14-ديسمبر-2018

اللأنشطة البشرية مسؤولة بنسبة 95% عن التغير المناخي (SF)

في السلسلة الشهيرة "Game of Thrones"، يوشك الشتاء الطويل وما يجلبه من "السائرين البيض" أن يقضي على العالم. لكن في الواقع، الصيف الطويل وتبعاته هو الخطر المحدق حقيقة، والذي قد يضع نهاية لعالمنا البشري، إذ يؤكد الباحثون أن حرارة كوكب الأرض آخذة في الارتفاع، بسبب الغازات الدفيئة التي تنتجها الأنشطة البشرية، وهو ما يهدد غذاء وسلام العالم إذا لم يتم خفض هذه الانبعاثات قريبًا.

منذ أواخر القرن الـ19، أي منذ فجر الثورة الصناعية، وإلى اليوم، ارتفع متوسط درجة حرارة الأرض بدرجة مئوية تقريبًا

وكما حدث مع الممالك السبعة، لا يبدو حتى الآن أن دول العالم متحدة بما فيه الكفاية لمواجهة الصيف القادم، منشغلين بحساباتهم الاقتصادية والسياسية بدلًا من تقديم مصلحة العالم.

اقرأ/ي أيضًا: سياسات المناخ الأمريكية.. أبعد من الدبلوماسية أقرب إلى الحرب

لكن، ما هي قصة التغير المناخي؟ وكيف يمكن أن يهدد استقرار الكوكب؟ وما هي الجهود المبذولة دوليًا لمواجهته؟ وأخيرًا، ما موقع الدول العربية من كل هذا؟

1. ماهو التغير المناخي؟

يُستخدم مصطلح "تغير المناخ" لوصف الاحتباس الحراري والتأثيرات المرتبطة به على مناخ الأرض. ويعتقد العلماء أن هذا الاحترار العالمي سيتفاقم أكثر في المستقبل، خاصة إذا استمر البشر في إضافة غازات دفيئة إلى الغلاف الجوي.

وتغير درجة حرارة كوكبنا ليس حدثًا جديدًا، إذ عرفت الأرض تغيرات مناخية على مر ملايين السنين، لكن هذه المرة الأمر مختلف، أولًا لأننا نحن البشر نسكنها ولا نريد أن تنتهي حقبتنا مبكرًا، وثانيًا لأن هذا التغير المناخي يسير على نحو أسرع أكثر من أي حقبة أخرى، حيث ارتفع متوسط ​​درجة الحرارة لمناخ الأرض منذ أواخر القرن الـ19، أي منذ فجر الثورة الصناعية، إلى اليوم بدرجة مئوية تقريبًا.

على مدى العقدين الأخيرين، وثّق العلماء بشكل جيد هذا التغير في مستوى درجة حرارة الأرض، إلى الحد الذي يجعلهم يصرحون بثقة: "التغير المناخي حقيقة لا لبس فيها".

ولعل أكبر دليل على صحة التغير المناخي هو قيام وكالات بحثية مختلفة، متواجدة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، بتحليل بيانات درجة الحرارة التاريخية بشكل مستقل، ووصلت جميعها إلى نفس النتيجة: "لقد ارتفع معدل ​​درجة حرارة سطح الأرض على الأقل بـ 0.8 خلال القرن المنصرم".

كما لاحظ العلماء أيضًا أن الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية في جميع أنحاء العالم بدأت تذوب، وتوسعت رقعة المياه وارتفعت مستويات البحار، والنباتات باتت تزهر في وقت أبكر لأوانها في أجزاء كثيرة من العالم. مثلما رصدت الأقمار الاصطناعية ارتفاع رطوبة الغلاف الجوي وحرارته. هذه كلها إشارات تدل على أن الأرض تزداد احترارًا.

وأقرت الأمم المتحدة بدورها بارتفاع درجة حرارة الأرض. وأصدرت تقريرًا في عام 2013 يفصل هذا التغير المناخي الحاصل اعتمادًا على 800 دراسة بحثية قام بها الخبراء.

ويفيد التقرير الأممي بأن درجات الحرارة قد ترتفع بحلول خاتمة القرن الجاري على الأقل بدرجتين مئويتين، وربما بأربع درجات مئوية أو أكثر. ويعتبر معظم الخبراء أنه إذا ارتفعت حرارة الأرض فوق درجتين مئويتين، فإن ذلك سيشكل خطرًا وجوديًا على البشر.

2. هل البشر مسؤولون عن هذا التغير المناخي؟

مثل المحققين الذين يربطون جريمة قتل بقاتل ما، استقصى الخبراء مدى ارتباط ارتفاع حرارة الكوكب بأفعال البشر، ووجدوا بصمات الإنسان واضحة في هذا التغير المناخي، حيث يقول علماء المناخ إن التأثير البشري مسؤول بشكل رئيسي في ارتفاع درجة حرارة الأرض بنسبة 95%، في الحقبة الأخيرة التي تبدأ من عام 1950.

وتشير الأدلة إلى أن هذا الاحترار العالمي ناجم عن زيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، إذ ارتفع ثاني أكسيد الكربون بنسبة %45 والميثان بأكثر من %200. وتقوم هذه الغازات بدور مهم في الحفاظ على حرارة الكوكب، حيث تمنع الحرارة من الهروب بسرعة إلى الفضاء، غير أن ارتفاع تركيزها بشكل كبير في الغلاف الجوي يؤدي إلى حبس مزيد من الحرارة، مما يسخن الكوكب أكثر .

وجاءت هذه الزيادة في الغازات الدفيئة نتيجة الأنشطة البشرية الصناعية مثل حرق النفط والغاز والفحم. فعندما نحرق الفحم أو الزيت للحصول على الطاقة، أو نضحي بغابات واسعة، نضيف مباشرة المزيد من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.

ومن المؤكد أن مناخ الأرض يمكن أن يتذبذب من سنة إلى أخرى بسبب قوى طبيعية، مثل البراكين والإشعاعات الشمسية، ولكن وفق حسابات المختصين، كل ذلك ليس كافيًا لإحداث التغير المناخي الحاصل، ولذلك هناك إجماع بين علماء المناخ حول العالم، بأن غازات الاحتباس الحراري هي التي تقود المسار التصاعدي لحرارة الكوكب.

3. هل للتغير المناخي مخاطر على حياتنا؟

يمكن أن يؤثر الاحترار العالمي على كل شيء؛ من قدرتنا على الزراعة إلى انتشار الكوارث الطبيعية، حيث تعتمد المخاطر المترتبة على مقدار ارتفاع درجة حرارة الكوكب، الذي بدوره يعتمد على مدى مسؤولية البشر ونجاحهم في التعامل مع هذه المشكلة المناخية.

التغير المناخي
الإنسان مسؤول عن التغير المناخي بنسبة 95%

وهذه قائمة للآثار التي يتوقع أن تحدث مستقبلًا، وبعضها قد بدأ يحدث فعلًا، بحسب فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بقضية التغير المناخي:

  • موجات الحرارة: سيعرف الكوكب مزيدًا من موجات الحر، وبالفعل بدأت تضرب في السنين الأخيرة مناطق غير معهودة في أوروبا وآسيا.
  • العواصف والفيضانات: في حال ارتفاع درجة حرارة الأرض أكثر من اللازم، يصبح الغلاف الجوي العالمي أكثر رطوبة، فتزداد الأعاصير والفيضانات. ومع ارتفاع حرارة المحيطات وذوبان جليد القطب الشمالي، من المرجح، بحسب التقرير الأممي، أن تزداد قوة الأعاصير الاستوائية وتشتد الأمطار الغزيرة. ربما ما حدث العام الماضي من أعاصير مطرية مدمرة، والتي ضربت منطقة الكارايبي وأمريكا الشمالية، هو فقط مقدمة أولية لما يمكن أن يحدث.
  • الزراعة: يتوقع أن يؤدي مزيج الحرارة المرتفعة والجفاف إلى زيادة صعوبة إنتاج الغذاء في بقاع كثيرة من العالم.
  • الانقراض: مع ارتفاع درجة حرارة العالم، ستحتاج العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية إلى التكيف السريع مع الظروف المناخية المتغيرة، بعض الأنواع سوف تكون قادرة على المواكبة وأخرى لن تستطيع؛ على سبيل المثال تم ربط العديد من حالات الانقراض الأخيرة بالاحترار العالمي، منها أنواع معينة من الضفادع في أمريكا الوسطى.

وفي المجمل، يقول الخبراء الدوليون إنه "إذا ارتفعت درجات الحرارة بأربع درجات مئوية -وهو أمر ممكن بعد سبعة عقود إذا استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الارتفاع بمعدلها الحالي-  فإنه يمكن أن يؤدي ذلك إلى انقراض الأنواع الكبيرة، وتهديد الأمن الغذائي العالمي والإقليمي، بالإضافة إلى كوارث طبيعية غير مسبوقة".

وفي ظل هذا الوضع يحذر البنك الدولي في تقرير له، قائلًا: "ليس هناك أي يقين من أن التكيف مع عالم أربع درجات مئوية، أمر ممكن"، مضيفًا: "ببساطة يجب ألا نسمح بارتفاع درجة الحرارة إلى هذا القدر".

4. ما طبيعة الجهود الدولية المبذولة للحد من التغير المناخي؟

بما أن الغازات الدفيئة هي المسؤولة عن الاحتباس الحراري، فإن الحل الواضح لمعالجة مشكلة التغير المناخي هو خفض انبعاث تلك الغازات، غير أن المشكلة لا تكمن في إيجاد الحل بل في التطبيق.

يتطلب تجنب الاحترار العالمي الشديد إجراء إصلاح شامل لنظام الطاقة الذي يستخدمه البشر حاليًا، حيث يعتمد العالم على الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم، بأكثر من %80 من طاقة العالم.

ولتخفيض الانبعاثات، ينبغي استبدال تلك النسبة بمصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية. بل قد يتطلب الأمر حظر السيارات غير الكهربائية، وابتكار تقنيات متطورة لسحب الغازات الدفيئة مباشرة من الهواء. لكن هذه المهمة تعترضها عقبات تكنولوجية وسياسية واقتصادية هائلة تقف في الطريق.

مع ذلك ثمة جهود دولية مبذولة لمعالجة مشكلة التغير المناخي، أبرزها اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، التي وضعت هدفًا عالميًا يتمثل في التزام الدول المصادقة على الاتفاقية، بالعمل جاهدة على عدم تجاوز ارتفاع حرارة اٍلأرض بأكثر من درجتين مئويتين بحلول نهاية هذا القرن. حينئذ بدت هذه التعهدات من وجهة نظر بعض النقاد منخفضة القيمة للغاية، وقد لا تحدث فرقًا، ولكنها كانت نقطة بداية جيدة.

التغير المناخي
يعرف العالم انقسامًا حول كيفية التعامل مع التغير المناخي، خاصة بعد انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ

اليوم، وبعد مرور قرابة ثلاث سنوات على اتفاقية باريس، يبدو العالم منقسمًا، فهناك دول، بما فيها الأرجنتين وكندا وشيلي والهند بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، تسير في الاتجاه الصحيح نحو خفض الانبعاثات، وبعض الدول مثل النرويج وكوستاريكا تحرز تقدمًا ملحوظًا في استخدام الطاقة النظيفة في وسائل النقل.

في الجهة الأخرى، هناك دول لا تبدو مكترثة بمشكلة التغير المناخي التي تهدد العالم، مثل الصين التي سجلت لديها ارتفاعًا جديدًا هذا العام في انبعاثات الكربون، وكذلك أستراليا والبرازيل وإندونيسيا وروسيا والإمارات العربية المتحدة، فهذه الدول لم تحقق أي تقدم.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فباتت غير معنية بهذه القضية العالمية، وذلك منذ أن أعلن دونالد ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية باريس التي صادق عليها الرئيس السابق باراك أوباما.

5. لماذا البلدان العربية هي أول الدول المعنية بقضية التغير المناخي؟

رغم أن قضية التغير المناخي تكاد لا يظهر لها أثرا ضمن اهتمامات الرأي العام العربي والمجتمعات العربية، إلا أن المنطقة العربية بالتحديد ومعها دول أفريقيا الأفقر، هي الأكثر عرضة لتبعات مشكلة الاحترار العالمي الآخذة في التفاقم.

وأحد المخاطر التي يجلبها التغير المناخي هو تهديد الأمن الغذائي، إذ تشير العديد من الدراسات إلى أن الزراعة ستصبح أكثر صعوبة إذا ما ارتفعت درجة حرارة الأرض بثلاث درجات مئوية أو أربع درجات، حتى أن بلدانًا مثل ومصر والمغرب وأجزاءً كبيرة من أفريقيا، يمكن أن تفقد مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة.

وتقول بعض الدراسات، إن ارتفاع درجة الحرارة فقط بدرجة أو درجتين مئويتين، وهي نسبة متوقعة بحلول عام 2030، يمكن أن تضر بشكل كبير بمحاصيل القمح والذرة والأرز، وهي مواد تعتمد عليها الكثير من البلدان العربية في تأمين غذائها، بينما في المقابل قد تستفيد من ارتفاع الحرارة بعض المناطق الباردة بأوروبا وأمريكا الشمالية في نشاطها الزراعي.

القطاع الزراعي ليس الحقل الوحيد الذي سيتلقى الضرر من تبعات التغير المناخي، هناك أيضًا ترقب المزيد من الأعاصير والفيضانات المدمرة، ولأن البلدان الفقيرة هي أهداف هشّة للكوارث الطبيعية عمومًا، فإنها ستتلقى خسائر أكبر في الأرواح، بخلاف البلدان الغنية التي لها أنظمة طوارئ مجهزة لهكذا كوارث.

من جهة ثانية، لا تبدو سياسات محاربة التغير المناخي في صالح البلدان العربية، إذ إن اقتصادات بعضها يقوم أساسًا على البترول، مثل الجزائر ودول الخليج، فيما أخرى هي بحاجة ماسة للوقود الأحفوري لتنمية اقتصاداتها الهزيلة لكونه أرخص حتى الساعة، وبالتالي فإن التحول إلى الطاقات المتجددة يمكن أن يدمر اقتصادات بأكملها، فيما قد يفرمل عجلة نمو الاقتصاد عند بلدان أخرى.

التغير المناخي
الدول العربية هي الأكثر تضررًا من التغير المناخي، والأكثر تضررًا من سياسات الحد منه!

لذا يرى العديد أن هناك عدم مساوات فيما يتعلق بالانبعاثات العالمية، إذ قامت الدول الغنية بحرق كميات هائلة من الوقود الأحفوري بلا هوادة لبناء اقتصاداتها طوال القرن الماضي، إلى أن وصلت إلى ما عليه اليوم. ويجري الآن توجيه اللوم للبلدان الفقيرة التي تسعى إلى تنمية اقتصاداتها بسبب استخدامها نفس الطريق.

ولتصحيح هذا التباين، اقترحت قمة باريس إنشاء صندوق أخضر للمناخ، من المفترض بموجبه أن تبدأ الدول الغنية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بإرسال 100 مليار دولار سنويًا من المساعدات إلى الدول الفقيرة بحلول عام 2020، مقابل التزام هذه الأخيرة بسياسات محاربة التغير المناخي. لكن لا يبدو أن هذه الخطة تسير كما يجب بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية.

المنطقة العربية بالتحديد ومعها دول أفريقيا الأفقر، هي الأكثر عرضة لتبعات مشكلة الاحترار العالمي الآخذة في التفاقم

في كل الأحوال، يبدو أن المنطقة العربية وأفريقيا، هي الخاسر الأكثر من معضلة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، فإذا استمرت درجة حرارة الأرض بالارتفاع، فإنها ستكون أول من يتلقى ضربات تبعات التغير المناخي المدمرة، وإذا ما تمسّك العالم بسياسات محاربة الاحترار العالمي من خلال نهج الطاقات المتجددة، فإن اقتصاداتها ستتعرض لكثير من الضرر وربما يتعرض بعضها للانهيار.

لكن الأسوأ من ذلك كله هو أن قضية التغير المناخي لا تلقى أي اهتمام في الساحة العربية، سياسيًا وإعلاميًا واجتماعيًا، ولا توجد أي خطة لحل هذه المعضلة عربيًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد الفقر والحروب.. الاحتباس الحراري سبب آخر للهجرة من الشرق الأوسط

التبريد والترطيب.. حقوق أساسية للإنسان في ظل التغير المناخي