تستطيع أن تغمض عينيك عن القباحات لكن هذا لا ينفي وجودها، ومن هذه زيارة وفد من الكتاب الفلسطينيين، ليس بينهم كاتب كبير فعلًا، إلى دمشق ولقاؤهم مع السيدة نجاح العطار نائبة الرئيس. ثمة فضيلة مستترة هنا لا بأس من الإشارة إليها، فالسيدة على قيد الحياة وما زالت في منصبها، وهي كسيدها تحتاج إلى ذخيرة ما لتؤكد أن "الدولة" ما زالت تعمل على النسق ذاته الذي أرساه الأب حافظ الأسد، وذروة عملها كالعادة استقبال الوفود التي تبايع أو تنشد الحكمة، وكانت زيارة الروائي رشاد أبو شاور ووليد أبو بكر ومراد السوداني وخالد أبو خالد فرصة للسيدة نجاح العطار لتعرف وتتيقن بأن نظامها يقف سدًا منيعًا في وجه الظلام والظلاميين، وأنه ما زال عنوانًا للممانعة!
تمت زيارة وفد اتحاد الكتاب بينما يقوم النظام الذي يدافع عنه هؤلاء بقصف وحشي لمدينة حلب، دمر خلاله مستشفيات وقتل أطباء وأطفالًا
كان يمكن لزيارة هؤلاء أن تمر بأكلاف قليلة وتنديد أقل لولا أن زوار دمشق ومصافحي نائبة الجزار الصغير رأوْا في التنديد بزيارتهم أمرًا يستحق التنديد في المقابل، وبدلًا من الشعور بالذنب أو الخجل انبرى هؤلاء للتعريض بمنتقدي زيارتهم، ولهم في هذا مناصرون مثل الشاعر محمد لافي الذي أصبح متفرّغًا للردح في آخر سنوات عمره بعد أن فشل في تطوير نفسه شعريًا أو حتى تهذيب خطابه أخلاقيًا.
اقرأ/ي أيضًا: أبو شاور وأبو خالد.. في القصر الجمهوري
وفي كل الأحوال فإن لنا ملاحظات سريعة على الزيارة/العار: أولًا: أنها تمت بينما يقوم النظام الذي يدافع عنه هؤلاء بقصف وحشي لمدينة حلب، دمر خلاله مستشفيات وقتل أطباء وأطفالًا ومدنيين على مرأى من العالم كله، وتحديدًا الولايات المتحدة التي لم تَر في الأمر ما يستحق إقامة مناطق آمنة.
ثانيًا: قام السادة وبعض مناصريهم بتبرير الزيارة/العار بالقول إن هدفها توحيد الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين، ولا أعرف شخصيًا ما هي أهمية هذا الاتحاد وماذا يفعل، ولماذا يجب على من يريد توحيده في الوطن والشتات أن يزور دمشق ويلتقي بالقتلة فيها ليحظى بمباركتهم؟! وإذا افترضنا جدلًا أن الزيارة منفصلة عن أي مواقف سياسية للوفد تأييدًا للنظام أو معارضة له، فإننا نكون هنا أمام كتٌاب بضمير مثقوب وسيكولوجيا معطوبة ومشوّهة، وإلا فلماذا لم نسمع منهم كلمة واحدة عن الحريات السياسية في سوريا كي لا نقول الحق في الحياة لنحو نصف مليون سوري قُتلوا على أيدي نظامهم مثلًا؟!! ولماذا لم يزر هؤلاء حلب على سبيل التضامن الإنساني إذا افترضنا أن ما يقوله مناصرو هؤلاء صحيحًا، وأن المعارضة الظلامية هي من يقصف المدينة ويقتل سكانها؟!! هذا كله لم يحدث كما لم نسمع كلمة من هؤلاء عن مخيم اليرموك ولا الكتاب الفلسطينيين الذين قتلهم النظام أو اعتقلهم، والأهم من هذا وذاك أنهم يا رعاك الله لم يقولوا لنا هل توحد الاتحاد أم ما زال مشرذمًا؟!!
لماذا يجب على من يريد توحيد اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الوطن والشتات أن يزور دمشق ويلتقي بالقتلة فيها ليحظى بمباركتهم؟!
اقرأ/ي أيضًا: حلب.. مدينةُ الألم
ثالثًا: الزيارة كشفت عما هو أسوأ وهو البذاءة، كأن من الشروط اللازمة لتأييد الدكتاتوريات أن يكون الشخص بذيئًا، وأن يحتكر توزيع شهادات الوطنية والخيانة على الآخرين، وهو ما قرأناه على صفحة وليد أبو بكر مثلاً، ومن يقرأ تعليقاته يظن أننا أمام منظر عظيم في الأدب مثل باختين أو كاتب في سوية ومكانة ألبير كامي أو سارتر، فالرجل يغمز من قناة الكاتب موسى برهومة، ويتحدث بازدراء عن القاص سليم البيك ويقول إن مجموعته القصصية لم تحظ سوى بجملة واحدة منه ذهبت مثلًا، وهي أن هذا "صبي، يقصد سليم البيك، يمارس العادة السرية كتابةً"، إلخ إلخ من بذاءات يبدو أنها أصبحت سمة عامة، وهذا أمر حسن في المناسبة، لمناصري الأسد والمدافعين عن قتله لشعبه.
أما السيد محمد لافي فقد شب عن كل طوق وأفلت من كل عقال وهو يتلو علينا معزوفة الممانعة وحلف الأشرار والظلاميين ممن يقبضون من السعودية الوهابية وقطر وتركيا ويروجون للديموقراطية القادمة على ظهر الدبابة الأمريكية.
ليتك صمتّ يا رجل، فلا داعي لقصة الأمريكيين والمقاومة بينما أنت تعرف أن أوباما لا يرغب بإطلاق رصاصة واحدة على نظام تروِّج لضرورة بقائه إسرائيل قبل غيرها، ليتك صمتّ والعار يجللك ويكللك أنت وصحبك ممن فاتهم القطار حقًا، فلا إبداعًا عظيمًا تركتم وراءكم، ولا مواقف مشرّفة يُعتّد بها، بل المزيد من الزحف الذي أودى بكم إلى حفرة كريهة لا قرار لها، اسمها العار يا سيد، يا ممانع!!!
اقرأ/ي أيضًا: