جلس الدكتاتور الأرعن على سريره في المساء، ينظر إلى القمر متعجبًا كيف يراه الناس منيرًا أكثر من وجهه الجميل. يحب نفسه كثيرًا، ويعرف أن الجميع يحبونه، كان فخورًا مختالًا، ضعيف البنية رقيق الصوت، تحبه النساء ويحبهن ولذلك يشبههن كثيرًا، كان يعتمد عليه رئيس البلاد من أجل قمع المعارضين وحماية العرش.
كان يرى في نفسه وفي مساعديه المنقذين للبلاد، هم ومؤيديهم الوطنيون الوحيدون، وما دونهم خونة وعملاء
رئيس البلاد كان ضعيفًا لا يخشاه أحد، لذلك وقف ضده الدكتاتور ومساعديه دون أن يشعر، وبدأوا في وضع الخطط لإفشال حكمه، احتشدت الجماهير في الشوارع معلنة رفضها للرئيس الضعيف المرتعش الغبي، وجدها الدكتاتور ومساعديه فرصة مناسبة لتنفيذ الخطة المرسومة، فاجتمع مع المساعدين وأخذ رأيهم، وخرج من حجرة الاجتماع معلنًا قراره على الشعب: انقلاب.. انقلاب.
كان للرئيس الضعيف أتباعًا يرفضون الانقلاب، فاحتشدوا في أحد الميادين وأعلنوا الاعتصام، ظلوا هكذا لفترة، ولم يصل الدكتاتور معهم إلى حل يرضيهم، فخرج على الشعب يرجوه: تفويض.. تفويض.
نزل الكثيرين إلى الشوارع يفوضونه لمحاربة العنف المحتمل، وبعد مرور الوقت ازدادت الجرائم، وتحول العنف المحتمل إلى عنف مؤكد وإرهاب يطوف البلاد، وفشل الدكتاتور الأرعن في التصدي له، ازدادت الأمور سوءًا عما كانت فيه، ودخلت البلاد في دوامة عنف وانحدرت في هاوية ليس لها آخر، جن جنون الدكتاتور وأصدر أوامره بالقبض على كل معارض وكل مشتبه به، فحبس الشباب والنساء والكبار والصغار والأطفال والعجائز في قفص حديدي ضيق، وأمر حراسه بجلدهم بالكرابيج.
كان يرى في نفسه وفي مساعديه المنقذين للبلاد، هم ومؤيدوهم الوطنيون الوحيدون، وما دونهم خونة وعملاء يستحقون القتل أو السجن أو الاعتقال أو التعذيب أو الاختفاء القسري. كان يؤمن كامل الإيمان بأهمية ما يفعله. كان غبيًا كفاية ليصدق تقارير الأمن وكلام المعاونين، وتصفيق المؤيدين الذين يخسر جزءًا منهم يومًا تلو الآخر. لكنه رغم غبائه الشديد يخشى الله كثيرًا، يمكنك أن تلمس هذا الإيمان من حديثه، لذلك قام بتعيين رجال دين يفصلون له الدين على مقاسه تمامًا، يحللون له ما حرم الله، ويباركون قتل النفس البشرية بغير الحق.
أغلق أذنيه عن سمع معاناة الناس، لم يسمع صراخ الجماهير، ولكنه يسمع إطراءات الجرائد والمذيعين
أعماه الله عن رؤية الكوارث الحاصلة في عهده، وأغلق أذنيه عن سمع معاناة الناس، لم يسمع صراخ الجماهير، ولكنه يسمع إطراءات الجرائد والمذيعين، لم يعاقب من وضعوه في هذه الورطة، الذين خدعوا الشعب بإنجازات ومشاريع وطنية وهمية مكاسبها سريعة، بل عاقب من كذّبوهم. وفي يوم من الأيام ألقى عليه أحد الصحفيين بلوم شديد واتهمه بالسبب في العديد من الكوارث التي تحدث في البلاد، فما كان منه إلا التهديد بالشكوى إلى الشعب، فهو لم يأتِ إلى كرسي العرش لكي يتعذب ويؤنب ضميره على التقصير، ولا يعرف كيف ينام الليل، بل جاء لكي يستريح.
ظل الوضع هكذا حتى لم يعد محتمًلا، استشاط الناس غضبًا لشدة ما تعرضوا له من ظلم وتعذيب، لم يعد لديهم ما يخسرونه، كسروا خوفهم من الدكتاتور الأبله وقراراته الصارمة، فنزلوا إلى الشوارع من جديد ينددون بحكمه، فاستيقظ الأرعن من مرقده على صوت الجماهير الغاضبة المحتشدة أمام قصره الرئاسي وهي تهتف بالرحيل، لم يصدق ما يسمعه، ولم يجد رجاله من حوله، لقد هرب الجميع بعد أن خرج الأمر عن السيطرة تمامًا، أخذ يكسّر ما يجده في غرفته غضبًا ثم خرج من الغرفة بملابس نومه الداخلية وقد جن جنونه، وصاح في كل الموجودين من أهل بيته: "مايصحش كده.. مايصحش كده".
ثم خرج إلى الجماهير الذين استقبلوه بالشتائم والسباب وصرخ فيهم لائمًا: "انتوا بتعذبوني عشان جيت وقفت هنا.. مايصحش كده.. مايصحش كده"، فرددت الجماهير خلفه: "مايصحش كده".
اقرأ/ي أيضًا: