06-يناير-2024
دمار غزة

حول مفهوم قتل المنازل، فهو يدور حول التدمير المتعمد والممنهج للمنازل والبنية التحتية الأساسية بطريقة تجعلها غير صالحة للسكن (Getty)

يُقدم الدمار في إسرائيل، باعتباره من إنجازات جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وتحول تفخيخ المنازل وتدميرها، إلى واحدة من اللحظات، التي يستغلها جنود الاحتلال، مثل إهداء التفجير إلى أطفالهم، أو تقديم عروض زواج، أو تقديمها ضمن قوات "هزلية وساخرة".

ويظهر تفجير المنازل، كحملة ممنهجة، تحصل بهدف انتقامي، وتسوق ضمن ما يحقق جيش الاحتلال في غزة.

واحدة من المصطلحات التي ظهرت في العدوان الإسرائيلي، هي "قتل المنازل"، التي تنطوي ضمن السعي الإسرائيلي إلى تهجير أهالي قطاع غزة

ويقدم جيش الاحتلال، كافة التأطيرات لهذا الفعل، إذ قال أحد ضباط جيش الاحتلال، خلال اقتحام خانيونس: "هناك إرهاب في كل منزل، ولا توجد بنية تحتية بريئة"، مما يقدم السياق الذي يساهم في فهم هذه الظاهرة.

وتحصل أخبار تفجير المربعات السكنية، على تغطية في الإعلام الإسرائيلي، إذ نشر في مرة عن تفجير 56 منزلًا في حي الشجاعية، وكذا حصل مع تدمير منطقة مسجد فلسطين في غزة، أو مبنى المجلس التشريعي وقصر العدل، وهي كلها لا تندرج ضمن الأهداف العسكرية، ولكنها ضمن محاولة جعل قطاع غزة، منطقة غير صالحة للحياة.

قتل المنازل

وحول مفهوم قتل المنازل، فهو يدور حول التدمير المتعمد والممنهج للمنازل والبنية التحتية الأساسية بطريقة تجعلها غير صالحة للسكن. وظهر لأول مرة بشكلٍ منهجي، في عام 2022، في تقرير أعده للأمم المتحدة بالاكريشنان راجاغوبال، المقرر الخاص للمنظمة المعني بالحق في السكن الملائم وأستاذ القانون والتنمية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وكان التقرير بمثابة مسح عالمي تطرق إلى سوريا وروسيا وميانمار ودول أخرى، بما في ذلك حروب إسرائيل.

وفي محادثة مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أكد راجاغوبال أن "فرصة اعتبار تدمير المنازل جريمة أعلى من أي وقت مضى، حيث نشهد جميعًا أمثلة حديثة كثيرة لمثل هذا الدمار الهائل في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الآن، بشكل مأساوي، في غزة. إن تدمير المنزل لا يعني مجرد خسارة مادية للطوب، والتي يمكن استبدالها. فالمنزل هو أيضًا مستودع لذكرياتنا الماضية، وأحلامنا المستقبلية، وبطبيعة الحال، مكان آمن ومأمون للعيش فيه. فقدان منزل هو خسارة فادحة يمكن أن تجعلنا نفقد إنسانيتنا. وعندما يتم تدمير مجموعات كبيرة من المنازل وتسوية أحياء بأكملها بالأرض كما هو الحال في غزة أو حلب أو ماريوبول، فإن ذلك يعد جريمة ضد الإنسانية".

ويضيف: "أعتقد أن تصرفات إسرائيل ترقى إلى مستوى قتل المنازل، وربما تشكل الآن أعمال إبادة جماعية أيضًا. لم تدمر الهجمات التي شنتها إسرائيل المنازل فحسب، بل دمرت المستشفيات والشوارع التاريخية والمباني العامة التي تحتوي على سجلات وأرشيفات مهمة.. المكتبة العامة الرئيسية، وجامعات غزة الأربع، ومدينة غزة القديمة، وميناء غزة القديم، والعديد من المتاحف بما في ذلك متحف رفح للتراث الفلسطيني الذي تم افتتاحه حديثًا. إن هذه الإبادة المطلقة لغزة كمكان تمحو ماضي وحاضر ومستقبل غزة والفلسطينيين".

وتوضح فاتنة أبريك-زبيدات، وهي محاضرة أولى في كلية الهندسة المعمارية بجامعة تل أبيب، أن قتل المنازل هو توسيع لمفهوم "إبادة المناطق الحضرية"، في إشارة إلى تدمير المدينة، إذ تمت صياغة هذا المصطلح في التسعينيات في سياق الحرب في البلقان، حيث تم تدمير مدن بأكملها، وخاصة العديد من المباني العامة.

ويشير تقرير "هآرتس"، إلى أنه "ليس هناك نقص في الأدلة على ما يمكن اعتباره قتلًا للمنازل ارتكبته إسرائيل عمدًا، بما في ذلك التصريحات العلنية لشخصيات في الائتلاف الحاكم. إذ كتبت وزيرة المخابرات غيلا غملئيل مقالًا لصحيفة جيروزاليم بوست حثت فيه على ’[تعزيز] إعادة التوطين الطوعي للفلسطينيين في غزة، لأسباب إنسانية، خارج القطاع’. ومن خلال التعبير عن هذه الفكرة، يبدو أن غملئيل كشفت عن نية الحكومة، أو أملها، في ألا يعود سكان غزة إلى ديارهم عندما تنتهي الحرب، بل سيهاجرون إلى بلدان أخرى - وهو البعد الثاني الآخر لجريمة قتل المنازل أي تدمير لا رجعة فيه: عدم العودة إلى حياتهم السابقة أيضًا".

كما قال وزير التراث عميحاي إلياهو إن إسقاط قنبلة ذرية على غزة "هو أحد الاحتمالات". وقال عضو الكنيست من الائتلاف الحكومي يتسحاق كرويزر (عوتسما يهوديت): "يجب تسوية قطاع غزة بالأرض ومحوه من الخريطة". وقال جنرال احتياط في جيش الاحتلال غيورا آيلاند، المدير السابق لمجلس الأمن القومي، في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت اليومية: "ليس أمام دولة إسرائيل خيار سوى تحويل غزة إلى مكان غير صالح للسكن بشكل مؤقت أو دائم".

وفي تقرير سابق، قالت صحيفة "الغارديان": "إن تدمير أكثر من ثلث منازل غزة أثناء قصف إسرائيل للقطاع، دفع خبراء القانون الدولي إلى إثارة مفهوم ’قتل المنازل’، أي التدمير الشامل للمساكن لجعل المنطقة غير صالحة للسكن".

وتشير الصحيفة البريطانية، إلى أن التدمير في غزة، وحجم الدمار الحالي، هو من نوع مختلف عن كافة الحروب السابقة.

وأضافت: "أن قتل المنازل، وهو مفهوم يحظى بقبول متزايد في الأوساط الأكاديمية، لكنه لا يعتبر جريمة متميزة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي. وقد قدم المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في السكن تقريرًا إلى الأمم المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، جادل فيه بأن هناك حاجة إلى ردم فجوة مهمة للغاية" في القانون.

واستمر التقرير، بالقول: "أدى تدمير المنازل في حلب خلال قمع نظام الأسد للثورة السورية، وتسوية أماكن سكن الروهينجا في ميانمار، وتدمير ماريوبول في أوكرانيا، إلى زيادة التركيز في السنوات الأخيرة على هذه القضية".

وقال مقرر الأمم المتحدة  وأستاذ القانون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بوسطن بالاكريشنان راجاغوبال: إن "هناك فجوة في القانون الدولي، لأنه على الرغم من أن حماية منازل المدنيين مشمولة في نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بجرائم الحرب في النزاعات بين الدول، إلا أنها ليست مدرجة ضمن الجرائم ضد الإنسانية".

وأضاف: "هذا له صلة بالتدمير الشامل للمساكن في حالة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في غزة. ستقول إسرائيل إن الصراع ليس صراعًا مسلحًا دوليا لأن إسرائيل لا تعترف بفلسطين كدولة. لكن معظم الصراعات التي شهدت أكبر عدد من الوفيات منذ الحرب العالمية الثانية كانت صراعات مسلحة غير دولية، وكان الصراع بين روسيا وأوكرانيا استثناءً وليس القاعدة".

