10-يوليو-2024
غرافيتي لماركيز

(depositphotos) غرافيتي لغابرييل غارسيا ماركيز

في تسعينيات القرن الفائت، قال غابرييل غارسيا ماركيز إن لكل كاتب ثلاث حيوات: حياة عامة وحياة خاصة وثالثة سرية.

وبينما تساهم الأولى والثانية في تكوين صورة الكاتب لدى القراء، تلك الصورة التي قد تعيش لسنوات وربما قرون بعد وفاته؛ فإن الثالثة السرية قد تنسف هذه الصورة وتهزّها وتضع القراء أمام شخصية أخرى صادمة تتعارض وتقف على النقيض تمامًا من تلك التي تكونت لديهم سابقًا.

وسواء هزّتها أم نسفتها، فإن النتيجة تبقى واحدة، وهي أن هذا الكاتب لم يعد بعد الكشف عن حياته السرية كما كان قبلها على الإطلاق. وهذا ما حدث قبل أيام قليلة مع الكاتبة الكندية أليس مونرو التي كشفت ابنتها الصغرى أنها تعرضت للاعتداء الجنسي من قِبل زوجها، وأن مونرو اختارت الصمت على ما حدث رغم بشاعته.

ونشرت أندريا روبن سكينر، الابنة الصغرى لمونرو، مقالًا صادمًا في صحيفة "تورنتو ستار" الكندية كشفت فيها عن تعرضها للعنف الجنسي الجسدي واللفظي من قِبل زوج والدتها، جيرالد فريملان، منذ صغرها.

تقدّم حياة الكتّاب السرية غالبًا، حين يُكشف عنها صورة صادمة تتعارض وتقف على النقيض من تلك الشائعة عنهم بين القراء

وقالت سكينر إنه في إحدى ليالي عام 1976، وكانت حينها في التاسعة من عمرها، ولم تكن أليس مونرو موجودة في المنزل: "صعد زوجها، زوج أمي، جيراليد فريملان، إلى السرير حيث كنت نائمة واعتدى عليّ جنسيًا".

وذكرت الفتاة في مقالها أنها، وبعد بلوغها الـ25 من العمر، أخبرت والدتها بما تعرضت له في تلك الليلة عبر رسالة، ولكنها تفاجأت بردة فعلها الغريبة والصادمة، إذ: "كان رد فعلها تمامًا كما كنت أخشى، كما لو أنها علمت بخيانة زوجية".

وأوضحت أن مونرو اختارت الصمت والبقاء مع زوجها رغم ما حدث، حيث قالت: "أكملنا جميعنا حياتنا وكأن شيئًا لم يحدث"، مشيرةً إلى أن الصمت عما حدث كان بهدف حماية الإرث الأدبي لمونرو، وأن تكلفة حمايته كانت مدمرة للغاية بالنسبة لها.

أليس مونرو

غابرييل غارسيا ماركيز: ابنة سرية

غابرييل غارسيا ماركيز، الحائز على "نوبل للآداب" عام 1982، وصاحب "مئة عام من العزلة"؛ كانت له بدوره أسراره أو ما أسماه يومًا "حياة سرية" إلى جانب حياته العامة والخاصة. ولم تتكشف تفاصيل هذه الحياة، أو أسرارها، إلا بعد 8 سنوات على وفاته، حيث كشفت صحيفة كولومبية، في كانون الثاني/يناير 2022، أن لدى ماركيز ابنة سرية.

وقالت صحيفة "إل يونيفرسال" إن لماركيز ابنة سرية خارج إطار الزواج، وإن أقاربه حرصوا على إخفاء هذا السر لسنوات طويلة احترامًا لزوجته مرسيدس برشا، التي لم يوضح كاتب التقرير، غوستافو تاتيس، ما إذا كانت على علم بوجود التي تٌدعى إنديرا.

وإنديرا هي ثمرة علاقة أقامها ماركيز مع صحفية مكسيكية تٌدعى سوسانا كاتو، وتصغره بـ33 عامًا، وقد ظلت قصتها سرًا إلى توفيت مرسيدس. وبحسب التقرير، فإن إنديرا تبلغ من العمر الآن 33 عامًا، وتعمل منتجة أفلام، ولم تحمل شهرة والدها.

وقال كاتب غوستافو تاتيس لإحدى الإذاعات المحلية: "قبل وفاة غابرييل غارسيا ماركيز بفترة وجيزة، سمعت الإشاعة التي شغلتني طيلة السنوات الثماني، إذ أردت التحقق من صحتها".

وأوضح في تقريره الذي حمل عنوان " ابنة: سرّ غابرييل غارسيا ماركيز الأكثر كتمانًا" أنه تأكد من المعلومة من كاتب سيرته الذاتية وأفراد من الأسرة وأحد أفضل أصدقاء صاحب رواية "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه".

وذكر أنه أبقى الأمر طيّ الكتمان احترامًا لزوجته مرسيدس برشا، وأضاف: "انتظرنا وفاتها حتى نشرنا المعلومات". وقال إنّ وجود هذه الابنة كان من "أكثر الأسرار قداسة وحميمية" لغابرييل غارسيا ماركيز.

غابرييل غارسيا ماركيز

بابلو نيرودا: تجاهل ابنته ونبذها

يتشارك الشاعر التشيلي بابلو نيرودا مع غابرييل غارسيا ماركيز في إخفاء سر لم يُكتشف إلا بعد نحو قرن من وفاته، وفي مصادفة كان السر ليبقى طي الكتمان لو لم تحدث.

ويكشف هذا السر جانبًا مظلمًا من شخصية نيرودا الذي اهتزت صورته بعد خروجه إلى العلن. فالشاعر التشيلي الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1971، تجاهل ابنته مالفا، الأحرى نبذها، التي ولدت في عام 1934 بسبب إصابتها بداء الاستسقاء وتركها، دون أي اهتمام، للموت الذي خطفها في الثامنة من عمرها، وكانت حينها تعيش لدى عائلة هولندية في مدينة خودا غرب هولندا.

ومالفا ابنة امرأة هولندية من أصول إندونيسية تدعى ماريا أنطونيتا هاختار، التقى بها نيرودا في إندونيسيا، واصطحبها معه إلى مدريد حيث كان يعمل، وأنجبت الفتاة منه دون أن يتزوج منها. بل إنه، ودون أدنى اهتمام، أرسلهما بعد الحرب العالمية الثانية إلى هولندا حيث تُركا لمصيرهما.

بابلو نيرودا

 

محمود درويش: لا أريد الأبوّة

وللكتّاب العرب أسرارهم أيضًا، ومنهم الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي ادعى الشاعر السوري سليم بركات بعد 12 عامًا على وفاة درويش، أن له ابنة رفض أن تحمل اسمه ويعترف بها. 

جاء ادعاء بركات، وهو من أصدقاء درويش المقربين، في مقال نُشر بجريدة "القدس العربي" في حزيران/يونيو 2020، قال فيه إن صاحب "ذاكرة للنسيان" باح له، في عام 1990، بسره "بتساهلٍ لا تساهلَ بعده"، وقال: "لي طفلة. أنا أبٌ. لكن لا شيء فيَّ يشدُّني إلى أبوَّةٍ".

وذكر بركات في مقاله أن الفتاة ثمرة علاقة أقامها درويش مع امرأة متزوجة صارحته بابنته، لكنهُ لم يكترث للأمر، ولم: "يسأل المرأةَ، حين انحسر اعترافها، وانحسرت مبتعدةً في العلاقة العابرة، عن ابنته. أبوَّته ظلت تبليغًا موجزًا من صوت في الهاتف"، وفق قوله.

وأشعلت مقالة بركات جدلًا واسعًا وأحدثت صدمة كبيرة لدى محبي صاحب "كزهر اللوز أو أبعد"، الذين سارعوا إلى الدفاع عنه وتكذيب ما رواه بركات، فيما انتقد آخرون ما فعله وتساءلوا أيضًا عما تخفيه حياته السرية.

محمود درويش

تشارلز ديكنز: أهمل زوجته وأبنائه

يُخفي الروائي البريطاني تشارلز ديكنز خلف شخصيته التي يعرفها قراء أعماله شخصية أخرى تقف على النقيض تمامًا منها. والمفارقة أن ما قدّمه في رواياته يتعارض تمامًا مع حياته الشخصية وسلوكه. فصاحب "أوليفر تويست" كان يُعامل عائلته، زوجته وأبنائه، بجفاء شديد، بل كان شديد الإهمال تجاههم.

وفي الوقت الذي كانت فيه زوجته، كاثرين، تعاني في تربية أبنائهما، كان ديكنز على علاقة غرامية مع ممثلة تبلغ من العمر 18 عامًا، أي في عمر ابنته التي لم تحظ بالمحبة التي نالتها تلك الممثلة. وأكثر من ذلك، شن ديكنز حربًا كلامية لاذعة ضد زوجته وشهّر بها في الصحف، ثم منعها من رؤية أبنائهما بعد حصوله على حضانتهم عقب الطلاق.

تشارلز ديكنز

نورمان ميلر: وحش بهيئة إنسان

لم يخف الكاتب الأميركي نورمان ميلر سرًا كما فعل نيرودا وماركيز، ولم يهمل أبناءه وزوجته كما كان يفعل ديكنز، وإنما كان إنسانًا فظًا بربري السلوك لدرجة أن زوجته، أديل ميلر، وصفته بعد وفاته بأنه "وحش".

ولم يأت هذا الوصف من فراغ وإنما نتيجة سلوك ميلر وتصرفاته العدوانية التي وصلت إلى درجة أنه هجم عليها بالسكين وطعنها عدة طعنات في بطنها وظهرها لأنها قالت له إنه ليس كاتبًا جيدًا مثل دوستويفسكي. كما يروى أنه ساعد مجرمًا مُدانًا على الهرب من السجن.

نورمان ميلر

ميشيل فوكو: نزعة بيدوفيلية

الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو لم يخف في حياته السرية أسرارًا وإنما جرائم فظيعة ارتكبها بحق عشرات الأطفال، الذين اعتدا عليهم جنسيًا أثناء إقامته في تونس خلال ستينيات القرن الفائت.

ظلّت جرائم فوكو هذه طي الكتمان إلى عام 2021، حيث كشف تقرير في صحيفة "صانداي تايمز" أنه اغتصب وانتهك أطفالًا خلال الفترة التي قضاها في تونس، وذلك استنادًا إلى شهادة زميله غاي سورمان الذي أعرب عن ندمه على عدم إبلاغ الشرطة عن جرائم فوكو آنذاك، أو على الأقل فضحها إعلاميًا.

وأكد سورمان أن فوكو كان يلاحق الأطفال ويعتدي عليهم جنسيًا: "كان الأطفال الصغار يلاحقون فوكو ويقولون ماذا عني، خذني.. كانوا في سن الثامنة والتاسعة والعاشرة، وكان يرمي الأموال لهم ويقول سنلتقي في المكان المعروف عند الساعة العاشرة مساء"، والمكان هو مقبرة الحي حيث كان يعيش.

ميشيل فوكو

لويس ألتوسير: "قتلت زوجتي.. هيلين"

قد تبدو قصة لويس ألتوسير مختلفة عن القصص السابقة، فالأمر هنا لا يتعلق بسرٍ ما أو تصرفات عدوانية، وإنما باضطرابات ومشاكل نفسية كان الفيلسوف الفرنسي يعاني منها وتؤثر على سلوكه.

وفي إحدى لحظات فقدانه للوعي، بسبب مشاكله النفسية ذاتها، وبينما كان يمسد عنقها، في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1980، خنق ألتوسير زوجته هيلين التي قال إنها: "كانت كل شي بالنسبة لي في هذا العالم (...) هي التي كانت تحبني إلى درجة أنها أبت إلا أن تموت حين انعدمت قدرتها على الحياة".

لويس ألتوسير