تقول الحقيقة العلمية إنّ الذي يمارس العادة السرّية يفقد من الطاقة ما يكفيه لأن يمشي ستة وعشرين كيلومترًا! هناك شباب جزائريون يمشون حوالي 100 كيلومتر في اليوم. طبعًا من غير أن أن يغادروا أسرّتهم أو مراحيضهم، وهم بهذا طاقات مهدورة. لماذا ننتبه إلى الطاقات التي خسرناها بالهجرة، ولا نفعل مع الطاقات التي بيننا؟ فلا الإمام في المسجد، والمعلّم في المدرسة، والموظّف في المؤسسات الثقافية والشبابية، ولا الإعلامي في وسائل الإعلام، ولا الإداري في الإدارات المختلفة، ولا السياسي المتموقع في السلطة أو المعارضة، يقدّم خارطة طريق للشاب تمكّنه من أن يتجاوز فخاخ واقعه.
المنظومتان الدينية والاجتماعية عندنا تقتاتان على ثقافة المنع، مع الاستمتاع بزرع حقل الحياة بألغام الحرمان
ماذا تورث العادة السرّية الدّائمة والفوضوية؟ لنستمع إلى رأي الخبراء قليلًا. فقد أوغلنا في الاحتفاء بالفقهاء على حساب الخبراء، حتى بات الرّاقي والعشّاب أكثر سلطةً، في الفضاء الجزائري، من الطبيب والنفساني: تضعف الذاكرة. ألم تلاحظوا أن عبارة "والله نسيت" باتت تتردّد على ألسنة الشباب أكثر من ألسنة المسنّين؟! تزرع الوهن في المفاصل. ألم تلاحظوا أن القفّة الجزائرية يحملها الشيوخ والنساء لا الشباب؟! تعكّر المزاج. ألم يعد التبرّم من الواقع وجبةً يوميةً للشّاب الجزائري؟ تعزّز الرّغبة في العزلة. كم طرفًا معنيًا انتبه إلى معنى كلمة "خلوي"، من الخلوة والاختلاء والخلاء، لدى شبابنا، بكلّ ما يرافقها من طقوس وأغانٍ خلوية؟
اقرأ/ي أيضًا: رسالة إلى الإمام الجزائري
لماذا كلّ هذا؟ لأن المنظومتين الدينية والاجتماعية عندنا تقتاتان على ثقافة المنع، حتى في الحلال دينيًا والمسموح به قانونيًا، مستمتعتين بزرع حقل الحياة بألغام الحرمان. فهما تحثّان على الزواج، لكنّهما لا تتحرّكان لتخفيض المهور، وإلغاء ما لا لزوم له من مظاهر الاحتفال باسم التظاهر. إذ بات الزواج المبكّر من العادات النادرة، وارتفعت عتبته إلى سنّ الخامسة والثلاثين. لقد سمعت شابًّا يقول إن تكاليف الزواج تساوي تكاليف إقامة مشروع تجاري يعفي صاحبه من الحاجة طوال حياته.
يرى جزائريون أن ثقافة التحريم سيطرت على مجتمعهم وهي التي فخخت بها السلفية الوهابية الشارع العربي في العقود الثلاثة الأخيرة
وتحثّان على التسترّ، لكنهما لا توفّران شروطه. هل انتبهنا إلى أزمة "الدّيكي"، المكان الذي يختلي فيه الواحد من غير إزعاج أو مراقبة، التي بات يعانيها الشّاب الجزائري؟ هناك ثمار سيئة لهذا النوع من الأزمات في الأوساط الشبابية، فهل وضعنا واقيًا من الصّدمات لهذه الثمار؟
اقرأ/ي أيضًا: التلميذ الجزائري.. كل هذا العنف من أين؟
في المغرب وتونس، على سبيل المثال المجاور، يمكن للشابّ أن يستأجر شقّة أو أستوديو لساعتين أو أربع أو عشر أو ليلة واحدة، من غير أن يطلب منه غير بطاقته هو وحده. في الجزائر أدنى مجال زمني للإيجار ستة أشهر! أما الفنادق، فتفرض عليك أن تؤجّر غرفة لك وأخرى لصديقتك، علمًا أن معظمها يرفض حتى ذلك إذا رآك مصحوبًا بامرأة. فقد يبدي لك عون الاستقبال رفضه، ويده قابضة على عنق زجاجة النبيذ تحت الطاولة.
كنت أتمشّى مع صديقي المسرحي التونسي فارس العفيف في الجزائر العاصمة، فقال لي: "إني لاحظت أن الشباب يمشون وحدهم والفتيات وحدهنّ، ممّا يؤشّر على عوائق اجتماعية أفرزتها ثقافة التحريم، التي فخخت بها السلفية الوهابية الشارع العربي في العقود الثلاثة الأخيرة، وهو وضع يدلّ على أن العادة السرّية منتعشة عندكم". قلت: "إنك لاحظت ذلك في العاصمة، فكيف بالمدن الداخلية؟".
هنا يطرح هذا السّؤال نفسه: كيف نستطيع أن ننجز حضارة علنية، بجيل غارق في العادة السرّية؟
اقرأ/ي أيضًا:
من المسؤول عن هذا التسيّب الجزائري؟
الشباب الجزائري والانتخابات البلدية.. فرص مُعلقة أمام فقدان الجدوى