هذا التقرير مترجم بتصرف عن التقرير الأصلي المنشور في الإيكونوميست.
في وقت سابق مطلع هذا الشهر، باغت أفراد من حركة طالبان من كانوا في مزرعة أختار محمد في ولاية هلمند في جنوبي أفغانستان، حاملين معهم عصيًا، ليدمروا في نصف ساعة فقط حقلًا من الخشخاش كان قد استغرق من المزارع عامًا كاملًا لزراعته، تاركين أختار محمد على شفير الهاوية. يقول: "لقد دمرت طالبان نباتات الخشخاش الخاصة بي وأنا أطالبهم بأن يطعموا أطفالي أو إنني سأضطر لبيع أحدهم من أجل أن أطعم إخوته."
قبل أن تسيطر طالبان على زمام السلطة في آب/ أغسطس 2021، كانت تجارة الأفيون غير الشرعية، والتي تتم بتداول مادة ماطّة تنتج من نباتات الخشخاش، تساعدهم على سداد تكاليف عملياتهم المسلحة، وكان الملالي يشجعون المزارعين على زراعة نباتات الخشخاش وكانوا يفرضون الضرائب على تجارتها. ولكن المخدرات محرمة شرعًا، لذلك فبعد أن سيطروا على السلطة حظر القائد الأعلى لطالبان، هبة الله آخوند زاده، المواد المخدرة، وتشير أدلة حديثة ومذهلة قادمة من حزام الأفيون في البلاد في جنوبها وشرقها، أنه كان جادًا في قراره.
فوفقًا لصور التقطت بواسطة الأقمار الاصطناعية ونشرها موقع شركة ألسيس البريطانية، انخفض حجم زراعة الخشخاش في ولاية هلمند جنوب البلاد، والتي يزرع فيها معظم محصول نباتات الخشخاش، مما يزيد عن 120,000 هكتار ( 1,200,000 دونم) في نيسان/ أبريل 2022 إلى أقل من 1000 هكتار (10,000 دونم) بعد ذلك بعام واحد. فوحدات مكافحة زراعة الخشخاش تجوب الولاية وتذيق المزارعين مثلما أذاقت أختار محمد.
يجدر بنا الانبهار من مشهد تطبيق الحكومة الأفغانية لقرارها، إذ إنه طوال 20 عامًا من تولي حكومة مدعومة غربيًا للحكم، ظل منتجو الأفيون إلى حد كبير خارج إطار المراقبة والضبط، ولم يعد الحال كذلك الآن.
النتائج في ولاية نانغارهار، وهي من الولايات عالية الإنتاج للخشخاش أيضًا، مشابهة، إذ إن 865 هكتارًا (8650 دونم) فقط مزروعة الآن بنبات الخشخاش، بالمقارنة مع أكثر من 7000 هكتار (70,000 دونم) عام 2022.
ورغم أنه لا يزال من الصعب مكافحة زراعة الخشخاش في المناطق الأبعد مثل ولاية بدخشان في الشمال الشرقي من البلاد، فإن النتائج إلى الآن تشير إلى نجاح ساحق. ديفيد مانسفيلد، وهو باحث درس الجانب غير الشرعي من الاقتصاد الأفغاني طوال 25 عامًا، يعتقد أن إنتاج أفغانستان لنبات الخشخاش سينخفض بنسبة 80% بين عامي 2022 و2023.
لعله من الصعب المبالغة في توضيح مدى قوة ما حدث، إذ إن أفغانستان، عندما استولت طالبان على السلطة، كانت تنتج 85% من الأفيون في العالم. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن زراعة هذا النوع من المحاصيل والتجارة المرتبطة به وفرت مدخولات تقدر بما بين 1.8 مليار إلى 2.7 مليار دولار في عام 2021، أي ما يعادل 9 إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو ما يفوق الصادرات الرسمية للسلع والخدمات في البلاد، وقد كان حوالي 450,000 أفغاني يعملون في تجارة الأفيون.
ولكن لطالبان نمط محدد تتبعه، فقد حظرت زراعة نباتات الخشخاش خلال فترة حكمها السابقة عام 2000 وحصلت على نتائج مشابهة، إذ انخفضت المساحات المزروعة بالخشخاش من حوالي 82,000 هكتار (820,000 دونم) عام 2000 إلى أقل من 8000 هكتار (80,000 دونم) عام 2001.
وبعد فترة وجيزة ذلك العام، عندما رشحت بوادر غزو للبلاد من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، تراجعت طالبان عن حظرها، ثم شهدت أفغانستان طوال السنوات العشرين التي تلت الغزو طفرة في إنتاج الأفيون، وحدث ذلك رغم وعود الحكومة الأفغانية آنذاك بتعزيز جهودها ورغم ملايين الدولارات التي أنفقها المانحون الغربيون ووكالات الأمم المتحدة على "طرق كسب بديلة"، وقد كان ذلك بمثابة فشل أيقوني لجهود التنمية المدعومة من قبل الغرب، ولعل أكثر ما كان يعبر عن تلك الحالة هو ضعف الحكومات المنتخبة للبلاد وعجز حلفائها الغربيين.*
يشكك البعض بأن طالبان يمكنها أن تبقي على حظر زراعة الخشخاش، فالاقتصاد الأفغاني في أزمة وقد تقلص بواقع 35% في الفترة ما بين عامي 2021 و2022، كما أن ثلثي الشعب الأفغاني بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، وبذلك فإن هذا الوقت غير مناسب، إن أردنا التعبير عن الوضع بصياغة لطيفة، لسلب وظائف آلاف العاملين في حصاد هذا النوع من المحاصيل.
وخسائر المزارعين الذين يزرعون نبات الخشخاش آخذة في التفاقم خاصة مع زيادة أسعار الأفيون، ففي الجنوب والجنوب الغربي من البلاد بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الأفيون قرابة 360 دولارًا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل ذلك بعام واحد.
في الوقت ذاته تنتشر في أسواق هلمند وولاية قندهار المجاورة لها إشاعات عن أن طالبان تنتفع خلسة من قرار الحظر. يقول حاجي محمد جان، وهو مزارع من قندهار أتلف محصوله من الخشخاش والذي كان يغطي هكتارين اثنين (20 دونمًا) الشهر الماضي: "أنا أحترم المرسوم الصادر عن القائد الأعلى لطالبان، ولكنه يجب أن يطبق على جميع المزارعين."
وحتى لو صمد قرار الحظر، فإنه قد يقل تأثيره على تجارة المخدرات عالميًا بالمقارنة مع المأمول، إذ تشير فاندا فيلباب براون من معهد بروكنغز، وهو مركز أبحاث يقع في واشنطن، إلى أن الأفيون الصناعي الرخيص واسع الانتشار، وإن ظل الإنتاج الأفغاني قليلًا لفترة طويلة فإن منتجي الفينتانيل من الصين والهند قد يستحوذون على السوق الأوروبية التي تدر الكثير من الأرباح.
أما الآن، فيجدر بنا الانبهار من مشهد تطبيق الحكومة الأفغانية لقرارها، إذ إنه طوال 20 عامًا من تولي حكومة مدعومة غربيًا للحكم، ظل منتجو الأفيون إلى حد كبير خارج إطار المراقبة والضبط، ولم يعد الحال كذلك الآن.
* تجدر الإِشارة إلى أنه رغم التصريحات الكثيرة عن الدعم الغربي لجهود محاربة زراعة نباتات الخشخاش في البلاد طوال السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للبلاد، فقد رشحت العديد من التقارير التي أكدت التواطؤ الغربي والتغاضي عن تغلغل الفساد في مفاصل الحكومة المدعومة غربيًا وبالذات فيما يتعلق بالتكسب من زراعة الخشخاش وتجارة الأفيون.