تجاوز الخنجر في اليمن استخدامات السلاح التقليدي، إلى العلامة الاجتماعية على المكانة والأُبّهة. وخنجر الجنب المعروف بـ"الجنبية"، هو أحد أبرز الصناعات اليمنية التراثية؛ يُرافق الرجال في كافة مجالسهم ومناسباتهم ورحلاتهم.
للجنابي تاريخ قديم، يعود لمئات السنين على الأقل. ولا زالت عادة متوارثة إلى الآن، وجزء أصيل من مُكوّن الشخصية اليمنية
وللجنابي تاريخ قديم، يعود لمئات السنين على الأقل. ولا زالت عادة متوارثة إلى الآن، وجزء أصيل من مُكوّن الشخصية اليمنية ارتبط بها وارتبطت به. وبحسب بعض كبار صناع الجنابي التاريخيين، فإن تاريخها يعود لآلاف السنين.
اقرأ/ي أيضًا: عَودة القنبوس.. آلات المغنى والزمن الجميل في اليمن
وللجنبية أنواع وأشكال، وعديد المواصفات، وأسعار تختلف بكل هذه الاختلافات، فالجنبية المصنوع رأسها من قرن وحيد القرن هي الأندر والأغلى ثمنًا، فقد يصل سعرها لمليوني دولار أمريكي. وهناك الجنابي المصنوعة من أنياب الأفيال، وهي غالية أيضًا، وهناك المصنوعة من قرون حيوانات أخرى كالبقر والجاموس.
وللجنابي أنواع وأسماء مختلفة، فهناك الجنبية العزيرية والصيفانية والأسعدية والزراف، ومسميات أخرى على حسب المنطقة، مثل: الصنعانية والشبوانية والذمارية. وبالجنبية، يمكنك أن تميز إلى أي محافظة ينتمي صاحبها.
كيف تصنع الجنبية؟
رأس الجنبية الذي يأخذ شكل هلالين متطابقين معكوسين، عادة ما يصنع من قرون الحيوانات بعد نحتها يدويًا، وتضاف إليه قطع الذهب أو الفضة الخالصة أو الأحجار الكريمة، وتنقش عليه الرسومات.
وبحسب صانع الجنابي، من مدينة صنعاء، محمد النهاري، فإن ما يميز قرن وحيد القرن في رأس الجنبية، فضلًا عن ندرته، أن لونه يتغير للذهبي مع مرور الزمن (يتصفين)، كما أنه لا يحتاج للمعالجة مع الوقت، بخلاف غيره من قرون الحيوانات الأخرى.
أما نصل الجنبية فيصنع عادة من الحديد والفولاذ. ويكثر استخدام جنازير الدبابات والآليات العسكرية في صناعته، تحت درجة حرارة مرتفعة، وبصقله جيدًا بما يجعله أكثر لمعانًا وصلابة.
وهناك الغمد أو "العسيب" كما يطلق عليه محليًا، والذي يُصنع من خشب الطنب عادة، ويُغطى بالجلد المنقوش نقوشات تختلف باختلاف المنطقة اليمنية. وبعض الأغماد تصنع من الفضة، يلجأ لاستخدامها ذوو المكانة الاجتماعية والدينية الأعلى.
وأخيرًا، ثمة حزام الخصر الذي يثبت فيه الغمد الذي يغلف الخنجر. ويُصنع الحزام من الجلد المطرز بالنقوش والخيوط الذهبية، وربما الأحجار الكريمة أيضًا. ويصل سعر بعض الأحزمة إلى 1700 دولار أمريكي، بحسب جودة الجلد، وتطريزه يدويًا. أما الأحزمة المصنعة آليًا أو المستوردة، فهي أقل ثمنًا.
سوق الجنابي
في معظم المحافظات اليمنية، يوجد سوق خاص لبيع الجنابي ومستلزماتها، كما يخصص بائعون على مواقع التواصل الاجتماعي سوقًا لبيع وشراء الجنابي القديمة.
لكن خلال السنوات الأخيرة، تراجعت نسبة مبيعاتها بسبب الحرب، بالإضافة إلى استيراد جنابي صينية مصنعة من خامات أقل جودة، تباع بأسعار منخفضة.
رياض العزيري، وهو صانع جنابي من أسرة العزيري التي يعود لها أشهر أنواع الجنابي اليمنية، يقول لـ"الترا صوت" إنه "قبل الحرب كان الإقبال على الجنابي بشكل كبير، سواءً من قبل اليمنيين أو حتى الزوار الأجانب. لكن منذ بداية الحرب، انخفض الإقبال عليها"، وبعد أن كانت الجنبية العزيرية من أكثر الهدايا تداولًا، قلما تجد الآن من يأتي خصيصًا لشرائها هدية لشخص ما، وفقًا للعزيري.
تراجعت مبيعات الجنابي بسبب الحرب، واضطر كثيرون إلى بيع جنابيهم بأقل من نصف ثمنها توفيرًا للقمة العيش
وتخطى الأمر ذلك إلى إقدام البعض على بيع جنابي قديمة كانوا يمتلكونها، من أجل توفير لقمة العيش. ووفقًا لرياض العزيري، فإن بعض الجنابي القديمة التي يتخطى ثمنها مليونين ونصف المليون ريال يمني (10 آلاف دولار تقريبًا) يبيعها أصحابها، مجبرين، بمليون واحد (أربعة آلاف دولار تقريبًا)، لسوء الأوضاع المادية.
اقرأ/ي أيضًا: