حين أعلن "بيت الشّعر في المغرب" بشراكة مع "مُؤسّسة الرّعاية لصندوق الإيداع والتدبير"، وبتعاون مع وزارة الثقافة والاتصال عام 2002 عن إطلاق "جائزة الأركانة العالمية للشّعر" تكريمًا لشجرة الشّعر ولشجرة الأركان ذات الزّيت والثمرة المتميّزين، وهي لا تنبت في مكان من العالم سوى في الجنوب المغربي، كان طموح القائمين عليها أن تكون ضمن الجوائز الشّعرية الوازنة في الوطن العربي وفي العالم.
من بين من فازوا بـ"الأركانة العالمية" محمود درويش وإيف بونفوا وأنطونيو غامونيدا
لم تمضِ إلا سنوات قليلة حتى تحقّق هذا الطموح، بالنّظر إلى الصّرامة، التي تميّزت بها لجان تحكيمها وابتعاد قراراتها عن المجاملات والمداهنات والإملاءات. إذ لم يحدث أن منحت الجائزة لغير مستحقّيها ممّن كابدوا من أجل نصّ شعريٍّ ذي أنفاس وهواجس إنسانية، وراكموا تجارب إبداعية تحوّلت إلى علاماتٍ قطعت مع السّائد وأسّست لسؤال شعري جديد.
اقرأ/ي أيضًا: فالح عبد الجبّار.. دولة فاشلة في الدولة الفاشلة
من بين من فازوا بـ"الأركانة العالمية" التي تتفوّق قيمتها المعنوية والرّمزية على قيمتها المالية المقدّرة بـ 12 ألف دولار أمريكي، الفلسطيني محمود درويش والفرنسي إيف بونفوا والإسباني أنطونيو غامونيدا والأمريكية مارلين هاكر والعراقي سعدي يوسف والصّيني بي داو والمغربيان الطاهر بنجلّون ومحمّد السّرغيني.
لجنة تحكيم دورة 2017 برئاسة الشّاعر اللبناني؛ المقيم في باريس؛ عيسى مخلوف، وعضوية الناقدة سناء غواتي، والناقدين عبد الرحمن طنكول وخالد بلقاسم؛ والشعراء نجيب خداري، مراد القادري، عبد السلام المساوي، منير سرحاني وحسن نجمي أمين عام جائزة الأركانة العالمية للشعر، ارتأت أن تؤول الأركانة هذا العام لشاعر الطوارق محمدين خواد المولود في دولة النّيجر عام 1950 والمقيم في فرنسا، حيث أطلق منها متونًا وملاحمَ شعريةً ترجمت إلى العديد من لغات العالم، منها تجربته "وصية البدوي" التي ترجمها أدونيس إلى اللغة العربية.
برّرت اللّجنة قرارها في بيان لها بكون تجربة محمدين خواد لم تنفصل عن تجربة الترحّل والتيه، على نحو جعلَ كتابته مشدودةً إلى الأقاصي، وإلى شسوع فضاء الصحراء، الذي تحوّلَ في مُمارَسته النصية إلى شسوع معنى.
من حمولات الأقاصي، كانت تجربة الشاعر محمدين خواد تبني المعنى في تفاعُل حَيويّ مع زَمنها. "لقد توغّلت كتابتُهُ بعيداً في تأمّل الفضاء، لا اعتماداً على التجريد، بل استناداً إلى تجربة ملموسة، فيها تلقى خواد، مُنذ تربيته الأولى، أبجدية الترحّل، ومنها خبرَ كيفية الانتساب إلى فضاء الصحراء. وهو ما جعلَ الأمداء والآفاق والأقاصي جزءاً من تجربة وجوديّة مُمتدّة في الزمن، قبل أن تشهدَ امتداداتها وتفرّعاتها في البناء الشعريّ والدلاليّ لمُمارسة الشاعر النصيّة. وهي الامتدادات التي انطوَت على رفض لافت للفضاء الواحد، وهيّأت كتابة خواد للاشتغال ضدّ النّسق".
من مظاهر مصداقية "جائزة الأركانة العالمية للشّعر" أنها تذهب للتجارب الوفية لمكانها وإنسانها وسؤالها وقلقها الوجودي
يضيف البيان: "إنّ صدى رُؤية الشاعر خواد عن الفضاء والتيه والسَّفر في الذات وفي العالم سارٍ في أعماله الشعريّة وفي رُسومه كذلك. رُؤيةٌ جَعلَت اللانهائيَّ أحدَ المدارات الرئيسَة التي عليها ينبني المعنى في تجربة الشاعر، حتى لتبدو لغتهُ، في تفاعُلها مع فضاء الصحراء ومع التيه والترحّل، كما لو أنّها ترومُ الإمساكَ بهذا اللانهائيّ، الذي بقدر ما يَبقى، مُنفلتاً بحُكم جَوهره، يَجتذبُ اللغة نحو مُلامسة حُدودها واختبار تجربة تجاوُز الحدود".
اقرأ/ي أيضًا: أزهر جرجيس: ماذا يريد الغريب؟
لقد كتبَ الشاعر محمدين خواد قصيدته، حسب البيان، بتمجاغت التي كان يُدوّنها بحرف تيفيناغ. وقد مكّنَ لغته، التي غذّاها بتعدّد أجناسيّ لافت، من امتداد عالميّ تشهدُ عليه الترجمات التي عرفتها أعماله، والدراسات التي قارَبَت هذه الأعمال.
يقول الشاعر والأكاديمي مراد القادري عضو لجنة التّحكيم لـ"ألترا صوت" إنّ من مظاهر مصداقية "جائزة الأركانة العالمية للشّعر" أنها تذهب للتجارب الوفية لمكانها وإنسانها وسؤالها وقلقها الوجودي، في انفصال تامّ عن الالتزامات الخارجة عن القصيدة، "لقد كان السّؤال الذي انطلقنا منه في "بيت الشّعر المغربي" في التأسيس لهذه المصداقية: لماذا لا توجد جائزة شعرية في الفضاء العربي لا تخضع لغير شروط الشّعر؟".
اقرأ/ي أيضًا: