لم يعد فيسبوك تلك المنصة المفتوحة للتواصل الاجتماعي والتعبير عن الأفكار والآراء بحرية حقيقية، فلقد تضخّم بشكل مُخيف في حياتنا، وتحوّل بسرعة إلى السيطرة على مستخدميه، وإن بطريقةٍ غير مباشرة. في السطور التالية ترجمة بتصرف لمقال نشرته الغارديان عن الوجه الحقيقي لفيسبوك أو "الشرير الأزرق".
تشكل التحقيقات الأخيرة التي كشفت عن أن شركة "كامبريدج أناليتيكا" استغلت بيانات 50 مليون حساب بفيسبوك لاستهداف الناخبين الأمريكيين، مصدرًا للفزع بكل تأكيد. لكن شركة كامبريدج أناليتيكا، لا ينبغي أن تصرف أنظارنا عن الشرير الحقيقي في هذه القصة، وهو فيسبوك.
بعد أنّ بات فيسبوك يمتلك بيانات مفصلة عن ربع سكان العالم تقريبًا، يبدو أنه على الحكومات أن تكون جادةً بشأن تعاملها مع هذه المنصة
ورغم أنّ شركته مسؤولة عن تنظيم تدفق المعلومات إلى المليارات من البشر، والتشجيع على بعض العادات أو الآراء والأفكار أو السلع، ومراقبة تفاعلات الناس؛ يُدعى مارك زوكربرغ لإلقاء المحاضرات في أبرز الجامعات، دون أن يُعامل بالقدر الذي يستحقه من التشكك.
اقرأ/ي أيضًا: فضيحة كامبريدج أناليتيكا.. فيسبوك يضحي بخصوصية 57 مليار صداقة
وقد وصلنا في الوقت الحالي إلى المرحلة التي نشهد فيها امتلاك شركة خاصة غير مسؤولة، لبيانات مُفصَّلة لربع سكان العالم تقريبًا. ولطالما تجنب مارك زوكربيرغ وشركته تحمل أي مسؤولية من أي نوع، لذا يبدو أنه على الحكومات حول العالم، أن تكون أكثر جدية بشأن تعاملها مع فيسبوك.
وفي السنوات الأخيرة أُثير جدل حول ما إذا كان يجب تصنيف فيسبوك وتويتر على أنهما من منصات النشر، أم أنهما في حد ذاتهما ناشرين، إذ يُعامل فيسبوك ببساطة كما لو أنه وسيلة للنشر والحصول على المعلومات، وليس باعتباره ناشرًا، وعليه يُعتبر غير مسؤول عن المحتوى المنشور عليه.
وفي 2014، قال المتحدث باسم فيسبوك، إيان ماكينزي، إنّ "كل محتوى يُنشر على فيسبوك يحمل معه خيار (الإبلاغ عن المحتوى)، الذي يعني النقر عليه، تصعيد هذا المحتوى إلى فريق عمليات المستخدم من أجل مراجعته، إضافة إلى أن الأفراد قادرون على حظر أي شخص يضايقهم، ما يضمن أنهم لن يكونوا قادرين على التفاعل بعد الآن معًا. ويعالج فيسبوك مشكلة التصرفات الكيدية عبر مجموعة من الآليات الاجتماعية والحلول التكنولوجية الملائمة للفرص واسعة النطاق التي يتيحها الاتصال بالإنترنت".
مع ذلك، تُراوغ شركة فيسبوك بشأن الإفصاح عن عدد المنسقين الذين تستخدمهم، والطريقة التي يعملون بها، وكيفية اتخاذ القرارات، كما أنّها لا زالت تقاوم العديد من المحاولات التشريعية لتنظيم المحتوى على منصاتها.
هذا ويتم تحديد ما يمكن لمستخدمي فيسبوك أن يشاهدوه، عن طريق خوارزمية تتغير بدون أي استشارة، سواء من جانب الحكومة أو الشركات أو المواقع التي تعتمد على فيسبوك لتحقيق الأرباح أو الترويج لمحتواها، ما يعني أن بعضها من الممكن محوها بسرعة من خريطة المشاهدات.
وقد أشار موقع "ديجي داي" في تقرير له نُشر في شباط/فبراير الماضي، حول ما حدث مع موقع "ليتل ثينجز - LittleThings"، فالموقع الذي يبلغ من العمر أربعة أعوام، أُغلق بين عشية وضحاها بعد أن قرر فيسبوك أن منشورات المستخدمين تسبق في الأولوية محتوى الناشر. لتُفقد إثر ذلك آلافُ الوظائف.
لم يعد فيسبوك منصة مفتوحة للتواصل، وإنما شركة ضخمة متعددة الجنسيات، غير أن سلعها هي المستخدمين، الذين تبيعهم للمعلنين
وليس موقع "ليتل ثينجز" المثال الوحيد لما أدى إليه تغير الخوارزمية، ففي عام 2013، تسبب تغير إحدى الخوارزميات في خفض أعداد زيارات موقع "Upworthy" -يُقدم محتوى سريع الانتشار- إلى النصف. ولم يتمكن الموقع تجاوز ذلك حتى الآن.
اقرأ/ي أيضًا: هل يتجسس زوكربيرغ على هواتفنا ليعرف ما نريد؟ هذا رد فيسبوك
ويتمثل أثر هيمنة فيسبوك، في أنّ المنشورات عليه تسعى باستمرار لمجاراة إستراتيجياته المتغيّرة باستمرار. يقول نيك طومسون، رئيس تحرير "وايرد"، المدونة الصوتية لموقع "ديجي داي"، إن هناك مخاوف مستمرة من أن لدى فيسبوك آليات بإمكانه تشغيلها في أي وقت لإيقاف وسائل الإعلام التي تبدأ في الإنتشار على نطاق واسع".
وحدث الكثير بسبب "فقاعات الترشيح" التي يقدمها فيسبوك، فقد تعرضت للانتقاد كونها تقدم أولوية للمحتوى الذي يحظى بنسبة إعجاب أكبر من قبل المستخدمين، ما يعني قلة تعددية الأخبار والمحتوى الآخر ليقرأه المستخدمون، ولفشل تلك الفقاعات في اتخاذ إجراءات صارمة مع نشر الأخبار الكاذبة والوهمية. وفي هذا الصدد يُشار إلى الشكر الذي وجهه ماتيو سالفيني، نجم اليمين المتطرف الجديد في إيطاليا، لفيسبوك، بسبب "إسهامه في التأثير على نتائج الانتخابات الأخيرة" في بلاده.
وجدير بالذكر أن كل هذا يأتي من شركة دفعت في 2016 مبلغ 5.1 مليون جنيه إسترليني فقط، كضريبة شركات على عملياتها في بريطانيا، على الرغم من أن إيراداتها وأرباحها وصلت لأربعة أضعاف، على خلفية زيادة مبيعات الدعاية والإعلان.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2017، أعلنت شركة فيسبوك أنها ستبدأ في احتجاز أرباح الدعاية والإعلان في البلاد التي ربحتها فيها، بدلًا من تحويل مسارها عبر أيرلندا، ومع ذلك لا يُرجح أن تلك الخطوة قد تؤدي إلى دفع مزيد من الضرائب.
ماذا لو حاولنا التوقف عن استخدام فيسبوك؟
إذا حاولنا التوقف عن استخدام فيسبوك، فإن الأمر ليس بالسهولة التي نعتقدها. يقول روجر مكنامي، أحد المستثمرين السابقين في فيسبوك، إن الشركة تستخدم تقنيات كتلك المستخدمة في كازينوهات القمار لتعزيز الإدمان النفسي لدى مستخدمي فيسبوك.
ومن خلال استمرار إدماننا لارتياد الموقع، يتمكن فيسبوك من الإبقاء على كمية ضخمة من البيانات عنا بحوزته. وتعتبر المعلومات المشتقة من بيانات المستخدمين لفيسبوك مثيرة للدهشة والقلق أيضًا، فهي تمثل إعادة بناء لملفات شخصية لكل مستخدم، استنادًا إلى معلومات قد تبدو في ظاهرها غير مؤذية. يُوضح ولفي كريستل، مؤلف كتاب "شبكات التحكم - Networks of Control"، أن فيسبوك حصل على براءة اختراع عن آلية لتقسيم مستخدميه إلى فئات وطبقات اجتماعية، بناءً على أوقات وبيانات تنقل المستخدمين من خلال تطبيقات تحديد الموقع في الهواتف النقالة، وغيرها من البيانات!
وبالتوازي مع عملية جمع البيانات الضخمة عن المستخدمين، تسير عملية الاستحواذ على المنافسين. يقول نيك سرنيسك، مؤلف كتاب "Platform Capitalism"، إن "فيسبوك يتصرف مثل لعبة المونوبولي الكلاسيكية: فهو يشتري المنافسين مثل إنستغرام، ويقلد المنافسين مثل سناب شات، بل ويمتلك تطبيقه الخاص، وهو تطبيق Onavo، الذي يؤدي دوره عبر تحذيرهم من التهديدات المحتملة. يتم كل هذا بعملية خالية من أي ضوابط لجمع بياناتنا، التي تُستخدم لبناء خندق منيع حول تجارتها".
يستخدم فيسبوك تقنيات لتعزيز الإدمان النفسي لدى مستخدميه، كتلك المستخدمة في كازينوهات القمار، لذا من الصعب التوقف عن استخدامه
إذا حاولت شركة "إكسون موبيل" مثلًا، إقحام نفسها في كل عنصر من عناصر حياتنا بهذه الطريقة، فلربما ستكون هناك حركة شعبية منظمة للحد من تأثيرها، لذا ربما قد حان الوقت لبدء التعامل مع فيسبوك على الصورة الحقيقية التي عليها بأنها الشركة الضخمة متعددة الجنسيات، خاصةً وأنّ الأشخاص الذين يملكون حسابات على فيسبوك ليسوا زبائن للشركة، بل هم أنفسهم السلع التي تبيعها الشركة للمعلنين!
اقرأ/ي أيضًا: