حرص الفنان عادل إمام، في مختلف أعماله، على تقديم صورة نمطية سلبية، عن كل من الإسلامي واليساري. فالأول عادةً ما يكون إرهابيًا، والثاني دائمًا ما يكون منغلقًا، منفصلًا عن الواقع، معارضًا معارضةً مجانيةً بلا أي أساس، كأنه أدمن فقط أن يقول "لا" لأي شيء ولكل شيء.
حروب عادل إمام على اليسار هي امتداد لحروب النظام المصري منذ شرع السادات بالإطاحة بالمشروع الناصري
لماذا هذان التياران تحديدًا؟! هل معاداة "الإسلامي" هي جزء من معاداة الإسلام نفسه، مثلما يصور بعض الإسلاميين الذين يرفعون في مقابل شعار "الحرب على الإرهاب" شعار "الحرب على الإسلام"، معتبرين خصومهم السياسين خصوماً للدين، وهل معاداة "الإسلامي" معاداةً لكل المسلمين؟
بالطبع لا.. لا ينطلق عادل إمام أو غيره من معاداة للإسلام إطلاقا، ولا من معاداة لكل المسلمين، فهذه الصورة المقولبة التي يتم بها اختزال الإسلاميين خاصةٌ بفرق بعينها: الإخوان، السلفيين، الجهاديين، ليس غيرهم. ففي مقابل هذه الصورة هناك دائماً صورة للصوفية "الطيبة" التي تمثل قيم "الإسلام المعتدل". فالأمر سياسي في المقام الأول، ولأن الصوفية لا تشارك في السياسة، ولا تشارك أساسًا في العمل العام، فهي بمنأى عن التهكم والقولبة لأسباب سياسية، لأنها باختصار لا تمثل خطرًا على النظام السياسي القائم. فالطرق الصوفية، وقد وقفت مع نظام مبارك سابقًا، تتعامل اليوم مع السيسي بوصفه "الولي المخلّص".
على العكس يمثل الإسلام السياسي خطرًا على النظام المصري، الذي يعيش أساسًا، في عهد السيسي كما كان الحال في عهد مبارك، على فزاعة الخوف من الإسلاميين، فلطالما قدم مبارك نفسه للغرب بوصفه بديلًا للإسلاميين "المتطرفين المعادين للنموذج الغربي"، ولا يملك نظام السيسي من المشاريع إلا مشروع "الحرب على الإرهاب"، الذي لم يحقق نجاحًا واحدًا حتى الآن.
نفس المقدمات تنطبق على صورة اليساري، فاليساري مرفوض، بما يمثله من خطر مفترض على النظم الرأسمالية الاستبدادية، لذلك يكون من الضروري إظهار هشاشته من جهة، وصبه في قالب نمطي جامد من جهة أخرى، لمواجهة أي تمدد محتمل للفكر اليساري في المجتمع المصري. فحروب عادل إمام على اليسار هي امتداد لحروب النظام المصري منذ شرع "الرئيس المؤمن" في الإطاحة بالمشروع الناصري بكل ارتباطاته، لصالح نموذج مناهض للقضية الفلسطينية، منسلخ عن الانتماء العربي، ومنفتح على الغرب، أو تابع له إذا أردنا الدقة، ومعاد للفقراء، الذين يرتبط بهم اليسار ارتباطاً أصيلاً، عبر التحول نحو الرأسمالية وسياسات الانفتاح الاقتصادي، وخصصة القطاع العام التي استكملها مبارك من بعده ويواصل السيسي اليوم ما بدأه السادات بصورة أكثر فجاجة وبوجه مكشوف حد السفاهة.
مهما حاول عادل إمام أن يلعب دور المناضل في أعماله بعد الثورة، فسوف يبقى مجرد بوق من أبواق النظام
في هذا الإطار حصرًا، نستطيع أن نفهم أبعاد الصورة النمطية التي قدمها عادل إمام في أعماله عن الإسلامي ("الإرهابي" 1994، تأليف لينين الرملي، مثالًا)، واليساري ("السفارة في العمارة"، 2005، تأليف يوسف معاطي، مثالًا). فالنجم الجماهيري الأول في مصر منذ عقود طويلة، معروف بولائه لنظام مبارك وتأييده لمشروع التوريث سابقًا ومعاداته لـ"ثورة يناير". ومهما حاول أن يقدم نفسه، قبل الثورة، في هيئة المعارض للنظام، في حدود المسموح به طبعًا، أو في دور المناضل، كما فعل في أعماله، بعد الثورة، من "فرقة ناجي عطا الله" حتى "أستاذ ورئيس قسم"، ليس إلا مجرد بوق من أبواق النظام السياسي.
ومن منظور آخر، ثمة سؤال ضروري، تطرحه سينما إمام، عن الفن وعلاقته بالسياسة. فلا يصح أبدًا أن يكون الفن ذراعًا لنظام سياسي بعينه، بهذا الشكل المخجل، كما أن الجدير بالفن أن يكون وسيلةً لفهم الآخر لا تأطيره في قوالب نمطية مخلة، على طريقة الدعاية السياسية، مثلما يفعل "الزعيم" في معظم أفلامه.
اقرأ/ي أيضًا: