تولد المسلسلات مساحات كُبرى من المضامين الفنية واللغوية والاجتماعية في خلفية الوعي. وفي عصر "الميم" الفني الساخر والمزج بين الفنون، واستحضار الجُمل وتأطيرها في مواقف قد تبدو بلا رابط واحد معين، فإن يد السيطرة السياسية امتدت للتسلط على الدراما في كثير من الأحيان، تماشيًا مع توجه معين أو ضده.
امتدت يد السيطرة السياسية والأيديولوجية للتسلط على الدراما التلفزيونية العربية في كثير من الأحيان، تماشيًا مع توجه معين أو ضده
البداية في الإذاعة
لفترة طويلة ظلت المسلسلات موجهة للأسرة، وتستهدف أساسًا ربات البيوت، وأطلق عليها في الولايات المتحدة "Soap Opera". وكانت البداية بطبيعة الحال من الراديو.
اقرأ/ي أيضًا: صناعة "الدراما" في سوريا لصمود النظام
وكلمة "Soap" الواردة في هذا المصطلح، وجدت من ارتباط رعاية هذه المسلسلات الدرامية بشكل مباشر من قبل شركات الصابون في الولايات المتحدة.
أول مسلسل من عروض "Soap Opera"، كان مسلسل "Painted Dreams"، الذي عُرض لأول مرة عام 1930 على محطة إذاعة شيكاغو. ولظروف توقيت عرض المسلسل الإذاعي إبان النهار، كان الجمهور الأهم له هو ربات البيوت
اعتمدت هذه المسلسلات، مثل نظيرتها العربية تمامًا، على الطبيعة التسلسلية الجذابة للسرد، مع وعد بأن تستمر بقية الحلقات في الموعد التالي لها غدًا. وتتطلب اقتصاديات هذه الحلقات مشاهد طويلة ومحادثات شيقة، والكثير من الشخصيات الثانوية.
الدراما التلفزيونية والسياسة عربيًا
كان أول إنتاج درامي تلفزيوني عربي في مصر، وهو مسلسل "هارب من الأيام "، والذي على التلفزيون المصري عام 1962. جذب المسلسل الجميع، فكانت الشوارع تخلو على عروشها أثناء عرضه.
ولا تنتهي فرادة هذا المسلسل عند كونه أول مسلسل دراما تلفزيوني عربي، ولكن لما فيه من إسقاط سياسي، حتى أن كاتب السيناريو، فيصل ندا، قبض عليه في واقعة رواها بنفسه، حين تم احتجازه 48 ساعة، وكان ضباط أمن الدولة يتهمونه بأنه يقصد بأحد أبطال مسلسله (كمال الطبال) الإسقاط على جمال عبدالناصر.
وبعد مرور سنوات طويل، لم تعد المسلسلات التليفزيونية ساحة مفتوحة للمعارك الأيديولوجية فقط، وإنما كذلك ساحة مزدحمة بالمنافسة حول فرض الرؤى السياسية الرسمية، وتشويه الخصوم السياسيين، والكثير من تمجيد الحكام.
على سبيل المثلا لا الحصر، كانت حالة الدعاية الرسمية الدولتية في مصر ضد الخصوم السياسيين، شديدة الفجاجة في مسلسل "الجماعة"، كما كان نفس الحال في الأجزاء الأخيرة من مسلسل "باب الحارة" السوري.
ويمكن أيضًا رصد حالة من حالات التبشير بتوريث الحكم كما هو الحال في مسلسل "الملك فاروق" الذي كتبته لميس جابر أو مسلسل "يوميات مدير عام" الذي ظهر الجزء الثاني منه مع بداية الثورة السورية، وفيه بدت رؤية مخرج العمل ومؤلفه، تكرس للوم الشعب مع تمجيد في الزعيم المصلح!
وهناك أيضا مسلسلات روجت لفكرة "الممانعة" التي تبناها النظام السوري كخطاب تقليدي وتبريري لفترة طويلة، حيث خرجت من حيز الزمان والمكان لتركز على فكرة الاعتماد على الذات في مشهد يغيب فيه الأخوة، مثل مسلسل "الجوارح".
السيطرة على الدراما
ومع صعود نجم المال الخليجي في سماء الأسواق العربية، بدأت بعض الدول الخليجية بتمويل إنتاج مسلسلات تروج لأيديولوجيات معينة، عرفت مصر العديد منها.
وفي السنوات الأخيرة، عقب ثورات الربيع العربي، والعداء الذي كنته دول خليجية على رأسها الإمارات للثورات من جهة والإسلام السياسي من أخرى، أنتجت مسلسل "خيانة وطن" الذي لم يختلف كثيرًا عن نظيره "الجماعة".
كما أنتجت السعودية مسلسل "غرابيب سود" ليتناول ظهور داعش بفقر معرفي وسطحية وخلط كبير، ما رآه البعض انعكاسًا لعقلية النظام السعودي المتناقضة، التي تدعي محاربة التطرف، في حين أنها كانت مفرخة أيديولوجية التطرف الأولى: الوهابية.
وفي مصر مرة أخرى، فبعد أن كانت صناعة الدراما من أكثر الصناعات زخمًا في المنطقة، وكانت الاستوديوهات تزدحم قبيل رمضان لإنتاج ما يزيد عن 30 مسلسلًا تليفزيونيًا، فجأة توقف كل هذا الإنتاج الضخم.
مع صعود نجم المال الخليجي في الأسواق العربية بدأت بعض دول الخليج بتمويل إنتاج مسلسلات تروج لأيديولوجيات معينة
بدأ الأمر بتوجيهات تنظيمية رقابية على محتوى المسلسلات، قبل أن يتحول إلى نزوع سياسي خفي للسيطرة على المحتوى التلفزيوني في مصر، ولم تكن الدراما بعيدة عن ذلك أبدًا، بالسيطرة شبه التامة لشركة واحدة، على معظم القنوات التلفزيونية المصرية، وهي شركة إعلام المصريين التي عُين المنتج تامر مرسي رئيسًا لمجلس إدارتها. ومن جهة أخرى، توسعت شركة توسعت شركة سينرجي، التي يملكها مرسي، في إنتاج المسلسلات الدرامية، بشكل أقرب للاحتكار!
اقرأ/ي أيضًا: