تعمل جميع فرق الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" حاليًا بكامل طاقاتها لإنقاذ ما يمكن، جراء الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري وجنوب تركيا، والذي راح ضحيته الآلاف من القتلى والجرحى، ولكن المهمة شاقة، وسط الظروف الصعبة وشح الموارد وقلة المعدات، في منطقة تعاني من انهيار في النظام الصحي، وقلة المستشفيات أو خروجها عن الخدمة جراء استهداف النظام وحليفته روسيا على مدى السنوات الماضية للبنية التحتية في الشمال السوري.
تعمل جميع فرق الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" حاليًا بكامل طاقاتها لإنقاذ ما يمكن، جراء الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري وجنوب تركيا
وفي تقرير لوكالة "الصحافة الفرنسية"، يسلط الضوء على جهود "الخوذ البيضاء" في عمليات الإنقاذ بعد الزلزال المدمر، حيث تقود عمليات الإنقاذ بلا كلل، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ويشير التقرير إلى أن المنظمة التي تشكلت بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وذلك بعد تخلي منظمات الإغاثة عن مهامها في إسعاف الجرحى، اكتسبت خبرةً على مدى كل تلك السنوات، من خلال عملها في مناطق سيطرة فصائل الثورة في الشمال السوري.
بدأت "الخوذ البيضاء" عملها في العام 2013، وذلك من خلال فرق تطوعي. ومنذ 2014 باتوا يعرفون باسم "الخوذ البيضاء" نسبةً إلى الخوذ التي يضعونها على رؤوسهم، وتعرّف "العالم عليهم بعدما تصدرت صورهم وسائل الإعلام وهم يبحثون بين الأنقاض عن أشخاص عالقين تحت ركام الأبنية، أو يحملون أطفالًا تغطيهم الدماء إلى المشافي، خلال المعارك والهجمات العسكرية التي طالت مناطق سيطرة الفصائل المعارضة".
وتضم "الخوذ البيضاء" الناشطة في المناطق المحررة بشمال وشمال غربي سوريا حاليًا 3300 متطوع، معظمهم من الرجال، لكن بينهم أيضًا نساء يشاركن في عمليات الإنقاذ، وينتمون إلى مشارب مختلفة، ويخاطرون بحياتهم لمساعدة طالبي المساعدة.
ووفق أحد المتحدثين باسم "الخوذ البيضاء"، خسرت المنظمة أربعةً من أعضائها، جراء عمليات الإنقاذ الحالية التي تلت وقوع الزلزال، كما سجلت المنظمة منذ انطلاقتها، مقتل 300 متطوع خلال سنوات الحرب التي شنها النظام ضد شعبه.
وأنقذ أعضاء المنظمة منذ العام 2013، الآلاف من المدنيين من تحت ركام منازلهم التي دمرتها الغارات أو من على خطوط التماس. وبحسب تقرير وكالة الصحافة الفرنسية، فقد تلقت المنظمة خلال سنوات عملها تمويلًا من عدد من الدول، كما تصلها تبرعات فردية لشراء المعدات والتجهيزات.
وتتخذ المنظمة شعارًا لها "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" المقتبسة من الآية القرآنية "منْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".
ومنذ وقوع الزلزال فجر الإثنين، انتشر أعضاء المنظمة التطوعية بمناطق الشمال السوري، خاصةً في المنطقة التي ضربها الزلزال على الحدود مع تركيا، ويعمل أعضائها بلا توقف، وبما يتوفر لديهم من معدات، وبمؤازرة من السكان، ويستخدمون المعاول وحتى الأواني المنزلية.
ولا تتوافر في المنطقة التي تعتمد بشكل أساسي على المساعدات، إمكانيات للاستجابة السريعة لأضرار الزلزال، مما يؤخر عمليات البحث عن ناجين، بحسب ما تقول الوكالة.
وقد دمر الزلزال وفق حصيلة أولية أكثر من 400 مبنى بشكلٍ كلي وأكثر من 1300 بشكلٍ جزئي، كما تسبب بمقتل أكثر من 1500 شخص في الشمال السوري، من أصل أكثر من 2800 في عموم سوريا، وفق آخر حصيلة غير نهائية.
وقالت وكالة "الصحافة الفرنسية" إنها مراسليها شاهدوا خلال أيام الزلزال، مئات المتطوعين يبحثون في محافظتي إدلب شمال غرب، وحلب عن ناجين تحت أنقاض أبنية انهارت كليًا أو جزئيًا، ويسعفون الجرحى وينقلون حتى الموتى من المستشفيات إلى المقابر.
وانتشرت صور ومقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي توثق عمل المتطوعين، وفي أحد المقاطع يحمل عناصر من "الخوذ البيضاء" طفلين، ويحيط بهم العشرات وهم يحتفلون بإخراجهم أحياءً من تحت الركام.
وتمت الإشادة بعمل وشجاعة عناصر "الخوذ البيضاء" على المستوى الدولي، ففي عام 2016 تم ترشيح منظمة "الخوذ البيضاء" لنيل جائزة نوبل للسلام، وحصلت في العام ذاته على جائزة المنظمة السويدية الخاصة "Right Livelihood" السنوية لحقوق الإنسان، التي تُعد بمثابة "نوبل بديلة"، وقد أشادت "بشجاعة متطوعي المنظمة الاستثنائية وتعاطفهم والتزامهم الإنساني لإنقاذ المدنيين من الدمار الذي تسببه الحرب".
وفي شباط/فبراير 2017 نال فيلم وثائقي يتحدث عن عمل منظمة "الخوذ البيضاء" الإنساني، وجهود أعضائها لمساعدة المدنيين في المناطق التي تتعرض لهجمات النظام، وعرضته شبكة نتفليكس، على جائزة "الأوسكار" عن أفضل فيلم وثائقي قصير.
لا تتوافر في المنطقة التي تعتمد بشكل أساسي على المساعدات، إمكانيات للاستجابة السريعة لأضرار الزلزال، مما يؤخر عمليات البحث عن ناجين
وتعرف منظمة "الخوذ البيضاء" عن نفسها بأنها "منظمة حيادية وغير منحازة، ولا تتعهد بالولاء لأي حزب أو جماعة سياسية"، وتعمل في مناطق سيطرة المعارضة لأنها ممنوعة من العمل في مناطق سيطرة النظام السوري، وذلك كما جاء في الموقع الرسمي لفرق الدفاع المدني "الخوذ البيضاء" على شبكة الإنترنت.