مهما انقلبت البلاد ومهما انقلب الفساد سنبقى الجيل الأول الذي سيشهد على دمار الطبقة السياسية اللبنانية التي من الواضح أنها بدأت تتلاشى. ولو ببطء سلاحف العالم مجتمعةً، ولو بأقل النسب، لكن على الأقل مع كل يأسنا كلبنانيين فهذه الطبقة بدأت تظهر بأرقامٍ شعبية تصاعدية أنها بدأت تفشل من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها. بل أيضًا لم يعد هناك يمينًا أو يسارًا.
لا يمكننا التغاضي عن أن الحراك اللبناني، قام بتغيير ولو بسيط، وأنه أنتج عقليةً ستُتابع يومًا بعد يوم بدقة أكثر أعمال الفاسدين في الحكم
ومع تفتت الطبقة السياسية مارسنا كأفراد ومجموعات من الحراك الشعبي اللبناني أقصى وأشد أنواع التعذيب في قتل الشعلة التي لن يُعرف طريقها سيؤدي إلى أي جحيم أو أي جنة. الحراك الشعبي الذي أنتمي إليه بكل وضوح وبدون تفريق. أنتمي إلى كل مجموعاته ومطالبه. أنتمي إلى وحدته وقوته الشبابية. إن كان بالعنف، بالسلم، بالهروب أو بالمواجهة. لكن بالطبع لن أنتمي إلى انقسامه. وتلقائيًا سأتخلى عن كل ما ولده الحراك من انزواءٍ على أرصفة وسط البلد وترك الشوارع سالكةً للمواكب.
اقرأ/ي أيضًا: معركة الموصل..خلافات قبل أن تبدأ
بعضنا يعتبر أن الحراك بدأ مع أزمة النفايات والاحتجاجات في المناطق الأكثر تضررًا من المطامر غير الصحية من جهة، البعض الآخر يعتبر أن الحراك بدأ منذ بداية الربيع العربي وما زال يدعو منذ عام 2011 إلى وحدة ولحمة الصفوف المعتصمة ويختفي صوته تلقائيًا مع تبخر "الرفاق"، والبعض الذي يعتبر أن يوم 22 آب/أغسطس يوم مقدس، واليوم الأصدق حين قامت جميع فرق القوى الأمنية والجيش التي تحمي البرلمان اللبناني وما يحوطه من مراكز أمنية وحكومية بالاعتداء على المعتصمين ضربًا، بالرصاص الحيّ والمطاطي المباشر، بالغاز المسيّل للدموع، آليات الإطفاء والاعتقال العشوائي وغير الإنساني لكل من يُعتبر أمام وجه القانون الفاسد ناشطًا مدنيًا.
واليوم وبعد سنة، جميعنا ينتابنا حنين للعشوائية والأناركية في وسط بيروت. تتزايد الكراهية يوميًا مع تزايد الفساد كل ثانية. بعضنا يعيش على مجد يومٍ واحد خلال الحراك يعتبره البريق الأول لمحاسبة من يحكمنا أبديًا وينتظر ذكرى هذا اليوم ليعود إلى الشارع بلحظة رومانسية يتملق عناصر مكافحة الشغب ويتساءل إن كان العدد الذي سيقتحم معه السياج كافيًا لكسر خوف المواطن من السلطة.
اقرأ/ي أيضًا: سوريا..منبج في قبضة "قسد"
البعض المسالم يتفق مع العنيف بأن المطلب واحد وهو إسقاط النظام، لكن أيضًا المسالم له الحق في هذا الحراك بالتعبير عن الاستياء، ما سيدفع الطرف العنيف للانتقال إلى السخرية من غاندي وأتباعه الإنسانيين وبالطبع سيرشق بعض الحجارة وسيعود إلى المنزل وسيقول لنفسه: "يلعن أبو هالدنيا". وبمتابعة شؤون المناطق المتضررة التي تبدو أنها تأقلمت مع أزمة النفايات والحلول التي بدأت تبتكرها الدولة اللبنانية. لكن الاستنكار دائمًا موجود، ولا شيء غيره موجود.
لا يمكننا التغاضي بأن الحراك قام بنهضةٍ ولو بسيطة خلال أيامنا العصيبة. لا يمكن إنكار بأن الحراك أنتج عقليةً ستُتابع يومًا بعد يوم بدقة أكثر أعمال الفاسدين في الحكم، وستقوم مجموعات كـ "طلعت ريحتكم" و"بدنا نحاسب" بالكشف عن أي خللٍ تمارسه الطبقة الحاكمة، بغض النظر عن النيّات السياسية أو الأحلام السياسية أو الأهداف التي تحملها كل مجموعة.
سنتذكر بأن خلال الـ 2015 و2016 قامت مجموعات لتنظم نفسها وتستعيد السلطة للشعب كـ "بيروت مدينتي" وتأثيرها على البلديات اللبنانية التي شهدت بانتخاباتها هذه السنة نهضة للمستقلين والمجموعات التي تهدف للعمل البلدي والتغيير. ولو خسرت، فإن الفارق ولأول مرة أقرب للحقيقة.
اليوم بعد سنة من الحراك، ما هي نتائج الحراك؟ أين نحن اليوم في رحلة الموت البطيء؟ أخاف أن أصل إلى مرحلة من سبقونا وأردد القول لمن سيتولى الحياة بعدنا بأن لا أمل هذا الشعب وأننا حاولنا لكن الإجهاض كان أقوى.
اقرأ/ي أيضًا: