تُعدّ وسائل الإعلام المختلفة من أهم الاختراعات التي سهّلت للإنسان تواصله مع الآخر، وتوثيقه لتاريخه وتبادل المعلومات. إضافة إلى اطلاعه على مُجريات الأحداث الإقليمية والكونية، ولقد تطور العالم مقارنة بما كان عليه سابقًا وكان ذلك نتيجة لعدة ثورات، منها ثورة تطور وسائل الإعلام والاتصال عبر فترات زمنية متلاحقة. مما أثّر بشكل كبير في إنشاء قنوات فضائية وإذاعات، وتأسيس صحف ومجلات بمختلف الأغراض والأهداف والأدوات، حيث شملت المقروء والمسموع والمرئي.
74 % من الشريحة العمرية ما بين 20 و40 سنة يقضون ما يناهز 4 ساعات يوميًا على الهواتف الذكيّة
يُعرّف الإعلام أنه العملية التي يتم فيها نشر الأخبار والحقائق والآراء والأفكار أيضًا. كما يُعرّفه الألماني اوتوجروت المختص في الإعلام "إنه التعبير الموضوعي لعقليّة الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت". لذا فان كلّ هذه الوسائل تساهم في إطلاع المُتلقي ومعرفة الأمور المُتنوعة والمختلفة في جميع المجالات، وهي تُحقق ذلك في إطار سعيها الدائم للسيطرة على الوقت الأكبر لدى جمهورها والاستجابة لتطلُعات الحشد الأكبر من متابعيها، ومن ثم البحث المُستمر عن مختلف سُبل تكيّفه مع المستجدات العالمية والقومية والمحليّة.
اقرأ/ي أيضًا: غوغل.. الأخ الأكبر الجديد
لكن لنا أن نتساءل عن دورها في تشكيل ذهن المتلقي ومدى تأثيرها على المجتمع؟
إن للإعلام قوة وتأثيرًا واضحًا عبر وسائله في التغييرات التي تطرأ على المجتمع، وذلك من سمات الإعلامي المُستقل في مهام التغطية الوارفة المعالم، لتشمل الحرية والمسؤولية والدقّة في المعلومات، إضافة إلى المصداقية وعدم الانحياز.
تساهم وسائل الإعلام في تشكيل تصوراتنا الذهنية، أو بالأحرى خلق صور مٌعينة عبر جهود كثيفة ومستمرة لما يحيط بنا من وسائل اتصال أخرى، ذلك أن الإعلام التقليدي من قنوات فضائية وإذاعات وصحف، يظلّ في سعي دائم للتواجد والانتشار بين وسائل الإعلام والاتصال الجديد مثل فيسبوك وتويتر والمدونات الإلكترونية، لمزاحمة التفاعل الذي جذب إليه جمهور لا بأس به وبالتالي فإن وسائل الاعلام تعمد لامتلاك صناعة الصورة الذهنية وتشكيلها من خلال خلق العديد من الأسباب منها المكاسب المالية والسيطرة الإقليمية في ظلّ صراعات أيديولوجية تنفذ إلى ثقافة الشعوب وتُحدث ذلك الأثر البالغ على شرائح مختلفة.
وحسب معطيات لشركات اتصال مثل شركة "أوريدو"، يُوضح وليد السيد الرئيس التنفيذي: "إن 74 % من الشريحة العمرية ما بين 20 و40 سنة يقضون ما يناهز 4 ساعات يوميًا على الهواتف الذكيّة، وهذا حتمًا يدلّ على أن الجيل الحالي لا يشاهد التلفزيون ولا يستمع إلى النشرات الإخبارية، ما يزيد الحاجة إلى إيصال المعلومة بطريقة مبتكرة، وهذا أكبر تحدّي قائم لوسائل الإعلام في ظلّ هيمنة مضادة تمليها وسائل الاتصال الاجتماعي".
يرى محمد أبو عاقلة، المدير التنفيذي للتكنولوجيا والعمليات لشبكة "الجزيرة"، أن تلفزيون المستقبل هو ثورة جديدة، إذ سيكون بالإمكان في المستقبل القريب تعديل المواد التلفزيونية بصورة شخصيّة، لك أن تتخيّل مجرد إغلاق عينيك لمشاهدة فيلم من خلال عدسات لاصقة ذكيّة بإمكانك تغيير القناة بمجرّد ترميش عينيك.
ويضيف أبو عاقلة: "بحلول عام 2070، ستكون التقنيات السحابية أغلى من النفط وستتيح الوصول الى أي معلومات من أي مكان في أي وقت".
هذا يعني أن الإعلامي يواجه تحديات كبرى لمواكبة التطور التقني المتسارع، لما له من دور حيوي ومميّز في كافّة المجتمعات، فلا مناص من لجوء أي فرد في التعرف على ما يحيط به من أحداث ومواكبة الأخبار سواء سياسية او اقتصادية او ثقافية أو غير ذلك، وبالتالي فطريقة عرض المعلومات في حدّ ذاتها رهان بالغ الأهمية لما تستحوذه من صناعة بشكل عالمي ومقوّمات التكيّف في زمن العولمة.
في خضم كل هاته المعطيات، هناك أحداث محوريّة تستحق البراهين والغوص فيها دون عطب للحقيقة وحرص على إستراتيجية، هذه الوسائل في ظلّ صراعات عالمية تنعتق من المواثيق الدولية لهذا المجال، لتوزع متاهات معلوماتية تخترق ذهن المتلقي وتتلاعب بالعقول.
وفي هذا الصدد يشير عالم الاجتماع الأمريكي هربرت شيللر، صاحب كتاب "المتلاعبون بالعقول"، حيث يتطرق إلى التضليل الإعلامي والوعي المُعلّب، وأيضًا صناعة المعرفة وكيفية التحكم بالرأي العام، ويقول في نظرية "الإمبريالية الثقافية": "إن الدول الغربية تسيطر على أجهزة الاعلام حول العالم، والهيمنة الثقافية الناتجة عن تلك السيطرة ستؤدي الى تدمير الثقافات المحلية، وفرض القيم والمعايير الغريبة على شعوب العالم الثالث".
انّ وسائل الإعلام أصبحت مؤسسات ضخمة تستخدم قوتها لصالح مالكيها وأجندات دولها لتغدو أداة في يد البرامج السياسية والمشاريع الاقتصادية، وذلك الدعم المتصل من الحكومات والمؤسسات التي تضخّ المال في سبيل تأطير اقليمي، وذلك في إطار صراع أيديولوجي، أو ما يسمّى بصراع أصحاب النفوذ واقتسام المناطق الاستراتيجية لتُشكّل هيمنتها على الشعوب بمختلف ثقافاتهم وانتماءاتهم.
ورغم كل شيء تظلّ هناك هوّة سحيقة بين الدول المتقدمة والدول الصغرى، هي في امتلاك المعلومات ووسائل بثّها والتحكّم فيها كمًّا وكيفًا، بل يمكن القول أن الإعلام المعاصر يرتبط بإستراتيجيات الدول الكبرى وبفلسفتها السياسية الثقافية، وأيضًا باتجاهاتها الفكرية والاجتماعية.
مكمن الخطورة يتمثل في أن الإعلام الدولي يهدف في الظاهر الى تزويد الشعوب في دول العالم الثالث خصوصًا بكمّ المعلومات بعد تقصّي الحقائق والمصادر، بهدف إقناعها بعدالة قضايا الدول المرسلة للأخبار، وبالتالي تبنّي هذه الجماهير مواقف تلك الدول. لكن في الحقيقة وبعد فترة زمنية تتضّح المعالم جيدًا، بفقدان تلك المعلومات للمصداقيّة فضلًا عن قدرة الإعلام الدولي على التأثير بعرض بعض الأخبار وحجب بعضها، أو فبركتها للمادّة المُقدمّة، إضافة إلى صياغة مُلفتة للنظر من أجل التواطئ مع جهة ما ودحض الواقع القائم.
وتعود العلاقة بين وسائل الإعلام وبلورة الصور الذهنية السياسية خاصّة، الى عدّة عوامل يمكن أن يستكشف الباحث فيها الى عدّة نماذج على ضوء مُكوّنات أساسية للصورة الذهنية للمتلقي وهي ثلاثة: المكوّن المعرفي، والمكوّن العاطفي والمكوّن السلوكي.
فهذه الوسائل شديدة التأثير بقدرتها على إضفاء المعاني وتسليط الأضواء على الأشياء والأشخاص والأحداث القائمة بذريعة إيصال المعلومة، لكن لها من امكانية الاستعانة بانفعاليّة المُتلقي بكفاءة تقنية عالية وإصرار على توظيف المعلومة في سبيل مصالح سياسية واقتصادية.
ولقد حدثت تطورات تؤكد العديد من المخاطر والتحديّات التي تواجهنا وتُيسر على الاعلام الدولي أن يعمد لاستغلال شبكات اعلامية محلية لتحقيق أغراضه، خصوصا في ظلّ نقص المعلومات وعمليات التمويه، ومن ثم تُشكّل الصورة الذهنية. وبالتالي فهناك مساحة قابلة للاختراق لدى الكثيرين خصوصا في ظلّ صراعات إقليمية وحروب قائمة وثورات عربية، وهذا يتبيّن تحديدًا في المجالات السوسيولوجية على نطاق واسع.
من يملك الميديا يملك القدرة على قيادة العالم في المسار الذي يريد، وأنّ التلاعب بوسائل الإعلام هو تلاعب بالديمقراطية
إذًا فالحقيقة أنّ من يملك الميديا يملك القدرة على قيادة العالم في المسار الذي يريد، وأنّ التلاعب بوسائل الإعلام هو تلاعب بالديمقراطية. لذا فامتلاك الصورة خاصة، صار بمثابة امتلاك السلطة، بل شكّلت في العقود الاخيرة رهان رجال الاقتصاد والسياسة في جلّ معاركهم، وأيضًا الورقة الرابحة لتولي المناصب وغير ذلك.
كل هذا غيّر وجه العالم وشكّل إدراكه في مُربّع أبيض عليه جُلّ التساقطات الإعلامية، كصياغة جاهزة لشتى الصور الذهنية " مُتحيزة أو غير مُتحيزة". ولكن يظلّ لوسائل الاعلام دور مُهمّ في تنمية وعي المجتمع والأكثر قدرة على دعم برامج التنمية الإقليمية خاصّة، وأيضًا على ترسيخ التعاون والتكامل بين المجتمعات. فهل يُعتبر كلّ هذا، الرّهان القادم في منظومة مُستقبليّة ما بعد الحداثة!
اقرأ/ي أيضًا: