بدأت القصة عندما انسحبت الدولة أو كادت تنسحب ببطئ من تقديمها للخدمة الرئيسية للنقل لذوي الدخل المنخفض والمتوسط، أو اللذين فقدوا القدرة على امتلاك سيارة خاصة تنقلهم لأشغالهم، وهي هيئة النقل العام التي كانت تتكفّل بتقديم خدمات التوصيل لغالبية الأحياء المصرية على مدار اليوم بأرخص الأسعار، انخفض معدل تواجدها اليومي وضعفت كفاءتها، بالتالي أحدث ذلك فراغًا كبيرًا ملأته نسبيًا سيارات "الميكروباص" التابعة للشركات الخاصة وليس للحكومة، لكنّه أيضًا مع مرور الوقت وتكديس الشوارع والأحياء وازدحامها إلى جانب ضيقها الطبيعي، أصبحت لا تقدّم حلًا، حيث شهدت شبكة الطرق والكباري كثيرًا من المآسي والحوادث التي تدل على العديد من المشاكل في العامل البشري والمادي.
انتشر التوك توك في مصر كوسيلة نقل رخيصة وذات حجم ضئيل، وهو ما جعله يتخطى عواقب الزحام ويصير الأكثر انتشارًا في العشوائيات والقرى
اقرأ/ي أيضًا: بعد مأساة قطاري الإسكندرية.. الإهمال وسوء الإدارة يخيمان على قطاع النقل في مصر
مع بداية التسعينات ظهر في الهند، ومع دخول الألفية الثالثة تحسست عجلاته الثلاث طريقها للقاهرة، "التوك توك" أو Auto Rickshaw بالإنجليزية، وسيلة نقل جديدة رخيصة السعر، عبارات رنّانة ومميزة تُكتب عليه من الخارج لتكوّن تعبيرًا وهوية واضحة عن المالك الأساسي، كما تدل على شخصيته، ذو حجم ضئيل مقارنة بالوسائل الأخرى، وهو ما جعله يتخطّى عواقب الزحام وضيق الشوارع الجانبية التي كانت تواجه وسائل النقل الأخرى بشكلٍ كبير، بعد وقتٍ قليل أصبح لا تخلو حارة أو شارع جانبي في مصر منه، وهو إلى الآن الوسيلة الأكثر انتشارًا في العشوائيات والقرى الصغيرة.
ومنذ فترة المخلوع حسني مبارك، التي دخل فيها التوك توك البلاد، وصولًا إلى الرئيس الحالي لم يختلف أحد من الرؤساء على الاحتياج للتوك توك كوسيلة مواصلات سريعة ورخيصة الثمن تناسب محدودي الدخل فهي "تاكسي الفقراء" كما يسمّيها البعض، في حين أفرد لها الرئيس المعزول محمد مرسي خلال الدعاية الإنتخابية وخطاب فوزه، مساحة واهتمامًا خاصًا.
رغم انتشار "التوك توك" في أنحاء مصر إلّا أن هناك عددًا قليلًا من رجال الأعمال اللذين يسيطرون على عملية استيراده وتجميعه في مصر، حيث تستحوذ شركة مجموعة غبور وكيل شركة (Bajaj) الهندية في مصر على حوالي 90% من حجم سوق التوك توك، كما يعد مالك توكيل "سوزوكي"، أيضًا صاحب الشركة المصرية للصناعات الهندسية ومجموعة "سعودي"، ثاني المستفيدين والمستوردين في مصر بعد رجل الأعمال رؤوف غبّور، ثم بعض المستثمرين الصغار ورجال الأعمال المحليين الذين يمثّلوا نسبة الـ10% المتبقية، بالتالي يتحكم عدد قليل من رجال الأعمال الكبار في سوق استيراد التوك توك في مصر، ويرتبط سعر شرائه، الذي يزيد بين يوم وآخر، بهم.
يتحكم عدد قليل من رجال الأعمال الكبار في سوق استيراد التوك توك في مصر، ويرتبط سعر شرائه، الذي يزيد بين يوم وآخر، بهم
على الجانب الآخر، أحدث "التوك توك" أزمة أكبر بدخوله إلى الشوارع، ولم تمضِ فترة كبيرة إلا قرأنا أخبارًا عن حوادث سرقة ونصب في الشارع المصري كان يتم الترتيب لها مسبقًا عبر ذلك المركبة الصغيرة ذات العجلات الثلاث، وذلك بالإضافة إلى أن سائقيه أفسدوا الهدف الرئيسي من تواجده كوسيلة متخصصة للشوارع الجانبية وزاحموا في الشوارع الرئيسية أيضًا، بالتالي ضاعفوا حالة الزحام في بعض المناطق، الأمر الذي جعل بعض المسؤولين يحظرون تواجده تمامًا، لكن "التوك توك" كان قد فرض نفسه بالفعل وهو ما صعّب تنفيذ أي قرار بالحظر على أرض الواقع، وجرت مشاورات مع بداية 2017 عن بدء السعي في إجراءات دخول التوك توك للمدينة لتقليل الازدحام المروري بينما يحظر عليه السير في الشوارع الرئيسية.
اقرأ/ي أيضًا: مصر في زمن التوك توك
وكان رئيس الوزراء الأسبق حازم الببلاوي قد أصدر في كانون الأوّل/ ديسمبر في عام 2014 تكليفًا لوزارة المالية بحظر استيراد التوك توك والدراجات البخارية لمدة عام، في حين أن كثيرين داخل الحكومة وفي الشارع المصري كانوا على علم كبير بمحدودية تطبيق ذلك القرار، نظرًا لما أصبح يمثّله التوك توك من أهمية في مصر. لذلك فالحكومات التي جاءت بعد الببلاوي فهمت أن وقف الاستيراد ليس الحل، وكان التوجه أساسًا نحو حظر سير التوك توك في شوارع كبرى ومهمة وسط القاهرة وتغريم من يخالف ذلك.
يقول محمد، سائق توك توك (33 عامًا) خلال حديثه لـ"الترا صوت" إن بعض مواد القانون المنظم لعمل التوك توك في مصر "جيدة مثل تحديد سن معين للسائقين" ويضيف: "أتمنى استخراج ترخيص حكومي لعربتي حتى مؤمنة لكن الأمور معقدة كثيرًا بالنسبة إلى المبالغ التي ينبغي دفعها للحكومة لعمل الترخيص".
يجني محمد لأسرته، المكونة من 4 أفراد، 50 جنيه مصريًا (حوالي دولارين ونصف) خلال يومه، ما يجعل طلبات الحكومة حِملًا ثقيلًا على كاهله خصوصًا أنه، إلى جانب سائقين آخرين تحدثنا إليهما، اشتروا "التوك توك" بالتقسيط بهدف زيادة الدخل وافتتاح مشروع مستقل نظرًا للوضع الاقتصادي المتدنّي في البلاد. الجدير بالذكر أنه خلال الـ6 سنوات السابقة، بعد الثورة مباشرة، زادت أسعار التوك توك من متوسط 16 – 18 ألف جنيه إلى متوسط 36 – 40 ألف جنيه نظرًا للإقبال عليه، بينما يصل إلى حوالي 50 ألف جنيه أو أكثر في حالة شرائه بالتقسيط.
باتت مصر أو "جمهورية التوك توك" كما يحب أن يسميها البعض، لا تملك قرار حظر التوك توك، ولا تريد أن تستفيد كحكومة من استيراده بدلًا من سطوة رجال الأعمال عليه، وهو ما يمكن أن يوفّر أموال كثيرة، لكن الدولة لا تزال تصر على جني هذه الأموال من السائقين الفقراء الذين عادة لا يملكون إلّا قوت يومهم فقط.
اقرأ/ي أيضًا:
سائق التوك توك..ضحية جديدة للشرطة في مصر