ألترا صوت – فريق التحرير
صدر عن "سلسلة أطروحات الدكتوراه" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب جامعة الدول العربية وحركات التحرر في المغرب العربي: 1952-1962 (الجزائر أنموذجًا). يثبت مؤلفه رشيد ولد بوسيافة مسارًا طويلًا لجامعة الدول العربية موثّقًا بدقّة في التقارير الدورية للأمانة العامة، وفي باقي وثائق جامعة الدول العربية؛ من قرارات، ولوائح، ومناشير، ورسائل، وبيانات، ومضابط جلسات. ويهتم بدور جامعة الدول العربية في دعم حركات التحرر في أقطار المغرب العربي، علمًا أنّ فكرة العمل العربي المشترك كانت بريطانية في الأصل، عندما دعا وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن إلى إقامة كيان يوحّد العرب، ويعزّز الروابط الاقتصادية والثقافية بينهم. لكنّ الآباء المؤسسين لجامعة الدول العربية جعلوا منها منبرًا لمناصرة قضايا التحرر في العالم العربي، ودعمِ الأصوات الداعية إلى التخلص من ربقة الاستعمار. وقد نالت حركات التحرر في المغرب العربي القسط الأكبر من اهتمام الهيئة الناشئة بقيادة المجاهد عبد الرحمن عزام باشا.
عربي - مغاربي مشترك
يتألف هذا الكتاب (288 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من أربعة فصول. وفي الفصل الأول، "العمل العربي والمغاربي المشترك: النشأة والتطور"، يركز المؤلف على ظروف تأسيس جامعة الدول العربية ونصوصها الأساسية، وعلى مكتب المغرب العربي الذي أُسس في عام 1947، وقد كان له دور رائد في تأطير حركات التحرر في المغرب العربي.
فكرة العمل العربي المشترك كانت بريطانية في الأصل، عندما دعا وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن إلى إقامة كيان يوحّد العرب، ويعزّز الروابط الاقتصادية والثقافية بينهم
وبحسب المؤلف، يربط أغلب الدارسين إنشاء جامعة الدول العربية بالخطاب التاريخي الذي ألقاه وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن في 29 أيار/ مايو 1941، الذي قال فيه: "إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة، منذ التسوية، التي تمّت عقب الحرب العالمية الماضية (الأولى). ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة، أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون إلى نيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف. ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب، من جانب أصدقائنا. ويبدو أنه من الطبيعي، ومن الحق، وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذلك الروابط السياسية أيضًا [...] وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأي خطة تلقى موافقة عامة". وكانت هذه العبارات الواضحة حافزًا للدول العربية، المستقلة آنذاك، لتتحرك في اتجاه تحقيق الوحدة، مستفيدةً من الدعم البريطاني لهذا المسعى، وهو الدعم الذي تجدد بعد عامين من هذا الخطاب.
اقرأ/ي أيضًا: "دفاتر الحرب الغريبة".. ما تبقّى من يوميات سارتر
مكتب المغرب العربي
بعد قيام يوسف الرويسي، بمساعدة من أعضاء من حزب البعث السوري، بإنشاء مكتب المغرب العربي في دمشق عام 1946، وبعيد اختيار القاهرة مقرًّا لجامعة الدول العربية، تنادى زعماء الحركة الوطنية في المغرب العربي إلى مؤتمر في نيسان/ أبريل 1947، وناقشوا فكرة توحيد الكفاح، فـ "اتُّخذ قرار العمل على استقلال تونس والجزائر والمغرب، وعدم الاعتراف بالاحتلال الفرنسي لهذه الأقطار. وانتهى المؤتمر إلى توحيد متطلبات حركات الكفاح في الأقطار الثلاثة في مكتب واحد، هو مكتب المغرب العربي". ويختم المؤلف الفصل نفسه بالقول إنّ فكرة العمل العربي والمغاربي المشترك بدأت ملهمة ووهّاجة، وإن الآباء الأولين الذين أسّسوا الجامعة، ومن بعدها مكتب المغرب العربي، "كانوا يحلمون بكيان واحد للأمة العربية، وذلك واضح من خلال الوثائق التأسيسية لجامعة الدول العربية، بدءًا ببروتوكول الإسكندرية، مرورًا بالنسخة التاريخية لميثاق الجامعة، وصولًا إلى باقي الوثائق، خصوصًا معاهدة الدفاع المشترك؛ فالعمل الميداني لم يكن في مستوى الشعارات التي رُفعت، والنتائج المحققة كانت أقل كثيرًا من الأهداف التي رُسمت في البداية".
جامعة الدول العربية وقضايا التحرر
في الفصل الثاني، "جامعة الدول العربية وقضايا التحرر في ليبيا وتونس والمغرب"، يتناول المؤلف جامعة الدول العربية والقضية الليبية التي قدّمها "لأن استقلال ليبيا سبق استقلال باقي الأقطار بأعوام"، ويتوصل إلى أن جامعة الدول العربية أصيبت بخيبة أمل كبيرة بسبب المصير الذي آلت إليه القضية الليبية من جرّاء تداخل المصالح الخارجية، ولا سيما النفوذ البريطاني، والاستقلال المنقوص الذي قبل به الليبيون، في ظل نظام الحكم الفدرالي الذي لا يتماشى مع الأفكار القومية الوحدوية التي تدعو إليها جامعة الدول العربية، ويقول إنّ خيبة الأمل تظهر جليّةً في تقارير الأمين العام في أثناء تناوله هذه القضية.
كما يبحث المؤلف في القضية التونسية التي انتهت بشبه أزمة بين جامعة الدول العربية والحكومة التونسية التي عقدت اتفاقات مع فرنسا، انقسمت في إثرها الحركة الوطنية التونسية، ودخلت في اقتتال دامٍ.
جامعة الدول العربية أصيبت بخيبة أمل كبيرة بسبب المصير الذي آلت إليه القضية الليبية من جرّاء تداخل المصالح الخارجية
أخيرًا، يعالج المؤلف القضية المغربية التي أظهرت فيها جامعة الدول العربية تعاطفًا كبيرًا إلى درجة أنها ساعدت على تحرير عبد الكريم الخطابي من الفرنسيين، مشيرًا في ختام الفصل إلى أن جامعة الدول العربية تعتبر موريتانيا جزءًا لا يتجزأ من المملكة المغربية: "ولا يوجد في أدبيات الجامعة العربية ما يمكن أن نطلق عليه القضية الموريتانية في هذه المرحلة من تاريخ الجامعة، بل إن في الدورة الاستثنائية لمجلسها في آب/ أغسطس 1960، أُقر قرار للجنة السياسية يعتبر موريتانيا جزءًا لا يتجزأ من المغرب. ولمّا كان المغرب قد استرجع استقلاله - بحسب قرار اللجنة السياسية - فإنه أصبح من حقه أن يمارس سيادته على جميع أجزائه".
اقرأ/ي أيضًا: كتاب "تقسيم فلسطين" لوليد الخالدي.. سيرة السلب
القضية الجزائرية
يُعنى المؤلف في الفصل الثالث، "جامعة الدول العربية والقضية الجزائرية"، بمسألة جامعة الدول العربية والقضية الجزائرية في ثلاث حقب. وقد تحددت المرحلة الأولى من تاريخ اندلاع الثورة إلى نهاية عام 1956، وفيها ركّز على جهود جامعة الدول العربية في التعريف بالقضية الجزائرية وحشد الدعم العربي لها. يقول المؤلف: "إن أهم ما يُسجل في تعامل الجامعة العربية مع القضية الجزائرية، خلال السنتين الأوليين من الثورة التحريرية، التصاعد التدريجي لاهتمام الجامعة العربية بالقضية؛ فكان كلما تأججت الثورة التحريرية، ازدادت حماسة الجامعة العربية لكفاح الشعب الجزائري، مع العلم أن خطابات الأمين العام وتقاريره قبيل اندلاع الثورة الجزائرية وفي أثنائها، لم تكن مع الكفاح المسلح صراحة في بداية الأمر، لكن هذا الخطاب المسالم سرعان ما تلاشى، وحل محله خطاب حادّ، يعتمد الكفاح المسلح لتحقيق استقلال أقطار المغرب العربي".
تحددت المرحلة الثانية على مدار عامَي 1957 و1959، وقد كانت مرحلة مفصلية في تاريخ الثورة أدّت جامعة الدول العربية فيها دورًا كبيرًا في دعم القضية الجزائرية في الشارع العربي. ويتضح للمؤلف في هذه المرحلة أن القضية "باتت بحق قضية مركزية للجامعة؛ ذلك أن التطورات الداخلية بداية من عام 1956 أعطت الثورة زخمًا خارجيًّا تعزز مع تشكيل أول حكومة جزائرية موقتة، وانتقلت بذلك اجتماعات الجامعة العربية من الطرح الأدبي للقضية الجزائرية الذي ينبني على الدعم الإعلامي والسياسي والجماهيري، إلى الإجراءات العملية الرامية إلى دعم الكفاح المسلح بالمال والسلاح؛ إذ أُقرت ميزانية خاصة بالجزائر أول مرة".
أمّا المرحلة الأخيرة من الثورة، فتحددت ابتداءً من عام 1960 إلى الاستقلال، وهي مرحلة التتويج، وفيها تضاعف اهتمام جامعة الدول العربية بالقضية الجزائرية؛ فجامعة الدول العربية "اتخذت منها مثالًا للنضال والتحرر. وحاول الأمين العام أن يُظهر في تقاريره أن الإنجاز العظيم الذي حققه الشعب الجزائري هو إنجاز للجامعة العربية، ومعها الدول الأعضاء كلها؛ فالنضال كان عربيًا على الصعيد الرسمي وعلى الصعيد الجماهيري، حيث كانت الشعوب العربية كلها تهتف لثوار الجزائر وتقدِّم التبرعات والمساعدات إلى الشعب الجزائري".
جامعة الدول العربية وملفات جزائرية كبرى
يتناول المؤلف في الفصل الرابع، "جامعة الدول العربية والملفات الكبرى في القضية الجزائرية"، ثلاثة ملفات كبرى: الأول، تقارير الأمين العامة للجامعة العربية ويهتم بها اهتمامًا شديدًا؛ نظرًا إلى أهميتها وخطورتها، والدور الكبير الذي قامت به جامعة الدول العربية في هذه الملفات، مثل الملف الإنساني في الثورة التحريرية، سواء في ما يخص أوامر ممارسة أعمال التعذيب والإعدام التي كان الجيش الفرنسي يقوم بها من جهة، أو في ما يخص أوضاع اللاجئين في تونس والمغرب من جهة أخرى.
إن أهم ما يُسجل في تعامل الجامعة العربية مع القضية الجزائرية، خلال السنتين الأوليين من الثورة التحريرية، التصاعد التدريجي لاهتمام الجامعة العربية بالقضية
تضاف إلى ذلك الأوضاع في مراكز الاعتقال التي أقامتها فرنسا داخل الجزائر. وأمّا الملف الثاني، فهو ملف تدويل القضية الجزائرية في المحافل الدولية، ولا سيما في الأمم المتحدة، فقد أدت جامعة الدول العربية أدوارًا كبرى في طرح القضية الجزائرية والمرافعة عنها في جلسات الأمم المتحدة من خلال دولها الأعضاء. وأمّا الملف الثالث، فهو ملف المفاوضات التي تابعتها جامعة الدول العربية، ولم تخلُ تقارير أمينها العام خلال السنتين الأخيرتين من الإشارة إلى هذا الملف. وكان موقفُها من اتفاق إيفيان إيجابيًّا؛ إذ أدلى الأمين العام للجامعة العربية عبد الخالق حسونة بتصريح جاء فيه: "إن يوم 18 [آذار/] مارس 1962 من الأيام المشهودة في كفاح الشعب الجزائري الباسل، وإن جامعة الدول العربية لَتُحيي أبطال الجزائر وشهداءها الأبرار ورجال حكومتها المخلصين، فقد ضربوا لنا أروع الأمثلة في النضال الوطني، وفي الميدان السياسي، واعتزت بهم قضايا الحرية في العالم أجمع". وعمومًا، لم تكن جامعة الدول العربية طرفًا مشاركًا في المفاوضات التي كانت مباشرة بين الجزائريين والفرنسيين، لكنها كانت تتابعها خطوة إثر خطوة. كما كانت تشكل قاعدة خلفية للمفاوضين الجزائريين؛ بالنظر إلى ما تمثله الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية من ثقل دبلوماسي.
اقرأ/ي أيضًا: كتاب "المسألة الثقافية في الجزائر".. في الصراع الثقافي والهوية
أما المؤلف رشيد ولد بوسيافة فأستاذ جامعي جزائري حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر. يعمل محاضرًا بجامعة يحيى فارس بالمدية - الجزائر. له إسهامات في العديد من الملتقيات الدولية والوطنية. تخصّص في الدراسات التاريخية التي تتناول علاقة ثورة التحرير الجزائرية بالعالم العربي، وهو خبير في مركز وودرو ولسن للعلماء بواشنطن منذ عام 2010، بعد زمالة فيه، أنجز فيها بحثًا بعنوان "The Reality of Algerians in America and their Role in Rapprochement with the Islamic World". له مسار إعلامي في عدد من الصحف والقنوات التلفزيونية الجزائرية، وهو متخصّص في تغطية مناطق النزاعات والحروب والأزمات الإنسانية.
اقرأ/ي أيضًا:
كتاب "التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية".. الهوية والقبيلة والتنمية
كتاب "تنظيم حراس الدين".. صعود القاعدة وأفولها في المشرق العربي