14-يونيو-2024
سلاف فواخرجي والكوفية الفلسطينية

تضامن فواخرجي مع غزة محاولة لتطهير إنسانيتها الملطخة بعار الصمت عن جرائم النظام (الترا صوت)

ثمة متضامنون وثمة من يستثمرون في التضامن. هناك من يتضامن لأن التضامن فعلٌ أخلاقي وإنساني، ومن يتضامن لغاية أو غايات في نفسه. وبينما ترى الفئة الأولى إلى التضامن على أنه مفهوم كوني يشمل كل قضية عادلة، ومأساة لا بد من التشكيك بإنسانية من يتجاهلها؛ تتعامل الفئة الثانية معه بانتقائية تخدم مصالحها الشخصية.

في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عبّر كثيرون عن تضامنهم مع القطاع بطرق مختلفة لا يعنينا منها سوى أنها تُذكِّرنا بأنهم لم يتضامنوا مع أي قضية/مأساة أخرى من قبل، ولم يتخذوا سابقًا أي موقف أخلاقي أو إنساني حتى تجاه ما يحدث في بلدانهم، وهو ليس بقليل.

هؤلاء، سياسيون وإعلاميون وفنانون، يتضامنون مع من يسهل التضامن معهم، أو مع من لا يتعارض تضامنهم معهم مع موقف الأنظمة التي يؤيدونها منهم. ولا حاجة للتذكير هنا بأنهما، الأنظمة ومؤيدوها، استغلوا القضية الفلسطينية، ولا يزالون بطبيعة الحال، لأغراض شخصية.

في سوريا، مثلًا، يواظب مسؤولو النظام، ورأسه في بعض الأحيان، على التعبير عن تضامنهم مع غزة بين وقت وآخر. يفعل هؤلاء ذلك في أماكن لا تبتعد، على سبيل المثال، عن الغوطة الشرقية حيث قتلت براميلهم المتفجرة مئات السوريين، وأحالت أسلحتهم الكيميائية المكان إلى جحيم قبل أن يُهجِّروا أهله.

تجاوز التضامن مع من يصعب التضامن معهم، والتضامن مع من يسهل التضامن معهم، لعبة في غاية القذارة

والغوطة مثال، فهناك داريا التي أحرقها النظام وهجَّر أهلها، وهناك سجونه التي خرجت منها صور قيصر الكابوسية، بل وأيضًا مخيم اليرموك الذي حاصره الأسد وجوّع سكانه الفلسطينيين كما فعل والده من قبله في مخيمات الفلسطينيين في لبنان.

مؤيدو النظام لا يعنيهم ما سبق لأن من يحدِّد موقفهم من الحرب على غزة هو المسؤول عنها. القتل والتهجير العرقي والاختفاء القسري والفظائع التي تحدث داخل السجون، المسالخ البشرية لم تكن بالنسبة إلى هؤلاء كافية لاتخاذ موقف منها. كل ما حدث في سوريا على مدار الأعوام الـ13 الماضية ليست كافية. ولأن إنسانيتهم ملطخة بالعار، ومشكوك فيها، يحاولون اليوم تطهيرها من خلال التضامن مع قطاع غزة.

ثمة إذًا وجه سلبي لهذه المسألة يتجلّى في استغلال هؤلاء للقضية الفلسطينية ورموزها ومأساة غزة لأغراض شخصية انتهازية. ولعل أبرز مثال في الفترة الحالية ظهور الممثلة السورية سلاف فواخرجي في ثوب مصمم على شكل كوفية. ظهورٌ أثار غضب وسخرية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين رأى كثيرون منهم أنه من لم يتضامن مع ثورة أهل بلده، ويتخذ موقفًا مما شهده من فظائع على مدار أكثر من عقد، لا يحق له التضامن مع فلسطين وغزة.

ليست سلاف فواخرجي حالة فردية في هذا السياق، إذ لطالما استُخدمت القضية الفلسطينية في منحى نفعي من قبل سياسيين وإعلاميين، ولطالما ذهب فنانون فاشلون وكتّاب وشعراء عديمو الموهبة نحو استحضارها أو استعارة أحد رموزها بغرض انتفاع معين. وهذه ظاهرة متكررة في عالم عربي أجاد حلب القضية ومن ثم رميها.

تضامن فواخرجي ومن شاكلها نوعٌ من التخدير للجمهور، ومحاولة لتطهير إنسانيتهم الملطخة بالعار، عار الصمت على جرائم ومذابح ارتكبت على بعد مسافات قليلة منهم، وعلى معاناة المعتقلين في سجون ليست سوى مسالخ بشرية. إنه تضامن رخيص لأنه يخلو من جوهر التضامن نفسه: الشعور بألم الآخرين، والتعاطف معهم، والوقوف إلى جانبهم. وهو أيضًا تضامن على مقاسهم، استثمار في التضامن نفسه، وفي الضحايا. الأحرى أنه لعب مزيف على القيم والأخلاق.

لا يعرف هؤلاء عن التضامن سوى أنه تسجيل موقف لا يسجّلونه إلا إذا سمح لهم النظام، الذي استماتوا في الدفاع عنه، بتسجيله. وإذا كان التضامن مع فلسطين هو الصعب في الغرب لأنه يتعارض مع سياسات الدول الغربية المتطرفة في انحيازها ودعمها لـ"إسرائيل"، فإن التضامن مع ضحايا الأسد في سوريا هو الصعب لأن النظام هو من فتك بهم. لذا، يبدو أن تجاوز التضامن مع من يصعب التضامن معهم، والتضامن مع من يسهل التضامن معهم، لعبة في غاية القذارة.

وألّا يذكِّر مصطلح "التضامن" هؤلاء بحدث ما؟ جريمة حرب ما؟ حفرة دفن النظام فيها سوريين في حي يحمل اسم: التضامن؟