وأشار إلى أن "فجوة مماثلة فيما يتعلق بالمجاعة قد تم سدها للتو. وقد أدرج نظام روما الأساسي التجويع باعتباره جريمة حرب وليس جريمة ضد الإنسانية". وضغطت سويسرا من أجل تعديل النظام الأساسي لجعل التجويع جريمة ضد الإنسانية، وهو التغيير الذي تم تنفيذه أخيرا في عام 2022.

وقال راجاغوبال: "أود أن أناشد هذه الدول التي تعارض ما يحدث في غزة، مثل جنوب أفريقيا وإسبانيا، أن تفعل بالضبط ما فعلته فيما يتعلق بالمجاعة لمعالجة فجوة الحماية والتأكد من الدمار الشامل للمساكن في غزة، يمكن المحاكمة عليه".

وأضاف أنه على "أساس الحقائق والتصريحات التي أدلى بها القادة الإسرائيليون، فإنه يعتقد أن الغرض من الدمار بهذا الحجم لم يكن مجرد القضاء على حماس، بل جعل غزة غير صالحة للسكن".

دمار هائل

ووفق تحليل لصحيفة "وول ستريت جورنال"، ألحق القصف أضرارًا بالكنائس البيزنطية والمساجد القديمة والمصانع والمباني السكنية ومراكز التسوق والفنادق الفاخرة والمسارح والمدارس. والكثير من البنية التحتية للمياه والكهرباء والاتصالات والرعاية الصحية التي جعلت غزة تعمل، أصبحت غير قابلة للإصلاح. 

ومعظم مستشفيات القطاع البالغ عددها 36 مستشفيات مغلقة، ولا تقبل سوى ثمانية منها المرضى. وتم تدمير أشجار الحمضيات وبساتين الزيتون والدفيئات الزراعية، وتضرر أكثر من ثلثي مدارس غزة.

وويشبه الدمار في غزة، ما خلفه قصف الحلفاء للمدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية. وقال روبرت بيب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو ومؤلف كتاب "تاريخ القصف الجوي": "إن كلمة غزة سوف تدخل التاريخ مع مدينة دريسدن وغيرها من المدن الشهيرة التي تم قصفها. ما ترونه في غزة هو ضمن أعلى 25% من حملات العقاب الأكثر شدة في التاريخ".

ووفقًا لتحليل بيانات الأقمار الصناعية التي أجراها خبراء الاستشعار عن بعد، في جامعة مدينة نيويورك وجامعة ولاية أوريغون، فإن ما يصل إلى 80% من المباني في شمال غزة، حيث كان القصف أشد قسوة، قد تضررت أو دمرت، وهو ما يزيد بكثير عن الدمار في دريسدن الألمانية.

ويقدر هي ين، أستاذ الجغرافيا المساعد في جامعة ولاية كينت في ولاية أوهايو، أن 20% من الأراضي الزراعية في غزة قد تضررت أو دمرت. وقال إن القمح الشتوي الذي من المفترض أن ينبت الآن غير مرئي، مما يشير إلى أنه لم يكن مزروعًا.

وخلص تحليل أجراه البنك الدولي إلى أنه بحلول 12 كانون الأول/ديسمبر، دمرت الحرب الإسرائيلية على غزة أو عطلت 77% من المرافق الصحية، و72% من الخدمات البلدية مثل المتنزهات والمحاكم والمكتبات، و68% من البنية التحتية للاتصالات، و76% من المواقع التجارية، بما في ذلك دمار شبه كامل للمنطقة الصناعية في الشمال. 

يشير تقرير "هآرتس"، إلى أنه "ليس هناك نقص في الأدلة على ما يمكن اعتباره قتلًا للمنازل ارتكبته إسرائيل عمدًا، بما في ذلك التصريحات العلنية لشخصيات في الائتلاف الحاكم"

ووجد البنك الدولي أن أكثر من نصف الطرق قد تضررت أو دمرت. وتضرر نحو 342 مدرسة، بحسب الأمم المتحدة، بما في ذلك 70 مدرسة تابعة لها. 

وخلص تقييم أجراه مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكية إلى أن إسرائيل أسقطت 29 ألف قنبلة وقذيفة على غزة خلال ما يزيد قليلًا عن شهرين. وبالمقارنة، أسقط الجيش الأمريكي 3678 قنبلة وقذيفة على العراق في الفترة من 2004 إلى 2010، وفقا للقيادة المركزية الأمريكية.