مثل أي مدينة تاريخية ومزدحمة لم تخل دمشق من بيوت الدعارة ومرتاديها، وكانت هذه الأماكن تعمل سراً لأن العاصمة بالرغم من انفتاحها إلا أنها مدينة شرقية محافظة، ولم تجعل منها، رغم ما يدعيه النظام من انفتاح، تقبل بعلانية مهنة كهذه.
لا يعاقب القانون السوري الرجل في حال ضبط مع فتاة دفع مالاً لممارسة الجنس معها، بل تعاقب الفتاة فقط وهو ما يعتبر غير عادل
المكان الأكثر شهرة في هذا السياق كان ساحة المرجة والتي أعدم فيها جمال باشا السفاح عام 1915 أحرار سوريا شنقاً بتهمة التعاون مع الفرنسيين، وأعدم فيها الفرنسيون من ثار ضدهم بين عامي 1925- 1927، وبالرغم مما لهذه الساحة من مكانة لدى عموم السوريين إلا أن الفنادق التي تضمها كانت تعمل بالدعارة الرخيصة الثمن، وكان منادي الداعرات والقوادون يهمسون للمارة: (استراحة يا أستاذ) وهي عبارة السر التي تعني دعوة للدخول.
أما البيوت الرسمية فكانت تدار بمعرفة أجهزة الأمن وشرطة الآداب، وهذا ما كان يعرفه عامة السوريين، وعندما يغضب هؤلاء على العاملين فيها يتم سحبهم من مخادعهم بالجملة ثم يطلق سراحهم بتعهدات بعدم المزاولة وإعادة دفع مستحقات أقسام مكافحة الدعارة.
أما قانونًا فقد أصدر الرئيس جمال عبد الناصر القانون رقم 10 للقطرين سوريا ومصر زمن الوحدة 1958 الذي نص على إغلاق كلّ دور الدعارة التي كانت مرخّصة في السابق.
اقرأ/ي أيضًا: شبكة "شي موريس": الاتجار بالنساء في لبنان الفاسد
الدعارة في القانون السوري
محامون سوريون يعتبرون نص القانون المتعلق بالدعارة نصًا مخجلًا إنسانياً فممارسة فعل الدعارة يعدّ جنحة حسب القانون، لكنّ الغريب أنه لا يعاقب الرجل بأيّ عقوبة في حال ضبط مع فتاة دفع مالاً لممارسة الجنس معها، بل تعاقب الفتاة فقط.
في النص القانوني أيضاً أن عقوبة تسهيل الدعارة هي الحبس حتى ثلاث سنوات، ويُحكم بإغلاق المكان الذي تمارس فيه الدعارة، ومصادرة الأمتعة والأثاث الموجود فيه، وفي حال قام من يسهّل الدعارة بإكراه وإجبار الفتاة على الدعارة تكون العقوبة الحبس حتى خمس سنوات، وفي حال استخدم "مسهل الدعارة" فتاة قاصراً عمرها دون السادسة عشرة، تشدّد عقوبته وتصل حتى سبع سنوات.
أما حكم من تمارس الدعارة كمهنة وتعتاد عليها وتضبط أكثر من مرة فعقوبتها الحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات، وأغلب المحاكم تأخذ بالحد الأدنى للعقوبة وهو ثلاثة أشهر.
وقبل 2011، شكلت لجان قانونية لتحضير قانون يصنف العاملات في الدعارة على أنهن ضحايا، وعدم معاقبتهن، أيضاً وضع عقوبات صارمة على الاتجار بالبشر وتجارة الجنس، وحظي حينها بموافقة من أعضاء مجلس الشعب وشيوخ الدين، وكان العمل بهذا القانون جدياً نتيجة لتفشي الدعارة ومن أجل تقنينها ومحاربتها بشكل علمي وجدي ودراسة أسبابها التي كان من أهمها الفقر، وانتشار السياحة الجنسية حيث تم إغلاق 36 منشأة تروج للدعارة تحت يافطة السياحة.
دعارة الريف
أيضاً الريف السوري ريف محافظ، وهكذا أفعال قد تؤدي إلى القتل حيث هنا يحكم قانون العرف والثأر والدين، والقصاص من الطرفين، وبيوت الدعارة في الريف معزولة ومحاربة، والمرأة التي تعمل بالدعارة منبوذة ويحذر منها أهل المنطقة وحتى يبلغون بذلك زوارهم، ولكنها أيضاً محمية بالفاسدين وهم من رجال الشرطة، والزبائن المدعومين إما بسلطة مادية أو سياسية.
الحرب.. تضرمها
انتشرت في مناطق سيطرة النظام الدعارة بقوة السلاح ومورست القوة بحق المهجرات والهاربات من مناطق النزاع لإجبارهن على الدعارة
أشعلت الحرب في سوريا النار وكافة أشكال الموبقات، وأصبحت السرقة والقتل فعلاً يومياً لم يعتد عليه السوريون، وانتشرت العصابات بكافة أنواعها في كافة المناطق سواء الخاضعة للمعارضة أو النظام.
لكن أفظع أشكال الجريمة هي ما يجري في مناطق سيطرة النظام حيث انتشرت الدعارة بقوة السلاح، ومورست القوة بحق المهجّرات والهاربات من مناطق النزاع لإجبارهن على ممارسة الدعارة أو استخدامها للاعتراف بأماكن تواجد أزواجهن وأبنائهن.
الشكل الأشد خطورة كان تسهيل الدعارة لهن حيث لا عمل يعيل الأسر التي هاجرت نتيجة القصف، واضطرت الكثيرات من الفتيات اللواتي قتلت أسرهن وبتنّ وحيدات للعمل في الدعارة، وبعضهن تعرضن للاغتصاب في أماكن عدة خلال هروبهن من مكان لآخر.
اقرأ/ي أيضًا: القاهرة بلا "هوستلز".. منع لأسباب جنسية!
الجنس والحرب
بعد الفقر جاءت الحرب لتوسع من شريحة العاملين في المهنة التي لا تحتاج إلا إلى جسد جميل وحاجة عمياء وزبون هائج، وهذا ما وفرته الحرب السورية بكثرة، وتبلورت صور جديدة عن الدعارة في مناطق خارج سيطرة النظام تحت مسميات شرعية وإنسانية، ولكن لا أرقام توثق حجم الكارثة، وفي منشور منسوب لمحمد نضال الشعار، وزير الاقتصاد الأسبق، عن وجود أكثر من 55 ألف شقة تحتضن مهنة الدعارة في سوريا.
لكن يبدو أن مفرزات الحرب جعلت من هذا الرقم يبدو هزيلاً فالدعارة تمارس في البيوت المخصصة لها وفي الفنادق والبيوت المهدمة وحواجز العسكر وكل مكان يتسع لجسدين، وهذا يعني أننا أمام كارثة إنسانية واجتماعية ليس لها مثيل في التاريخ السوري على الأخص.
اقرأ/ي أيضًا: