انعكست الأزمة المالية والاقتصادية التي تصيب لبنان على المؤسسات التجارية والإعلامية بشكل مباشر، الأمر الذي أدّى إلى إقفال العشرات منها، وقيام عدد كبير منها بصرف أعداد من الموظفين، وقيام أخرى بحسم رواتب موظفيها وتقليص التقديمات والامتيازات التي يحصلون عليها.
انعكست الأزمة المالية والاقتصادية التي تصيب لبنان على المؤسسات التجارية والإعلامية بشكل مباشر، الأمر الذي أدّى إلى إقفال العشرات منها، وقيام عدد كبير منها بصرف أعداد من الموظفين
آلاف الموظفين وجدوا أنفسهم بدون عمل في الأشهر الأخيرة، والقسم الأكبر منهم لم يحصل على الحقوق الي يقرّها قانون العمل كتعويضات نهاية الخدمة، والإنذارات المبكرة بإنهاء العقد وما إلى ذلك. وقد استفاد أصحاب المؤسسات من غياب الأطر التنفيذية لتطبيق قوانين العمل، والبيروقراطية والمماطلة في التحكيم بين أرباب العمل والموظف، ما يجعل الموظف اللبناني يصرف النظر عن مقاضاة مؤسسته كي لا يخسر الوقت والجهد وبدل أتعاب المحامين.
اقرأ/ي أيضًا: دفعة جديدة على حساب اللبنانيين: ما الذي سيحدث بعد تسديد اليوروبوندز؟
مؤسسات عريقة تقفل أبوابها والأزمة تطال قطاع الإعلام
وقد ساهم تراجع قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي، في رفع أسعار السلع المستوردة، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وانخفاض القيمة الفعلية للرواتب ( أكثر من 40 بالمئة). ولم يسلم أي من القطاعات من تبعات الأزمة، وشملت خارطة المؤسسات التي تمّ إقفالها أخيرًا المحال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وصولًا إلى الكبيرة منها كالمجمع التجاري Le Mall في الحبتور. كذلك طالت الأزمة المؤسسات الإعلامية بسبب تراجع قدرة المعلنين، فانتشرت أخبار عن قيام مجطات تلفزيونية كالـLBC بدفع نصف راتب لموظفيها فقط، بينما أعلنت OTV عن تسريح عشرين موظفًا بسبب انتفاء الحاجة لخدماتهم. أما على مستوى إذاعات الراديو، فقد أعلنRADIO ONE عن توقفه عن البث بسبب الأزمة.
تواصل "ألترا صوت" مع عدد من الموظفين الذين واجهوا مشاكل مع مؤسساتهم في الأشهر الأخيرة. ربيع (33 سنة)، أب لطفلين، قال إن المدير المالي في شركة الاستيراد والتصدير التي يعمل فيها، أبلغ الموظفين خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي أنهم سيتقاضون نصف رواتبهم ابتداءً من نهاية ذلك الشهر. ويبين أن مبرّر الشركة يومها كان حصول تراجع في إيرادات الشركة بسبب تراجع عملية الاستيراد من الخارج في ظل أزمة شح الدولار، وأن إدارة الشركة – بحسب قولها – كانت امام خيارين أحلاهما مرّ، وهما تسريح نصف الموظفين، أو اقتطاع نصف الرواتب.
ويشير إلى أنهم تلقّوا القرار في الوقت الذي كانت فيه أسعار السلع الأساسية تبدأ ارتفاعها الجنوني، وبالتالي فإن الراتب الذي كان بالكاد يكفيهم لآخر الشهر قبيل الاقتطاع منه، بات اليوم يشكّل أزمة حقيقية لهم، في ظل المستحقات الكبيرة التي تنتظرهم. ويشير إلى أنه اضطر مع عائلته إلى تغيير نمط حياتهم، والاستغناء عن الكثير من الكماليات، وتغيير النظام الغذائي، وتقليل الاستهلاك قدر الممكن.
يستغرب ربيع في نهاية حديثه كيف أن الشركة التي راكمت أرباحًا هائلة في السنوات الأخيرة، وهي أرباح ساعدها في جنيها، النظام الاقتصادي غير العادل، لم تصبر على موظفيها شهرًا واحدًا حتى، ولجأت لخيار حسم رواتبهم فور تراجع أرباحها.
نسب البطالة ترتفع وإيجاد عمل جديد شبه مستحيل
من جهته، يقول علي (24 سنة) إن الشركة التي عمل فيها لمدة سنتين، أخبرته بشكل مفاجئ أنها استغنت عن خدماته وخدمات عدد من زملائه بسبب الوضع الاقتصادي المتردي. وكانت إدارة الشركة قد أبلغتهم بقرار الفصل في اجتماع دعتهم إليه، وطلبت منهم توقيع أوراق يتنازلون من خلالها عن كامل حقوقهم، مقابل حصولهم على راتب الشهر الأخير. يقول علي الذي كان يتحضر للزواج قبل اشتداد الأزمة الاقتصادية، إن إيجاد عمل جديد هو أمر شبه مستحيل اليوم.
اقرأ/ي أيضًا: "يسقط حكم المصرف".. عقدة رياض سلامة في منشار الاقتصاد اللبناني
وللوقوف على وجهة نظر أرباب العمل، كان لـ"ألترا صوت" لقاء مع سهام، مالكة إحدى الشركات التي تستقدم العاملات الأجنبيات. تقول سهام إن الطلب على العاملات الأجنبيات تراجع بشكل كبير، في ظل عدم توافر الدولار في السوق، بل إن الكثير من العائلات استغنت عن العاملات المنزليات، ما انعكس جمودًا كبيرًا في العمل داخل الشركة. تقول سهام إنها تجرّعت الكأس المر، واضطرت لحسم رواتب الموظفين لديها بنسب تترواح بين 30 و50 بالمئة. مضيفة أن البديل كان إغلاق الشركة وبالتالي فقدان الجميع داخلها لعملهم.
آلاف الموظفين وجدوا أنفسهم بدون عمل في الأشهر الأخيرة، والقسم الأكبر منهم لم يحصل على الحقوق الي يقرّها قانون العمل كتعويضات نهاية الخدمة
إغلاق المؤسسات وتسريح الموظفين انعكس ارتفاعًا في نسب البطالة، الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى زيادة في حالات السرقة والسطو، وأثّر على الأمان الاجتماعي. وفيما كانت حكومة حسان دياب تنال ثقة المجلس النيابي للشروع بالعمل، بدا واضحًا من اللحظة الأولى أنها لا تملك أية حلول عملية لمشاكل المواطنين، وبالتالي فإن الأزمة التي يعيشها اللبنانيون يبدو أنها ستطول وستتفاقم، خاصة مع اقتراب استحقاق الديون المترتبة على الدولة اللبنانية تحت مسمى "اليورو بوند".