم، إذ يبلغ عدد المتحدثين بها حوالي 79 مليونًا. فالإنجليزية تتصدر القائمة، بحوالي 379 مليون ناطق بها كلغة أم، وأكثر من مليار متحدث بها حول العالم. لكن الأمر كان مختلفًا قبل ثلاثة قرون من اليوم. فما كان يعرف بـ"اللسان العثماني"، أي التركية العثمانية، التي كانت مزيجًا من العربية والفارسية والتركية، كان لها حضور أكبر في عالم ذلك الزمان. يقول جيوفاني مولينو، في معجم إيطالي-تركي وضع عام 1641، إن العثمانية كانت اللغة المشتركة للتواصل في 55 مملكة تحت الحكم العثماني، حيث يمتد المتحدثون بها من حلب حتى طرابلس، ومن القاهرة حتى مكة. وحسب جيوفري لويس، وهو أحد أبرز المختصين باللغة التركية في عصره، إن العثمانية هي اللغة الوحيدة التي قاربت مكانتها الإنجليزيةَ في حجم مفرداتها الهائل".
اقرأ/ي أيضًا: أورهان باموق.. من مطبخ الكتابة
كما حظي الشعر العثماني بمقروئية عالمية واسعة، إضافة إلى الاهتمام المحلي بها في المدارس العثمانية التي كانت تخرّج الموظفين الرسميين. ورغم الامتداد الواسع للغة في العالم حينها، إلا أن عمالقة الآداب التركية كانوا لا يبرحون إسطنبول وأسوار قصر توبكابي، حيث كتبوا أشعارهم التي يصعب على عامة الناس إدراك معانيها، حيث بقي للعربية والفارسية وآثار هاتين اللغتين سيطرة على خيال شعراء العثمانية وكتابها، حتى إنهم انصبوا على وصف أماكن وشخوص عربية أو فارسية في معظم الأحيان. تغير الحال قليلًا في بداية القرن التاسع عشر، حيث بدأ يظهر في العثمانية وصف الحياة اليومية في شوارع إسطنبول. ثم سرعان ما بدأ الانتقال إلى أشكال التعبير التركية لتحل محلّ الأساليب الأدبية العثمانية المبالغ في تنميق أسلوبها، وتزامن ذلك مع نشوء قومية سياسية كانت معنية بهويتها اللغوية التركية. وحين بدأ التفكك يصيب الإمبراطورية العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى، تراجع الحضور العالمي للعثمانية، وفي عشرينات القرن الماضي، قام أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، بتطويق اللغة التركية وتخليصها من كثير من الكلمات العربية والفارسية. بذلك صار متحدثو التركية لا يتجاوزون حدود الجمهورية الحديثة، وبرز دور الأدب كأداة لتعزيز الهوية القومية الجديدة.
في خضمّ ذلك التحوّل الجذري، قرر بعض الأدباء الأتراك الكتابة بالإنجليزية احتجاجًا على النهج الأتاتوركي في التحديث ووتيرته التي لا ترحم. خالدة أديب أديفار، كاتبة نسوية عثمانية أغاظها طمس الهوية التاريخية الإسلامية بدعوى التحديث والغربنة. ولقيت عنتًا في التعبير عن آرائها في الجمهورية الناشئة ووصمت بالخيانة، فاضطرت للانتقال إلى بريطانيا عام 1926. بعد عامين، كتبت مذكراتها في بيت ريفي ليست بعيدًا عن المكان الذي كانت فيرجينيا وولف تكتب فيه روايتها "To The Lighthouse". كما ألقت محاضرات في جامعة كولومبيا، وفي عام 1935، نشرت رواية بعنوان "المهرج وابنته" (The Clown and His Daughter)، وهي أول رواية لكاتب تركي تصدر بالإنجليزية. وفي العام ذاته، تلقت أديفار عرضًا لتقديم محاضرات في الهند بدعوة من غاندي، فانتقلت إلى دلهي وكتبت مشاهداتها وانطباعاتها عن البلاد والسياسة في العالم الثالث في كتاب بعنوان "من داخل الهند" (Inside India)، وقد نال الكتاب شهرة واسعة لم يكن لينالها غالبًا لو لم يكتب بالإنجليزية.
قرر بعض الأدباء الأتراك الكتابة بالإنجليزية احتجاجًا على النهج الأتاتوركي في التحديث ووتيرته التي لا ترحم
ثمة متحوّل مبكر آخر عن التركية إلى الإنجليزية، وهو إرجا آيدنر. تخرج آيدنر في مدرسة أمريكية مطلة على البوسفور في إسطنبول، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1957 في سن العشرين، وبدأ مشواره بكتابة عدد من الروايات بالإنجليزية. وبلغت رواياته قدرًا من النجاح حتى أن جون آشبيري قارن روايته "حزن لدى الرحيل" (Sadness at Leaving)، بأعمال بروست وجورج سيمنون، وأثنى على ما تعرضه الرواية من انطباع "غير مألوف ومذهل عن المجتمع البوهيمي والبرجوازي في أمريكا، من وجهة نظرة كاتب تركي مندهش بشكل لا يخلو من التعاطف". إلا أن آيدنر، ومن قبله أديفار، كانا مجرد استثناء. ففي عشرينات القرن الماضي، كان الكتّاب الأتراك، يساريين كانوا أو محافظين، يعتزون كثيرًا بالكتابة بالتركية ويتعصبون لها. وعكف المختصون بالإنجليزية داخل تركيا على ترجمة الأعمال "ما بعد كولونيالية"، لأمثال تشينوا أتشيبي وأنيتا ديساي ونايبول وسلمان رشدي وغيرهم، وأصر النقاد الأتراك على موقفهم بأن الكتابة بلغة المستعمِر ظاهرة أجنبية غير مقبولة في المشهد الأدبي التركي.
اقرأ/ي أيضًا: أليف شفق تكتب رواية ستُنشر بعد 100 عام في "مكتبة المستقبل"
استمر الأمر كذلك حتى الثمانينات، في عهد حزب "الوطن الأم" الذي تبنى سياسات الاقتصاد الليبرالي والأمركة الثقافية، حيث بدأت الإنجليزية تحتل مكانة قوية في تركيا، واستمر ذلك حتى مجيء حزب العدالة والتنمية، وريث النهج الذي بدأه حزب "الوطن الأم" من قبله، لكن بسياسات نيوليبرالية، حولت بعض جوانب الحياة الثقافية في تركيا، وفي مقدمتها مدينة إسطنبول بما تمثله من إرث حضاري، والتصوف، والسلاطين، إلى مواد تسويقية، وازدادت الكتابة عنها باللغة الإنجليزية.
في السنوات الأولى من الألفية الجديدة، صعد اسم ألف شافاق لتجسّد بكل وضوح هذا الجوّ الثقافي المنفتح والجديد. نالت روايات شافاق الثلاثة الأولى ثناء كبيرًا من النقاد، ولم تلبث حتى أصبحت من أكثر الكتاب مبيعًا. وفي العام 2004، أصبحت شافاق أستاذة لدراسات الشرق الأدنى في جامعة أريرزونا، ثم نشرت أول رواية لها بالإنجليزية (The Saint Incipient Insanities)، مع دار "فارا، شتراوس، وجيرو" العريقة، وحرصت على تحويل اسمها ليكتب بالأحرف الإنجليزية (Shafak) بدلًا من التركية (afakŞ).
لم يرق هذا التحوّل للنقاد في تركيا، وتعرضت شافاق لانتقادات لاذعة، ما اضطرها لتقديم مبررات لهذا الخيار، من بينها أنها وجدت صعوبة في تصنيف كتابها الجديد، كما لم يفتها أن تذكر أن إقامتها في الولايات المتحدة جعلها "تتنفّس" الإنجليزية على حدّ تعبيرها، وأن ذلك أسهم في قرارها الكتابة بها. لكنها وجدت نفسها مرغمة على التأكيد لقرائها الأتراك أنّها لم تتخل عن التركية، وأنها لم تفضّل لغة أخرى عليها، وإنما أرادت أن تكون "ثنائية اللغة" وحسب.
تحسين يوجال، أحد أبزر النقاد الأدبيين في تركيا، كان له رأي آخر. "اللغة والأدب وجهان لورقة واحدة، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر".. "الرواية التركية المكتوبة بالإنجليزية لن تكون رواية تركية، ولا إنجليزية، ستكون شيئًا ما بينهما". وهكذا شعر بعض القراء الأتراك أن شافاق قد تخلت عنهم، وتفاجأ آخرون من قرارها وهي التي طالما أبهرت جمهورها ببراعة نثرها وحسن لغتها. لكن شافاق لم تتراجع، وأخذت رواياتها منحى جديدًا بالتطرق لثيمات أوسع ذات أبعاد عالمية، وطورت لها صوتًا جديدًا في كتابتها بالإنجليزية.
لا شكّ أن للكتابة بالإنجليزية في نظر الكتّاب المتحدثين بغيرها مزايا عديدة، فهي طريق مختصر للوصول إلى كبريات دور النشر والجوائز العالمية، كما أنها تمهد الطريق للحصول على منح التفرغ والإقامات الأدبية، عدا عن زيادة المقروئية وما يعنيه ذلك من فرصة استقرار أكبر في حرفة الكتابة. في تركيا، تميل دور النشر الكبيرة إلى تقديم عقود مغرية للكتاب من السياسيين والشخصيات التلفزيونية من الممثلين والممثلات ومن ارتبطوا بعلاقات عاطفية سابقة معهم/نّ، إضافة إلى كتاب مقالات الرأي البارزين، ومستشاري العلاقات العاطفية والأسرية، ومشاهير عالم الطهو. أما كتاب الأدب فأسماء مغمورة في أغلبها ولا تحصل على عقود مجزية من دور النشر والمجلات الأدبية. فأفضل المجلات الأدبية لا تقدم سوى 30 دولارًا مقابل مقال أدبي أو قصة قصيرة، أما الناشر فقد يدفع 300 دولار فقط مقابل كتاب جديد كامل.
لا شكّ أن للكتابة بالإنجليزية في نظر الكتّاب المتحدثين بغيرها مزايا عديدة، فهي طريق مختصر للوصول إلى كبريات دور النشر والجوائز العالمية
ثمة ارتباط لا مفرّ منه بين هذه الأجور المتدنيّة ومستوى ما ينتجه الكتاب الأتراك، وتراجُع الاهتمام العام بالأدب. تدّعي ألف باتومان، وهي كاتبة أمريكية من أصول تركية، أن الرواية التركية شبه مهجورة من القراء، وهذا ما لاحظته أثناء إقامتها في تركيا، فتقول "قلّما التقيتُ بأشخاص مهتمين بقراءة الروايات، وكان التفضيل دومًا للقصص القصيرة الساخرة، والحكايات الشعبية، وكتب المقالات والرسائل، والشعر، إضافة إلى الصحف وكتب الألغاز. يفضّل الناس أي شيءٍ على الروايات!".
اقرأ/ي أيضًا: أليف شافاق في مواجهة السلطة.. الأدب في مرمى النيران
في كتاب صغير عن مارسيل بروست، تحدث الرسام البولندي جوزيف زابسكي في عجالة عن جوزيف كونراد، وقراره مغادرة بولندا والكتابة بالإنجليزية، فقال: "شعر كونراد بضرورة ترك بلاده، ولغته، وأن يصبح كاتبًا بلغة غريبة في أرض غريبة، وكل ذلك من أجل أن يجد بيئة قد يمتلك فيها القدرة على إنتاج أعمال تخلو من أثر التحيّز والمسلّمات المسبقة". ربما لم تعد الإنجليزية اليوم لغة غريبة كما كانت قبل قرن من الزمن، لكن عبارة زابسكي قد تنطبق على كتاب أتراك مثل سافاش وغيرها، إذ يبدو أن استخدام لغة جديدة قد حررها من قيود تعيقها، أو كانت لتعيقها، في لغتها الأم.
إيجا تاملكوران، تحدثت عن كتابها الأخير "كيف تخسر بلدك" (How to Lost a Country)، ووصفت في مقابلة على راديو بي بي سي الألم الذي شعرت به حين بدأت تنسى بعض الكلمات التركية البسيطة بعد أن انتقلت للعيش في كرواتيا. "في أحد الأيام، توقفتُ فجأة في وسط الطريق تحت المطر في زغرب، وهمت على وجهي عدة ثوانٍ وأنا أحاول أن أتذكر المقابل التركي لكلمة "أصمّ".. حين تقرر أن تقص حكاياتك بلغة أخرى، تشعر كأن عرى لغتك الأم تنفصم في أعماقك مع كل خطوة على هذا الطريق. وحين تستدير وتنظر إلى الوراء، ستتحول إلى عمود من الملح"!
اقرأ/ي أيضًا: