لكل جائزة أدبية قيمة كبيرة باعتبارها طريقة لتكريم الكاتب، لكن استخدام هذه الجوائز أداةً تسويقية من قِبل الشركات الرأسمالية، وأحيانًا باعتبارها وسيلة لتصفية الحسابات السياسية من قِبل مانحي الجائزة، قلّل من قيمة هذه الجوائز. والآن ثمة جائزة لرفض الجوائز يشرحها المقال المترجم الآتي للكاتبة الأمريكية أورسولا لي غوين.
تعرفت إلى جائزة سارتر لأول مرة من الصفحة الأخيرة الممتعة في الملحق الأدبي لمجلة "التايمز" اللندنية. تتزايد شهرة الجائزة التي اكتسبت اسمها من الكاتب الذي رفض جائزة نوبل عام 1964 بسرعةٍ كبيرة. كما كتب J.C في العدد الصادر في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر: "بلغت منزلة جائزة جان بول سارتر لرفض الجوائز مبلغًا عظيمًا إلى درجة أن الكُتاب في كل أرجاء أوروبا وأمريكا يرفضون الجوائز على أمل الترشح لنيل جائرة سارتر"، ويضيف بلهجةٍ يكسوها بعض الفخر: "جائزة سارتر نفسها لم تُرفَض يومًا".
بلغت منزلة جائزة جان بول سارتر لرفض الجوائز مبلغًا عظيمًا إلى درجة أن الكُتاب في كل أرجاء أوروبا وأمريكا يرفضون الجوائز على أمل الترشح لنيل جائرة سارتر
الكاتب الذي ورد اسمه مؤخرًا في القائمة القصيرة لـ"جائزة سارتر" هو لورانس فيرلينيتي، الذي رفض جائزةً شعرية تُقدَّر بـ 50 ألف يورو، يقدمها قطاع الشعر والرواية والتحرير المجري. وهي جائزةٌ تُمولها جزئيًا الحكومة المجرية القمعية. اقترح لورانس فيرلينيتي بطريقةٍ مهذبة أن تُستخدَم أموال الجائزة لإنشاء صندوق "لنشر أعمال الكتاب المجريين الذين تدعو كتاباتهم لحرية الرأي الكاملة".
اقرأ/ي أيضًا: كيف تصبح كاتبًا مشهورًا؟ (1-2)
لم أستطع منع نفسي من التفكير في مدى روعة الأمر، لو قرّر مو يان استعمال جزء من مبلغ جائزة نوبل لإنشاء صندوق لنشر أعمال الكتاب الصينيين، الذين تدعو كتاباتهم إلى حرية الرأي الكاملة. لكن يبدو هذا الأمر مستبعدًا.
رفض سارتر للجائزة كان متسقًا مع رفضه للانضمام إلى رابطة الشرف وأي منظمات مشابهة، أو أي تصنيف يضم الوجوديين النخبويين من محبي الجدل. قال: "ليس الحال نفسه أن أوقع باسم جان بول سارتر أو جان بول سارتر الفائز بجائزة نوبل. يجب على الكاتب أن يرفض تحويل نفسه إلى مؤسسة". كان سارتر بالفعل قد تحول إلى مؤسسة لكنه كان يكن تقديرًا بالغًا لاستقلاله الذاتي. (الكيفية التي جمع بها هذه الفردية مع فلسفته الماوية ليست معلومة بالنسبة لي). لم يدع مؤسسة ما تمتلكه لكنه شارك في بعض المظاهرات وقُبِض عليه بتهمة العصيان المدني في شارع ديمو؛ بسبب دعمه لإضرابات أيار/مايو 1968. عفا عنه الرئيس ديجول سريعًا قائلًا عبارته الفرنسية الرائعة: "لا يمكنك أن تعتقل فولتير".
تمنيت لو سُمِيت جائزة سارتر لرفض الجوائز، على اسم بوريس باسترناك، واحد من أبطالي الحقيقين. لكن لن يكون الأمر مناسبًا بما أن بوريس باسترناك لم يختر رفض جائزة نوبل عام 1958. كان عليه ذلك. إذا حاول الذهاب وقُبول الجائزة كانت الحكومة السوفيتية لتعتقله بكل حماس مرسلةً إياه إلى الصمت الأبدي في أحد معسكرات العمل في سيبيريا.
رفضت جائزة ذات مرة. كان السبب الذي دفعني لذلك أكثر صلفًا من سبب سارتر، بالرغم من أنه ليس بعيدًا كليًا عنه. كان ذلك في أبرد أيام الحرب الباردة وأكثرها جنونًا عندما انقسم حتى كوكب ايسف الصغير على نفسه سياسيًا. فازت روايتي القصيرة "مذكرات الورد" بـ"جائزة نيبولا" التي تمنحها جمعية كتاب الخيال العلمي في أمريكا. في الوقت نفسه تقريبًا قامت نفس الجمعية بتجريد الكاتب الروائي البولندي ستانيسلو ليم، من عضويته الفخرية. كان هناك عدد معتبر من الأعضاء المنتمين لـ"محاربو البرد / the Cold Warriors" الذين اعتقدوا أن رجلًا عاش خلف الجدار الحديدي ويتصرف بوقاحةٍ تجاه أدب الخيال العلمي الأمريكي، لا بُد وأنه جاسوس شيوعي لا يربطه شيء بجمعية كُتاب الخيال العلمي الأمريكيين. استدعوا بندًا إجرائيًا لتجريده من عضويته، وأصروا على تطبيقه. كان ليم رجلًا صعب المراس، ومغرورًا، ولا يُطاق في أحيانٍ كثيرة، لكنه شجاع وكاتب من الدرجة الرفيعة، وذو عقلية مستقلة في الكتابة أكثر مما قد تتيحه الأجواء في بولندا، تحت حكم الاتحاد السوفيتي. كنت غاضبة جدًا من عدم الإنصاف في هذه الإهانة البالغة والحقيرة التي وجهتها الجمعية إليه. تنازلت عن عضويتي وشعرت أنه سيكون من الوقاحة قُبُول جائزة عن قصة تتحدث عن التعصب السياسي من مجموعة أظهرت توًّا تعصبها السياسي وسحبت اسمي من قائمة مسابقة نيبولا قبل وقتٍ قصير من إعلان الفائزين. اتصلت بي الجمعية راجيةً إياي أن أتراجع عن قراري بما أنني فُزت في المسابقة في الحقيقة. لم أستطع فعل ذلك لذا ولسخرية الأقدار التي تصيب كل من يتخذ موقفًا نبيلًا انطلاقًا من أرضية أخلاقية ذهبت جائزتي، إلى المنافس إسحاق عظيموف القائد العجوز لـ "محاربي البرد/ The Cold Warriors".
يجب الاعتراف بجائزة سارتر لرفض الجوائز كجائزةٍ ملائمة وذات قيمة معتبرة، بل وآمنة تقريبًا من الاستغلال
ما يربط رفضي الصغير برفض سارتر الكبير هو الإحساس بأن قبول جائزة من مؤسسة هو القبول باختيارات هذه المؤسسة والاندماج معها. رفض سارتر هذا الأمر انطلاقًا من مبدأ عام بينما تصرفت أنا من موقف احتجاجي خاص. لكني في الحقيقة أجد في نفسي تعاطفًا مع موقفه في أن يسمح لشيءٍ آخر بتعريفه سوى نفسه. شعر أن الشعار الكبير (النجاح) الذي تلصقه نوبل بجبهة المؤلف سيخفي وجهه. كونه حاملًا لجائزة نوبل سيغشي العيون عن مكانته باعتباره سارتر.
اقرأ/ي أيضًا: تعرّف إلى 5 كتاب تعرضوا للاضطهاد في زمن الاتحاد السوفيتي
وهو ما تريده تحديدًا آلة الدعاية التجارية التي تستخدم مصطلحات "الأكثر مبيعًا" و"الفائز بجائزة كذا": أن تستخدم الاسم باعتباره منتجًا. بصمةً مضمونةً للنجاح القابل للبيع. الحائز على جائزة نوبل كيت وكيت، المؤلف الأكثر مبيعًا كذا وكذا. فلان الذي ظل لثلاثين أسبوعًا على قائمة النيويورك تايمز للكتاب الأكثر مبيعًا. جين دي الفائز بـ البوليتزر أو جو كيو عبقري جائزة ماكر أرثر.
ليس هذا المصير الذي أراده الأشخاص الذين أسسوا هذه الجوائز لجوائزهم لكنها الطريقة التي تُستعمَل بها على أي حال. لدى أية جائزة قيمة أصلية باعتبارها طريقة لتكريم الكاتب لكن استخدام الجوائز باعتبارها أداة تسويقية من قِبل الشركات الرأسمالية، وأحيانًا باعتبارها وسيلة لتصفية الحسابات السياسية من قِبل مانحي الجائزة، قلّل من قيمة هذه الجوائز. وكلما زادت مكانة وقيمة الجائزة كلما أصبحت أكثر عُرضةً للاستغلال.
مع ذلك أنا سعيدة أن جوزيه ساراماغو، وهو ماركسي أقوى وأكثر عنادًا من سارتر، رأى أنه من غير المناسب رفض جائزة نوبل. لقد عرف أن لا شيء بإمكانه تعريضه للخطر، ولا حتى النجاح نفسه، ولن تستطيع أية مؤسسة تحويله إلى نفسها. احتفظ بوجهه حتى النهاية. وبرغم الاختيارات الغريبة الكثيرة وتجاوزاتها العديدة تظل لجائزة نوبل في الأدب قيمة معتبرة، تحديدًا لأنها عرفت بكتّاب مثل بوريس باسترناك، وشيمبورسكا، وساراماغو. إنها تحمل على الأقل وميضًا ينعكس من وجوههم.
على كل حال، أعتقد أن جائزة سارتر لرفض الجوائز يجب الاعتراف بها كجائزةٍ ملائمة وذات قيمة معتبرة بل وآمنة تقريبًا من الاستغلال. أتمنى حقًا أن يمنحني شخص جدير بالازدراء جائزة حتى يكون بإمكاني الترشح لجائزة سارتر لرفض الجوائز.
اقرأ/ي أيضًا: