كتب ماكس فيشير كاتب ومحرر سابق في موقع "ذا أتلانتيك"، وقد كتب هذه المقالة التي ننقلها إلى العربية على إثر نقاش ساخن أثارته مقالة الصحافية المصرية الأمريكية منى الطحاوي. فيشير يؤكد أن المجتمعات العربية تعاني من كراهية عميقة للنساء، لكن المشكلة ليست عربية أو إسلامية بشكل مباشر كما يعتقد البعض.
عندما يطلب منك أن تتخيل امرأة في الشرق الأوسط ربما يكون أول ما يخطر ببالك هو الحجاب. قد لا تتخيل وجهًا، فقط الغطاء الأسود للبرقع أو النقاب. حقوق المرأة في الدول العربية تعد من بين الأسوأ في العالم، لكن القضية أعوص من ذلك. كما كتبت الصحافية المصرية الأمريكية منى الطحاوي في قصة استفزازية لموقع "السياسة الخارجية": "أصبحت كراهية النساء متوطنة للغاية في المجتمعات العربية لدرجة أنها ليست مجرد حرب على النساء، إنها قوة مدمرة تمزق الاقتصادات والمجتمعات العربية". لكن لماذا؟ وكيف أصبحت كراهية النساء متأصلة إلى هذا الحد في العالم العربي؟
مايا مكداشي: "الجنسانية ليست دراسة ما هو واضح، إنها تحليل لكيفية ظهور ما هو واضح"
كتبت مايا مكداشي ذات مرة: "الجنسانية ليست دراسة ما هو واضح، إنها تحليل لكيفية ظهور ما هو واضح". هذه مهمة أصعب بكثير من تصنيف الانتهاكات الفظيعة والمقبولة اجتماعيًا للنساء في العالم العربي. لكن كلاهما مهم، وقد تكشف مقالة الطحاوي المطولة المكرسة حول الشق الأول عن الشق الثاني أكثر مما قصدت.
اقرأ/ي أيضًا: "انتي عانس" وغيرها.. إعلانات تهين المرأة المصرية؟
هناك طريقتان عامتان للتفكير في مشكلة كراهية النساء في العالم العربي. الأولى هي التفكير فيها على أنها مشكلة عربية، وهي مسألة تتعامل معها المجتمعات والشعوب العربية بشكل خاطئ. تكتب الطحاوي: "ليس لدينا حريات لأنهم يكرهوننا"، وهي أول مرة تستخدم فيها الضمير "هم" في لائحة اتهام شاملة للثقافات الممتدة من المغرب إلى شبه الجزيرة العربية. "نعم: إنهم يكرهوننا. هذا يجب أن يقال".
لكن هل الأمر حقًا بهذه البساطة؟ إذا كانت كراهية النساء مسألة عربية بطبيعتها، فلماذا هناك تباين كبير بين المجتمعات العربية؟ لماذا انتخبت "هم الكارهة" في مصر 2 بالمائة فقط من النساء في برلمانها بعد الثورة، في حين انتخبت "هم الكارهة" في تونس 27 بالمائة، أقل بكثير من النصف ولكنها لا تزال أكثر بكثير من نسبة الـ17 بالمائة في أمريكا؟ لماذا يوجد الكثير من الممارسات المعادية للمرأة بشكل شائع أو حتى أكثر شيوعًا في المجتمعات غير العربية في أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى أو جنوب آسيا؟ في نهاية الأمر فإن كل مجتمع تقريبًا في التاريخ عانى من التحيز الجنسي، وربما لا يزال. فقفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لا تتمكن المرأة من التصويت حتى عام 1920؛ وحتى اليوم، فإن حصول النساء على الرعاية الصحية الإنجابية في تراجع. نحن لا نفكر في الأمر على أنه قضية تتعلق بالرجال الأمريكيين، أو الرجال البيض، أو الرجال المسيحيين الذين يكرهون النساء بشكل غير قابل للاختزال. فلماذا إذًا نكون مستعدين لتصديقه عن المسلمين العرب؟
انتقد عدد من النسويات العرب المسلمات مقال الطحاوي باعتباره يعزز التصورات الغربية الاختزالية عن العرب بشكل يصورها على أنها بربرية تمامًا. اتهمت ناهد الطنطاوي المقال بأنه يمثل المرأة العربية "كالشرقية الأخرى، الضعيفة، العاجزة الخاضعة، والمظلومة من قبل الإسلام والرجل المسلم ذاك الوحش البربري القبيح". سامية الرزوقي أيضًا أعربت عن غضبها من "التمثيل الأحادي الصورة للمرأة في المنطقة". بينما كتبت رقية شمس الدين: "لم تكتف الطحاوي بشيطنة رجال الشرق الأوسط وحصرهم في دور واحد، وهو دور المعذبين الأبديين، حيث يصفق جمهورها الغربي ويهتف لها، فهي أيضًا لم تقدم سبيلًا للخروج لهؤلاء الرجال". أما ديما الخطيب فكتبت: "المجتمع العربي ليس بربريًا كما قدمته الطحاوي في المقال". وأعربت عن أسفها عن المقال الذي يعزز "صورة نمطية مليئة بالتعميمات الساحقة التي تساهم في توسيع الصدع الثقافي بين مجتمعنا والمجتمعات الأخرى، وزيادة العنصرية تجاهنا".
انتقد عدد من النسويات العرب المسلمات مقال منى الطحاوي باعتباره يعزز التصورات الغربية الاختزالية عن العرب بشكل يصورها على أنها بربرية تمامًا
تجري العشرات، وربما المئات، من التقارير والأبحاث مقارنات حول حقوق المرأة ومعاملتها في مختلف البلدان، وجميعهم يصنفون الدول العربية في مراتب متدنية في القائمة. ولكن ربما ليس قريبًا من القاع كما يظن البعض. وضع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2011 حول الفجوات الوطنية بين الجنسين أربع دول عربية من المراتب العشر الأخيرة. بينما تحتل ضمن قائمة الدول الخمس والعشرون الدنيا عشر دول عربية، تقريبًا أكثر من نصفها. لكن دول جنوب الصحراء الأفريقية تميل إلى تصنيف أشد سوءًا. وكذلك الحال بالنسبة لمجتمعات جنوب آسيا - حيث يعيش ما يقرب من خمسة أضعاف عدد النساء اللواتي يعشن في الشرق الأوسط ويعانين من أفظع الانتهاكات في العالم اليوم. في عام 2011، قامت نيوزويك بتجميع العديد من التقارير والإحصاءات حول حقوق المرأة ونوعية الحياة التي تعيشها. شمل ترتيبهم النهائي دولة عربية واحدة فقط في المرتبة 10 الدنيا وهي اليمن، ودولة أخرى ضمن المراتب ال 25 وهي المملكة العربية السعودية، على الرغم من أننا قد نضيف السودان أيضًا. لا يعني ذلك التقليل من أهمية المشكلة وحدتها في المجتمعات العربية، ولكن يأتي هذا كتذكير بأن "كراهية النساء" و"العرب" ليستا لفظتين مترادفين كما نتعامل معها أحيانًا.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تحولت أغنية تشيلية إلى نشيد أممي؟
الطريقة الأخرى للتفكير في كراهية النساء في العالم العربي هي مشكلة الكراهية ذاتها. كما تظهر التصنيفات أعلاه، فإن التحيز الجنسي المتأصل ثقافيًا ليس خاصًا بالمجتمعات العربية. بمعنى آخر، إنها مشكلة لدى المجتمعات العربية، لكنها ليست مشكلة عربية محضة. الأسباب الحقيقية والجذرية متنازع عليها ومعقدة وغالبًا ما تكون مثيرة للجدل. ولكن لا يمكنك علاج الأعراض دون الاعتراف بالمرض على الأقل، وهذا المرض ليس عرقًا أو دينًا أو قومية.
بعض أهم مهندسي كراهية النساء العرب لم يكنوا أصلًا عربًا. كانوا أتراكًا - أو كما أطلقوا على أنفسهم في ذلك الوقت: عثمانيين - بريطانيين وفرنسيين. حكم هؤلاء الأجانب العرب لقرون، وحرفوا الثقافات لتمكين هيمنتهم. وقد كانت إحدى الأساليب المفضلة لديهم شراء خضوع الرجال من خلال منحهم سلطة مطلقة على النساء. حكم السادة الأجانب المجال العام، بينما حكم الرجال المحليون المجال الخاص، وخرجت النساء صفر اليدين؛ وصف الأكاديمي دنيز كانديوتي هذه الحالة بـ"الصفقة الأبوية". استخدمتها القوى الاستعمارية في الشرق الأوسط، وجنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، وفي جنوب آسيا، للترويج لأفكار كراهية النساء والرجال الكارهين للنساء الذين لولا ذلك لبقوا على الأرجح مهمشين، ببطء ولكن بثبات تم غرس هذه الأفكار في المجتمعات.
بالطبع، كان لا بد أن تأتي بذور كراهية النساء الأولى من مكان ما. التفسيرات التطورية مثيرة للجدل. يقول البعض إن السبب ببساطة هو أن الرجال أكبر ويمكنهم شق طريقهم بصورة أسهل نحو الهيمنة. بعض الرجال يسعون للسيطرة على النساء، وخاصة الجنس الأنثوي، نتيجة خوف لا واع من الخيانة وفكرة تربية طفل رجل آخر؛ البعض الآخر يرى أن صعود الدولة القومية عزّز دور الحرب في المجتمع، مما يعني أن الجنس الأقوى جسديًا اتخذ المزيد من السلطة. لا نسمع عادة بهذه الآراء، أو بأي من النظريات التطورية الأخرى. ما نسمعه عادة الربط بالدين.
الإسلام، مثل المسيحية، دين موسع وحي. لقد تحرك مع تيارات التاريخ، وجلب ممارسوه البالغ عددهم ما يربو على مليار شخص مجموعة واسعة من التفسيرات والمعتقدات. كان الحكام الاستعماريون الذين غزوا المجتمعات الإسلامية ماهرين في الإشارة إلى أبسط مبرر لـ "الصفقة الأبوية". لقد روجوا للقادة الدينيين الذين كانوا على استعداد لتبني هذه الصفقة وقمع أولئك الذين اعترضوا. يعد هذا جزءًا مهمًا من الكيفية التي أصبحت بها ممارسات الكراهية للنساء شائعة بشكل خاص في العالم الإسلامي (سبب آخر هو أنه عندما قام الغرب في وقت لاحق بترويج الحكام العلمانيين، اعتمد المناهضون للاستعمار تفسيرات دينية متطرفة كوسيلة لمعارضتها ودحضها). كتبت عالمة الأنثروبولوجيا سعاد جوزيف في كتابها عام 2000 بعنوان "النوع الاجتماعي والمواطنة في الشرق الأوسط": "لقد كرّسوا اتفاق جنة الرجال في العلم المقدس برفع قوانين الأسرة الدينية إلى مرتبة قوانين الدولة". "كانت النساء والأطفال ورق مساومة واضحة للقادة السياسيين والدينيين". سبقت بعض الممارسات المعادية للمرأة الاستعمار. لكن العديد من هذه الممارسات، على سبيل المثال تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، سبق الإسلام أيضًا.
بعض أهم مهندسي كراهية النساء العرب لم يكنوا أصلًا عربًا. كانوا أتراكًا وبريطانيين وفرنسيين
لقد عانى العرب قرونًا من الحكم الوحشي والاستبدادي، ويمكن لهذا أن يلعب دورًا إضافياً. أخبرتني صحفية غربية أمضت سنوات في المنطقة، حيث عانت من بعض المضايقات والتحرشات في الشوارع، أنها شعرت أن الذين يضايقونها ربما كانوا يتصرفون جزئياً نتيجة البؤس والغضب والكبت. وأشارت إلى كون تحمل العذاب والإذلال اليومي للحياة في ظل الشرطة السرية المصرية أو السورية أو الجزائرية، قد يجعل الرجل العربي أكثر عرضة لتأكيد رجولته الضائعة عن طريق تسليطها على النساء.
اقرأ/ي أيضًا: المرأة العربية كزهرة!
من الصعب التطرق لمسألة تقاطع العرق والجنس بصراحة. إذا أردنا أن نفهم لماذا يضرب رجل مصري زوجته، فمن الصحيح ومن الجيد إدانته على فعل ذلك، لكن هذا لا يكفي. علينا أيضا أن نناقش القوى الكبرى التي توجهه، حتى لو جعلنا ذلك غير مرتاحين تمامًا لأنه سيبدو كما لو أننا نبرر له. لعقود من الزمان، تعثرت هذه المسألة بسبب قضايا العرق وعلاقات ما بعد الاستعمار الموجودة دائمًا، ولكن بشكل مغرق في الحساسية بحيث يتعذر معالجتها مباشرة.
اقضِ بعض الوقت في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا في الحديث عن الجنس وقد تسمع عبارة "أخي العربي قبل أختي الغربية"، في تحذير للصمت عن الظلم حتى لا نمنح الغرب المزيد من الأعذار للتدخل. الحقيقة أن النسوية تعتبر خطأً وعلى نطاق واسع فكرة غربية الأمر الذي صعّب المهمة على المؤيدين. بعد قرون من الاستعمار الغربي والتفجيرات والغزوات والاحتلال، يمكن للرجال العرب أن يرفضوا دعوات المساواة بين الجنسين على أنها مجرد شكل آخر من أشكال فرض الهيمنة، مصرّين على أن الثقافة العربية تملك وسائل مختلفة للتعامل مع المسألة. كلما ازدادت نداءاتنا للمساواة بين الجنسين زادت سهولة إعراضهم.
للأسف، قد تلعب الخلفية الشخصية للطحاوي دورًا في كيفية استجابة بعض منتقديها. الطحاوي تعيش في الغالب في الغرب، وتكتب في الغالب للصحافة الغربية، وتتحدث اللغة الإنجليزية بلكنة أمريكية، مما يعقد موقفها ويخاطر بجعل أفكارها تبدو غربية كحالها تمامًا. رغم أن هذا ليس عادلًا ولا انعكاسًا لجدارة أفكارها، لكنه قد يبرر رد الفعل، وقد يخبرنا شيئًا عن سبب توقف النقاش الذي تحاول أن تبدأه منذ فترة طويلة.
إذا أردنا أن نفهم لماذا يضرب رجل مصري زوجته، فمن الصحيح ومن الجيد إدانته على فعل ذلك، لكن هذا لا يكفي. علينا أيضا أن نناقش القوى الكبرى التي توجهه
اقرأ/ي أيضًا: في بيتنا كاتبة
النساء العربيات المسلمات اللواتي انتقدن الطحاوي كن من أنصار الحركة النسائية العربية منذ سنوات. لذا فإن رد فعلهن لا يتعلق بـ "الأخ العربي قبل الأخت الغربية"، ولكنه يظهر الحساسية الشديدة تجاه أي شيء يمكن أن يصور كراهية النساء العرب على نحو ما بشكل منسوب للمجتمع العربي أو للإسلام. ليس من مهمة الطحاوي أن تتجنب القلق الثقافي العربي حول القيم التي يفرضها الغرب، لكن حقيقة أن مقالها أثار هذه المخاوف أكثر مما أيقظ الوعي الذاتي عند الذكور العرب يأتي كتذكير مهم بأن استغلال المرأة العربية هو مسألة أبعد من مجرد جنسانية. كما قال لي بعض المدافعين عن الطحاوي، فإن المجتمعات الأبوية في العالم العربي بحاجة إلى الانزعاج من الوعي بالضرر الذي يلحقونه بأنفسهم. إنهم على حق، لكن يبدو أن هذه المقالة لم تفعل ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: