بينما بدأت أصوات فلسطينية جديدة بالمطالبة بتمكين حل الدولة الواحدة من جديد، لكن بصيغة مختلفة أكثر وأميل إلى الواقعية السياسية منها إلى الحل النهائي الذي يضمن حياة ديمقراطية ومتساوية للجميع، كانت فكرة حل الدولة الواحدة تسقط في الجهة المقابلة، حتى من خطاب المعارضة الإسرائيلية، مقابل التركيز على حل الدولتين.
هناك صياغة جديدة لنموذج الدولة الواحدة، من جانب واحد، بدأت تتبلور في السنوات الأخيرة داخل بعض الأوساط اليمينية، تعتمد بشكل أساسي على الضم، باعتباره "حلًا إسرائيليًا"
في مقابل ذلك، فإن، هناك صياغة جديدة لنموذج الدولة الواحدة، من جانب واحد، بدأت تتبلور في السنوات الأخيرة داخل بعض الأوساط اليمينية، تعتمد بشكل أساسي على الضم، باعتباره "حلًا إسرائيليًا". يتبنى هذا الطرح مجموعة من المعايير التي يسعى من خلالها كما يقول القائمون عليه، إلى المحافظة على دولة ديمقراطية ويهودية آمنة في نفس الوقت.
تمثل الصحفية والمدونة اليمينية المعروفة، كارولين غليك، أبرز الدعاة لهذا التيار، من خلال المساهمات العديدة لها في الصحف والمدونات اليمينية، وكذا في كتابها الصادر عام 2014، بالإنجليزية تحت عنوان "الحل الإسرائيلي: خطة الدولة الواحدة من أجل السلام في الشرق الأوسط" (The Israeli Solution: A One-State Plan for Peace in the Middle East)، وبالعبرية تحت عنوان "الضم الآن" في نوع من المعارضة لفكرة "السلام الآن".
يأتي كتاب كارولين غليك، في سياق متواصل من المناظرات الإسرائيلية المستمرة عن ضم الضفة الغربية أو الانسحاب منها، وهو بالتالي جزء من النقاش العام عن الحلول المقترحة أمام الصراع العربي الإسرائيلي، وحول "جدوى" حل الدولتين بشكل أكثر تحديدًا.
تركز مساهمة كارولين غليك مثلها مثل معظم المساهمات في طرفي هذا النقاش، على النجاعة الأمنية لهذه الحلول، وعلى قدرتها على الحد من المخاطر الوجودية التي تهدد بقاء إسرائيل، كدولة يهودية وديمقراطية في نفس الوقت.
اقرأ/ي أيضًا: هل بدأت إسرائيل بتحضير بديل للسلطة الفلسطينية؟
تنتقد كارولين غليك باستغراق، ما تقول إنه هوس أمريكي وغربي بحل الدولتين، باعتباره نموذجًا يمكن أن ينهي الصراع العربي الإسرائيلي إلى الأبد، وهو ما تحاول طوال الكتاب نفيه من خلال عدة محاور.
أولًا: إن إعطاء دولة للفلسطينيين، هو الأخطر على الإطلاق على إسرائيل، لأن الفلسطينيين، مع تاريخ طويل من معاداة السامية كما تقول، سيصبحون أكثر قدرة على تهديد أمن إسرائيل، وتستشهد كارولين غليك بالنموذج الفاشل أمنيًا للانسحاب من غزة، الذي لم ينه التهديدات الأمنية القادمة من هناك. في المقابل فإن إعطاء دولة مستقلة، سيفتح الطريق أمام عودة عدد هائل من اللاجئين الفلسطينيين، الذين سيرجحون الكفة الديمغرافية لصالح الفلسطينيين، وسيضاعف خطورتهم.
ثانيًا: إن التوجه نحول حل الدولتين، بالنسبة لكارولين غليك، يعتمد بالأساس على "أسطورة" القنبلة الديمغرافية، التي ينظّر لها اليسار الإسرائيلي، ويصدقها الغرب. تقول هذه الفكرة، إن إسرائيل في حال لم تنسحب من الضفة الغربية، وفي حال اتخذت أي خطوة نحو الضم، فإنها ستواجه حقيقة لا مفر منها، وهي أن الفلسطينيين سيصبحون أغلبية داخل حدود فلسطين التاريخية. وبالتالي فإنه لن يعود بإمكان إسرائيل أن تكون دولة يهودية وديمقراطية في آن، لأنها إما ستخسر الأغلبية، أو أنها ستضطر لمنع الفلسطينيين الذين سيتم ضمهم من التصويت.
في محاولة للرد على هذا الادعاء، تورد كارولين غليك مجموعة من الادعاءات:
- تستخدم فرضية "فجوة المليون" الشهيرة، التي تقول إن مركز الإحصاء الفلسطيني يتعمد إضافة أكثر من مليون شخص فلسطيني، من خلال نتائج الإحصاء التي ينشرها، لأنه يقوم بعد سكان القدس مرتين (يعدهم مرة ثم يضيف عدد فلسطينيي الداخل من الإحصاء الإسرائيلي، الذين يتضمنون أصلًا سكان القدس)، وكذلك يستثني الهجرة العكسية، ويستمر في إحصاء السكان الفلسطينيين الذين غادروا من البلاد، وكذلك في عد أبنائهم. وبالتالي، تجادل كارولين غليك استنادًا على هذه الفرضية، بالإضافة إلى استعراض زيادة الخصوبة اليهودية في السنوات الأخيرة، أن العرب لن يصبحوا أغلبية أبدًا، وبالتالي فإنه لا يوجد أي قنبلة ديمغرافية موقوتة، وليست هناك حاجة لحل الدولتين.
- إن العرب معجبون بإسرائيل، لأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وبالتالي فإنهم يرغبون بالعيش فيها، تحت أوضاع اقتصادية وحقوقية أفضل من أي مواطن في دولة عربية محيطة، بما في ذلك السلطة الفلسطينية. وتدعي كارولين غليك بكثير من الغرابة ومن دون أي أدلة، أن معظم الفلسطينيين سيختارون العيش في إسرائيل، حتى من دون مواطنة كاملة.
- لا يعني ضم الضفة الغربية، إعطاء حق التصويت الفوري للعرب، حيث إن هناك عدة شروط من أجل الحصول على الجنسية الإسرائيلية، منها أن الشخص لم يكن منتميًا في أي وقت من حياته لأي "جهة إرهابية"، وأنه لا يحمل أي أفكار عدائية ضد إسرائيل، مع مجموعة من الشروط الصارمة الأخرى، التي تضمن "مواطنًا إسرائيليًا صالحًا"، ليس عنده أي تطلعات قومية.
في مقابل هذا النموذج، تقترح كارولين غليك فكرة الدولة الواحدة من طرف واحد، بمعنى الدولة الواحدة التي تقوم على ضم الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وإنهاء السلطة الفلسطينية، مع أقلية عربية "صالحة" تحمل ولاءً كاملًا لإسرائيل، ومجموعات من "غير الصالحين" الذين لن يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية، أي حل للدولة الواحدة من دون فلسطينيين.
اقرأ/ي أيضًا: وحش الكثافة السكانية.. عقدة آباء "الدولة اليهودية" وأبنائها
يعتمد كتاب كارولين غليك بشكل أساسي على طرح "المجموعة الأمريكية اليهودية للأبحاث الديموغرافية" التي يقودها الدبلوماسي الإسرائيلي المثير للجدل، يورام إيتنغر، والتي لا تضم أي متخصص في الديمغرافيا، فيما تصدّر نتائج يوتوبية للجمهور الإسرائيلي تطمئنهم أنه لا يوجد أي شك في بقاء اليهود كأغلبية حتى بعد الضم، على النقيض مما يقوله الديمغرافيون الإسرائيليون المعروفون، مثل أرنون سوفير، وسيرجيو ديلا فيرغولا. وعلى أية حال، فإن هذه المجموعة قائمة على نزعة أيديولوجية مسبقة مناصرة للضم، وينتمي مؤسسوها إلى الأوساط الداعية للاستيطان و"فرض السيادة" على الضفة الغربية.
تقترح غليك فكرة الدولة الواحدة من طرف واحد، أي الدولة التي تقوم على ضم الضفة الغربية، وإنهاء السلطة الفلسطينية، مع أقلية عربية "صالحة" تحمل ولاءً كاملًا لإسرائيل
كما يحتوي كتاب كارولين غليك على كثير من التناقضات، والرؤى التوراتية للصراع العربي الإسرائيلي، ورغم أن المؤلفة تدعي، من دون أي دليل، أن معظم الفلسطينيين معجبون بإسرائيل ويريدون العيش فيها، فإنها لا تنفك تؤكد في أكثر من موضع في الكتاب، أنهم يظهرون عداء واضحًا للسامية. كما أنها تتبنى خطاب الاشتكاء التقليدي في أوساط اليمين الإسرائيلي، للقول إن السياسات الأمريكية تعادي كل ما هو إسرائيلي.
يجسد الكتاب تبلور صيغة جديدة حول الدولة الواحدة في الأوساط اليمينية الإسرائيلية، ليست إلا تغطية لصيغة للضم والاستيطان، بهيئة حل إسرائيلي لا رأي للفلسطينيين فيه، ولا وجود لهم كمجموعة قومية، داخله.
اقرأ/ي أيضًا: