في مطلع العام 2017 أقرت فرنسا قانونًا يجعل جميع المواطنين متبرعين بأعضائهم بعد الوفاة بشكل تلقائي دون ضرورة الحصول على موافقتهم، إلا إن تقدموا بطلب للتسجيل بقائمة الأشخاص "الرافضين للتبرع"، وتنضم فرنسا بهذا القانون إلى الغالبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي باستثناء المملكة المتحدة وألمانيا والدنمارك، كما أن الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء يتزايد في كثير من دول العالم الأخرى كالولايات الأمريكية التي تصل نسبة المتبرعين في بعض ولاياتها إلى أكثر من 60%.
تغيب الإحصاءات الدقيقة لأعداد المحتاجين للأعضاء وأعداد المسجلين في قوائم التبرع في العديد من الدول العربية
أما في الدول العربية فتغيب الإحصاءات الدقيقة لأعداد المحتاجين للأعضاء وأعداد المسجلين في قوائم التبرع، كما تغيب هذه الثقافة على المستوى الشعبي بشكل عام عربيًّا، إذ تصطدم ثقافة التبرع ببعض الأفكار التقليدية المغلوطة أو الفتاوى الدينية المتصلبة التي تحرّم التبرع بالأعضاء بناء على بعض النصوص الدينية.
اقرأ/ي أيضًا: إرشادات عليك اتّباعها عند التبرّع بالدم لأوّل مرة
ففي الأردن، وبالرغم من جهود الجمعية الأردنية لتشجيع التبرع بالأعضاء والتي تأسست عام 1997 وما تقدمه من محاضرات وحملات توعية حول أهمية هذه الثقافة لإنقاذ حيوات الكثيرين من المرضى المحتاجين، لا تزال هذه القضية تثير الجدل وتواجه محاذير اجتماعية ودينية عديدة. فحسب بيانات الجمعية الأردنية لتشجيع التبرع بالأعضاء هنالك أكثر من 4500 مريض يعاني من فشل في الكلى، وهذه الأرقام يمكن أن تكون أقل بكثير لو كانت ثقافة التبرع بالأعضاء أكثر انتشارًا في المجتمع الأردني. فالأمر مرفوض قطعًا من قبل كثير من الأهالي، سواء كان المتبرع شابًا فقد حياته بحادث سيارة، أو شخصًا كبيرًا في السن يتمتع بصحة وأعضاء جيدة. هنالك أيضًا أكثر من 30 شخصًا تعتمد حياتهم على وجود متبرعين بالقلب، ولكن يبدو أن الانتظار لن يجدي نفعًا.
لا شكّ أن موضوع الموت مزعج ومخيف بطبيعة الحال، وبالرغم ممّا يفترض من أنّ الثقافة الإسلامية تتعامل مع الموت بشكل عملي إلى حدّ بعيد، وذلك بالتركيز على ضرورة إكرام الميت والإسراع في دفنه وضرورة عدم الإسراف في مظاهر العزاء المادية أو العاطفية، كالإفراط في البكاء والعويل وغير ذلك من تعاليم معروفة، إلا أن الموت رغم ذلك أمر مسكوت عنه، ويجب تناوله بحساسية وتلطف أمام كبار السن، كالوالدين أو الأجداد مثلًا. وعليه فإن كثيرًا من الناس اليوم، رغم اعتقادهم بأهمية التبرع بالأعضاء في المجتمع، يجدون حرجًا كبيرًا في إخبار من حولهم بذلك.
سلام محمد (ربة بيت) تقول لـ"ألترا صوت: "التبرع بالأعضاء أمر ضروري ولكن لا أستطيع الحديث عن الأمر مع والديّ. ربما أسجل أنا للتبرع، ولا أستطيع نشر هذه الثقافة بين كبار السن في عائلتي". أما صايل هزّاع (دكتور جامعي) فقال لـ"ألترا صوت" بعد سؤاله عن رأيه في قضية التبرع بالأعضاء: "جسم الإنسان ليس ميراثًا حتى يحق للورثة التصرف به، وفي رأيي هو غير جائز شرعًا". وأورد بعض الأحاديث التي تتحدث عن حرمة كسر عظم الميت وغير ذلك، وقال: "أنا غير مستعد أن أحقق مصلحة إن كان ذلك سيؤدي إلى مخالفة شرعية".
التبرع بالأعضاء مرفوض قطعًا من قبل أغلبية الأردنيين، سواء كان المتبرع شابًا أو كبيرًا في السن يتمتع بصحة وأعضاء جيدة
ويبدو أن فتوى دائرة الإفتاء الأردنية التي تجيز التبرع بالأعضاء وتشجع عليه لم تنجح في التغيير كثيرًا من آراء الأردنيين بخصوص قضية التبرع بالأعضاء، ويظهر أن العديد لا يزالون مقتنعين بأن الجسد "أمانة" وأنه لا يمكن التصرف به بعد الموت.
اقرأ/ي أيضًا: المغاربة لا يتبرعون بالأعضاء.. ما السبب؟
ولأنه لا يعرف "المرض" إلا من يكابده، تقول السيدة ميساء الأمبر (ممرّضة) لـ"ألترا صوت": "إذا كان التبرع سينقذ حياة إنسان أو يمنع معاناته مع المرض فالتبرع أحسن من ترك العضو للتراب بدل نفع الناس. أنا بشوف التبرع صدقة جارية". وتحدثت ميساء عن والدتها التي تعاني من تلف في شبكية العين، وقالت: "أمي لأنها تحس بمعاناة الإنسان غير المبصر قررت التبرع بقرنياتها، بعد عمر طويل".
بالإضافة إلى أنّ غياب ثقافة التبرّع بالأعضاء يحرم الكثيرين من المرضى من أمل الحصول على علاج جذري مناسب ليتابعوا حياتهم أو ما تبقى منها بصحة أفضل، فإنه كذلك يبقي الأبواب مشرعة للاتجار غير المشروع بالأعضاء، وهي تجارة عادت لتقلق المجتمع الأردني مؤخرًا، مع انتشار عصابات تستهدف اللاجئين وظروفهم الإنسانية الصعبة.
وكانت قد انطلقت في الأردن مطلع هذا العام مبادرة "ومن أعضائي حياة" بإشراف الجمعية الأردنية لتشجيع التبرع بالأعضاء، وتهدف الحملة إلى الوصول إلى رقم قياسي من حيث عدد المسجلين في برامج التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وقد نجحت الحملة في جمع أكثر من 4300 توقيع حتّى الآن.
اقرأ/ي أيضًا: