المكان، السعوديّة، الرياض تحديدًا، شارع الأمير سعود بن محمّد بن مقرن. الصورة التي تشكّلت لديك الآن عزيزي القارئ هي ربّما عمارة إسمنتيّة شاهقة، بعض مطاعم المندي، مقهى ستاربكس، بعض العمال الأجانب، جامع أو مصلّى ربّما.
حرص "مقهى الرّاوي" على أن تخلو كتبه من عناوين تثير حساسيّات سياسيّة، رغم ذلك صادرتها السلطات
لكن أن تجد مكانًا مناسبًا للقراءة في الرياض، هذا شيءٌ جديد. هل حصل ذلك؟ نعم، قبل عدّة أشهر. مبادرة شبابيّة محلّية فكّرت بافتتاح مقهى لطيف هادئ خالٍ من التدخين ومليء بالكتب. عدة آلاف من الكتب القيّمة النوعيّة. وصار المقهى خلال فترة وجيزة مكانًا مفضّلًا لمحبّي القراءة وطلبة الجامعات والباحثين وبعض الكتّاب الذين يبحثون عن بيئة ملهمة للكتابة أو القراءة مع شيءٍ من القهوة العربيّة والتمر الفاخر. صارَ المكان في المساء يعجّ بالقرّاء.
اقرأ/ي أيضًا: مكتبات الآخرين
المهمّ أنّ المشروع كان واعدًا وناجحًا، فيه الكثير من الطاقة، شيء من روح جديدة مرتبطة بالكتاب والورق. كان بداية تشكّل مظهر ثقافيّ إيجابيّ في مدينة مسلّحة بالإسمنت والبترول ومقاهي الشيشة. حرص القائمون على المشروع على أن تخلو الكتب الموجودة في المقهى من أي عناوين تثير حساسيّات سياسيّة تزعج أولي الأمر في البلاد، واتبعوا سياسة شراء عنوان واحد فقط من كلّ كتاب، كي يتمكّن الزائر من الاطّلاع على ما يريد أثناء مكثه في المقهى، ولم تكن الكتب متاحة لا للشراء ولا للإعارة حتّى. والمقهى، مع كل الكتب التي يحويها، مكان يبعث في زائره روح الجمال. فالتصميم والإضاءة وتوزيع الكتب وطريقة عرضها جعلته مأوى لمن يرغب في استقاء شيء من الجمال ويقصد الاسترواح من ضغوط المدينة وتلوثها القبيح.
لكنّ وزارة الثقافة في المملكة تبدو أنّها "صاحية" لأي محاولة ثقافيّة جادّة خارجة عن إطار "المطوّعين"، وتهدّد قيم "أهل السنّة والجماعة". فالكتب التي يحويها المقهى غير "مفسوحة" حسب تصريح من الناطق الرسميّ باسم الوزارة السيّد هاني الغفيلي. وقد أشار الغفيلي في تصريحه إلى أنّ الوزارة قد أخطرت القائمين على المقهى بضرورة استصدار ترخيص مكتبة وفق اللوائح والقوانين المعمول بها في الوزارة.
وأشار السيد خالد القديمي، مالك المقهى، لوسائل إعلام محلّية أنّ المقهى لا يحتاج إلى ترخيصه كمكتبة، ذلك أنّ الكتب الموجودة فيه ليست للإعارة ولا للبيع، وأنّه قد تمّ توضيح ذلك للوزارة غيرَ مرّة، ولا سيّما حين طلبت لجنة من أصحاب المقهى مراجعة الوزارة قبل قرابة خمسة أشهر لتصحيح وضعها القانونيّ. وأضاف أنّ جميع الكتب في المقهى قد تمّ شراؤها من داخل المملكة ومن معارض الكتب التي تقام على أرضها.
وزارة الثقافة في السعودية "صاحية" لأي محاولة ثقافيّة جادّة خارجة عن إطار "المطوّعين"
لكن يبدو أنّ الوزارة ترغب في استباق الأمور، من باب سدّ الذرائع على الثقافة، فأقدمت على مصادرة كافّة الكتب الموجودة في المقهى، دون تقديم أيّ وثيقة قانونيّة تأمر بذلك صراحة. وقد أثار هذا الإجراء حفيظة العديد من المثقفين في السعوديّة وبعض الشخصيّات الإعلاميّة والحقوقيّة داخل المملكة وخارجها، وعبّروا عن رفضهم لإغلاق مقهى الراوي الذي بات يعدّ رغم حداثة إنشائه متنفّسًا ثقافيًّا غير تقليديّ في العاصمة الرّياض. فقد قالت الأستاذة صبرية جوهر من جامعة الملك سعود بن عبد العزيز "إنّ ما حصل محيّر حقًّا، حين يقوم ممثّلون عن وزارة الثقافة والإعلام بمصادرة موادّ للقراءة بحجّة أنّها غير مناسبة للمجتمع السعوديّ". كما طالب مغرّدون في تويتر الوزارة بالعودة عن هذا الإجراء وإعادة الكتب للمقهى، ودعا آخرون إلى التضامن مع رسالة المقهى عبر زيارته وإحضار المزيد من الكتب إليه.
اقرأ/ي أيضًا: