ألترا صوت - فريق التحرير
أثناء تجواله برفقة صديقه في إحدى المقابر، وبينما يقرأ العبارات المكتوبة على شواهد القبور، شعر الكاتب والشاعر الإنجليزي ت. س. إليوت (1888 - 1965)، أنه من الممكن تحويل تلك العبارات إلى ملحمةٍ شعرية، منحها بعد الانتهاء منها فيما بعد عنوانًا بدا لافتًا بل ومفاجئًا أيضًا، وهو "الأرض اليباب".
يضم الكتاب بين دفتيه دراسة مقارنة لست ترجماتٍ عربية لقصيدة "الأرض اليباب"، بالإضافة إلى ترجمةٍ جديدةٍ لها
القصيدة التي ظهرت للمرة الأولى عام 1922 في مجلة "كريتيريون" التي أسسها وحررها إليوت، والتي ستُنشر رسميًا نهاية العام ذاته؛ ولدت فكرتها إذًا في مقبرة، وفقًا لما رواه صديق إليوت الذي رافقه في تلك الجولة التي ألهمته نصًا سيُنظر إليه، دومًا، على انه أقرب إلى انقلابٍ على الأشكال الشعرية التي كانت سائدة آنذاك، لتتحول "الأرض اليباب"، منذ ذلك الوقت، إلى إحدى أشهر القصائد في العالم، إذ تُرجمت إلى لغاتٍ مختلفة، وكُتبت عنها مئات الدراسات النقدية، باعتبارها مرجعًا أساسيًا في الشعر، ومحطة فارقة في تاريخه.
اقرأ/ي أيضًا: رسائل إليوت إلى إيميلي هيل.. حرب بين ميتَين
وعلى الرغم من أن القصيدة تُعتبر جزءًا بسيطًا من نتاج إليوت المتشعب، إلا أنه عُرف عربيًا باعتباره مؤلف "الأرض اليباب" فقط، ولعل الدليل على ذلك هو كثرة ترجماتها العربية، إذ صدرت القصيدة في نحو 8 ترجماتٍ مختلفة، أنجزها مترجمون مختلفون، من بينهم يوسف الخال، وأدونيس، ولويس عوض، وعبد الواحد لؤلؤة، ويوسف اليوسف، وماهر شفيق فريد، وتوفيق صايغ، وغيرهم.
"الأرض اليباب وتناصها مع التراث الإنساني"، هو عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن "دار المدى"، للكاتب والشاعر العراقي فاضل السلطاني، ويضم بين دفتيه دراسة مقارنة لست ترجماتٍ عربية لقصيدة ت. س. إليوت هذه، بالإضافة إلى ترجمةٍ جديدةٍ لها، تُعيد إحيائها في سياقاتٍ نقدية وسجالية مختلفة، الهدف منها الإحاطة بتاريخها بمختلف جوانبه.
يُقدّم السلطاني في كتابه دراسة عن مصادر القصيدة، الأسطورية منها والدينية، بالإضافة إلى الشعرية والنثرية أيضًا، لا في العالم الغربي فقط، وإنما في التراث الإنساني بشكلٍ عام. ويذهب الشاعر العراقي في الوقت نفسه باتجاه وضع تحليل نقدي لأقسام القصيدة الخمسة، في محاولةٍ منه للإحاطة بمراجعها المختلفة، تمهيدًا للانتقال لا نحو تغطية تاريخ الترجمة والتلقي العربي لها فقط، وإنما باتجاه رصد وفهم وتحليل مسارات التفاعل معها عربيًا، عبر دراسة ترجماتها وعقد مقارنةٍ فيما بينها.
واشتمل الكتاب أيضًا على مقتطفاتٍ وافية من كتاب "قصائد ت. س. إليوت"، وهو آخر الكتب الصادرة حول الشاعر الإنجليزي الراحل، قدّم فيه المحرران كريستوفر ريكس وجيم ماكيو، على امتداد نحو 2000 صفحة موزعة على مجلدين، دراسة جديدة لقصائده، تقوم على إحالتها إلى مصادرها الأساسية التي تعكس، بطبيعة الحال، ثقافة إليوت ودورها في بنائه لـ"الأرض اليباب".
يقول الناقد والباحث السوري خلدون الشمعة في تقديمه للكتاب: "لا شك عندي أن سجال فاضل السلطاني مع التناص وإلماعات الأرض اليباب، سجال مثير للإعجاب. كما أنه يدل من حيث اكتماله على سيطرة معرفية متميزة على جل ما يتصل بإليوت ونظريته في التراث".
ويضيف: "هذا السجال الذي تنطلق فيه الترجمة الجديدة يبدأ بمناقشة مستهل الأرض اليباب: "نيسان أقسى الشهور"، مثيرًا بذلك مشكلة التناص والإلماعة اللذين تنهض عليهما القصيدة. يقول: "يفتتح إليوت هذا القسم بمقطع عن جدب عالمنا المعاصر من خلال تصوير نيسان شهرًا قاسيًا، ليس لأنه شهر صلب المسيح كما يعتقد د. عبد الواحد لؤلؤة، بل لأنه قاس بالنسبة لأولئك العاجزين روحيًا. فهو بداية الربيع الذي تتفتح فيه الطبيعة وينبثق الجمال بينما هم غير قادرين على التمتع بخيراته".
يُعيد كتاب فاضل السلطاني إحياء "الأرض اليباب" في سياقاتٍ نقدية وسجالية مختلفة، الغاية منها الإحاطة بتاريخ القصيدة بمختلف جوانبه
ويرى الشاعر العراقي فاضل السلطاني، أن الترجمات العربية للقصيدة تحتوي على: "أخطاء كثيرة في فهم النص الأصلي وفي مواضع مهمة، إلى الدرجة التي تعكس المعنى إلى نقيضه، كما سنبين في الدراسة المرفقة".
اقرأ/ي أيضًا: "الأرض الخراب".. ترجمة توفيق صايغ المجهولة
ويتابع: "لقد تتبعنا ما نراه أخطاء، أو تفسيرات خاطئة، وثبتنا النص الأصلي وما يقابله من الترجمات الست، ومواطن الخلل فيها، ليأخذ القارئ فكرة كاملة عن طبيعة عملنا ودوافعه، وهو فهم القصيدة بصورة أفضل وأقرب للنص الأصلي ومعناه، كما قدمنا مقارنة لكل ترجمة مع الترجمات الأخرى، مشيرين للخلل فيها، مثبتين ما نراه دقيقًا، أو أقرب للدقة مع تقديم التفسيرات والشروحات، إضافة للنص الأصلي، التي تدعم ما ندعي أنه خطأ أو صواب".
اقرأ/ي أيضًا:
رعد عبد القادر.. مختارات بالإنجليزية