إنجاز الذكاء الاصطناعي لما يزيد عن خمسين كتابًا على موقع أمازون ولَّد لدي ككاتبة (حقيقية) ـ وهذا التعبير يعني نسخ روح الكاتب وطبعها في الكتاب بكل ما تحمله هذه الروح، نسخ التناقضات حوله، الألم الذي مر به، السعادة التي سيطرت حتى على أكثر من مجال جلوسه، الذكريات والمشاهد التي لم يستطع تجاوزها إلا بكتابتها مرة أخرى لأن هذا سيخفف من تداعياته النفسية، لحظات الفقد، الحب، الكره، الضياع، النجاح، العجز، السكينة، الأمان، الحرية... كل ما لا تشعر به آلة أو أداه ولن تشعر به في أحد الأيام ـ شعورًا بأني قديمة جدًا، أرفض الحداثة، أبعدها عني بشكل يدعو للضحك والاستهزاء، وأظن أن هذا هو الهدف المقصود وراء اللجوء إليه.
الأمر يشبه الفرق بين الصناعة اليدوية والصناعة الآلية، الأولى صعبة ومجهدة والثانية حديثة وقليلة الجهد ودقيقة ولا تأخذ أكثر من ثلاث ثوان لإتمام فكرة واحدة. وإذا ما نظرنا إلى أسلوبه في الكتابة فهو متقن لكل أدوات الكتابة؛ الموضوع، التسلسل، الشخصيات، الأدلة، المكان، الزمان، كل شيء، أسلوب دارج ومنتشر في الكتب العادية (تحت تصنيف الإبداع) والتي تأخذ رواجًا لسبب غريب.
السباق دائم تجاه الحداثة، وهذا هو الهدف الذي يسعى إليه الكتّاب الحقيقيون، تحديث الأسلوب ولكن ليس الاستغناء عن المؤلف مقابل وسيلة أحدث
الإبداع هو النقطة الأبرز والمفقودة عند الذكاء الاصطناعي، فبالنسبة للكتابة الإبداعية من شعر، قصة، رواية.. فبالتأكيد سيحد من عقل المتلقي لأنه سيضع خياله في حدود معينة لن يجرؤ على أن يتخطاها. وإذا ما نظرنا إلى مفهوم الإبداع فالإبداع لغةً هو الاختراع والابتكار على غير مثال سابقه، أو إنتاج شيء جديد لم يكن موجودًا من قبل على هذه الصورة، أما اصطلاحًا (بتعريف الموسوعة البريطانية) فهو القدرة على إيجاد حلول لمشكلة أو أداة جديدة أو أسلوب جديد، أو هو أن ترى ما لا يراه الآخرون. وبالنظر إلى الجزء الأخير من التعريف يستطيع الكتاب الحقيقيون الجزم بعدم قدرة الذكاء الاصطناعي على ذلك.
السباق دائم تجاه الحداثة، وهذا هو الهدف الذي يسعى إليه الكتّاب الحقيقيون، تحديث الأسلوب ولكن ليس الاستغناء عن المؤلف مقابل وسيلة أحدث، فإبداع الكتّاب الملهمين السابقين قد وصل إلى أتمه، لهذا أصبحنا نتأثر بهم ونستنجد بأسمائهم، أولئك الذين لم يواجهوا احتمال استبدالهم، لعدم إدراج وسائل لذلك، فنحن الآن نوقف مقارنةَ عصرنا بعصرهم طوعًا.
العالم اليوم مأخوذ بالسرعة والترفيه، وأخذ المعلومات السريعة بوسائل مرئية أو وسائل مسموعة للاستغناء عن الورق بقدر المستطاع، وإرجاع الأفكار المهمة إلى الوراء إن أمكن، فهناك تطبيقات استقطبت العامة وحتى بعضًا من الجمهور المهم مثل تيك توك وقنوات اليوتيوب ذات المحتوى الترفيهي، حيث أصبح الناس بحاجة إلى شيء مضحك مسل سهل في الجانب الكبير المتعب الشاق نفسيًا وجسديًا الذي يستهلكونه خلال يومهم، وبلا أدنى شك سيقف منتَجُ الذكاء الاصطناعي بجانب ما سبق مؤثرًا، وسقفًا لا يقدر قراؤه على تخطيه إلى تطويرٍ أو منافسةٍ أو قدرةٍ على طرح رأي مغاير.
لذا أرى بشكل جليِّ الهدف الأبرز لنشر ذلك الكم من الكتب المنجزة عن طريق الذكاء الاصطناعي هو توليد ذلك الشعور بالقدم لدى الكاتب، وتقليل دوره وأهميته، خاصة في الوقت الذي تراجعت فيه أهمية الكتاب الورقي وتراجع بيعه في التزايد الكبير لعملية النشر، وذلك يؤيده نشر المحتوى الإعلامي السخيف محاذيًا له مؤديان كلاهما إلى نتيجة واحدة.