"في حالة وصول عدد الإصابات بفيروس كورونا إلى 1000 حالة، سننتقل إلى السيناريو الأعنف، والذي يشمل إلى جانب حظر التجوال، عزل محافظات بعينها خاصة المحافظات التى تكثر بها معدلات الإصابة، ومن الممكن أن تضطر الحكومة إلى استخدام المدارس كمناطق عزل".
نحن دولة فقيرة، لا نمتلك إمكانيات صحية كبيرة، ليس بوسعنا توسيع دائرة الكشف والتحليل بدرجة كبيرة لأن مواردنا من الكواشف وأجهزة الـPCR محدودة، لا نملك الدخول في مواجهة مفتوحة مع الفيروس
هذا ما قاله أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام يوم 24 مارس الماضي، يومها كان إجمالي الإصابات بالفيروس 402 وإجمالي الوفيات 20. بعد هذا التصريح بعشرة أيام فقط وتحديدًا في الرابع من نيسان/أبريل تجاوزت مصر الرقم 1000 فعلًا، ولم تنتقل مصر لـ"السيناريو الأعنف" الذي تحدث عنه وزير الإعلام.
اقرأ/ي أيضًا: كورونا في مصر: حظر تجول ومظاهرات ومخاوف من كارثة
على العكس تمامًا، فبعد تجاوز الرقم 1000 قررت الحكومة تقليل فترة حظر التجوال لمدة ساعة، وأعلنت استمرار عمل قطاع المقاولات، وحصل جميع عمال المصانع على استثناء لمواصلة العمل. لا يعرف أحد لماذا أعلنت الحكومة على لسان وزير الإعلام لماذا سيبدأ السيناريو الأعنف بعد الرقم 1000 تحديدًا، ولا يعرف أحد لماذا تراجعت عن هذا السيناريو وقد وصلت الإصابات حتى الآن إلى نحو 2844 وتجاوزت الوفيات حاجز 205 حالة، ولا يعرف أحد لماذا يوجه إعلام الدولة اللوم للمصريين على تواجدهم في الشوارع بينما يتواجدون فيها بفرض حكومي!
عندما قررت بريطانيا اتباع سياسة مناعة القطيع وأخرت إجراءات الحظر كانت لديها خطة ما، صحيح ثبت فشل هذه الخطة لاحقًا واضطرت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أشد بعدما خرج الأمر عن السيطرة وأصبح معدل الوفيات بالمرض في بريطانيا ألف حالة يوميًا، لكن في كل الأحوال كانت هناك خطة ما مبنية على آراء علمية لمستشاري الحكومة ومستندة إلى إمكانيات طبية كبيرة يمتلكها القطاع الصحي الإنجليزي في حالات الضرورة، فهل لدى الحكومة المصرية خطة ما أو تستند على إمكانيات تحميها في حالة التفشي؟
الواضح أنه لا توجد خطة بدليل أن الحكومة خالفت الإجراءات التي أعلنتها بنفسها، والأكيد أن مصر والدول الشبيهة لا تمتلك قطاعًا صحيًا قويًا كالذي تملكه دول أوروبا وأمريكا – والتي انهارت أنظمتها هذه بالمناسبة، لذلك لا تبدو هناك فرصة للنجاة سوى الاستناد إلى شيء قدري بحت يتعلق باحتمالية أن يتأثر انتشار الفيروس سلبا بجو مصر الحار الرطب، أو اتخاذ قرار الإغلاق الكامل ولو لفترة مؤقتة حتى تنتهي موجة تمدد الفيروس. الرهان الأول ينطوي على مخاطرة كبيرة لأنه ما زال إلى الآن غير مُثبت علميًا، والرهان الثاني أكثر واقعية، قد يبدو أكثر تكلفة اقتصادية على المدى القصير لكنه قد يحمي مصر من خسائر بشرية واقتصادية أعنف على المدى المتوسط.
يروج البعض أكاذيب من نوعية أن الوضع في مصر ما زال في مرحلة السيطرة، لأنه بينما تسجل دول أخرى أكثر من 5 آلاف إصابة يوميًا لا تسجل مصر أكثر من 150 إصابة يومية حتى الآن. هذا طرح مضلل وفاسد، فكيف يمكن أن تسجل مصر 5 آلاف إصابة يوميًا مثل الدول الأخرى بينما تجري ألفي تحليل فقط يوميًا وهو الأمر الذي أبدت منظمة الصحة العالمية امتعاضها منه مؤخرًا، مطالبة مصر بزيادة عدد التحاليل اليومية ليكون لديها صورة أوضح عن درجة تفشي المرض في البلاد.
يروج آخرون لأكاذيب من نوعية أن المصانع يجب أن تعمل من أجل توفير احتياجات الناس وضخ السلع في الأسواق، بينما تدور الآن ماكينات المصانع وأمامها ملايين العمال لإنتاج معدات السباكة والأثاث والأجهزة الكهربائية والملابس الجاهزة والحلل التيفال، فهل هناك ضرورة ماسة لإنتاج هذه السلع في أيام كهذه؟ لو كانت الرغبة فعلًا توفير السلع في الأسواق لاقتصر الاستثناء على الصناعات الغذائية والدوائية مثلًا، وبالتأكيد لم يكن ليشمل قطاع الإنشاء.
بينما كانت نشرات الأخبار تنقل تعليمات الرئيس السيسي الحادة لأحد المهندسين بضرورة ارتداء الكمامات بكثير من المدح، لم يلتفت الكثيرون لكون هؤلاء العمال يشاركون في تشييد أحد الكباري الجديدة، ولم يسأل أحد: لماذا هؤلاء هنا الآن أصلًا؟
نحن دولة فقيرة، لا نمتلك إمكانيات صحية كبيرة، ليس بوسعنا توسيع دائرة الكشف والتحليل بدرجة كبيرة لأن مواردنا من الكواشف وأجهزة الـPCR محدودة، لا نملك الدخول في مواجهة مفتوحة مع الفيروس لأن إجمالي ما نمتلكه من أسرّة عناية مركزة وأجهزة تنفس صناعي لا يجعلنا نصمد لأكثر من يومين بمعدلات الإصابة في أوروبا.
لكل هذا أسباب يجب أن تناقش لاحقًا، ما نملكه الآن هو فعل أي شيء يحول دون تفشي الوباء على أرض مصر عن طريق تشديد الإجراءات وصولًا إلى الحظر الكامل، لأن كُلفة ذلك ستكون أفدح من أن تُحتمل، وإن كان ما يعوق ذلك فعلًا القلق على مصير العمالة غير المنتظمة، فتكلفة دفع إعانة شهرية بسيطة لأحد العمال المتعطلين سيتحمل هو تبعاتها الاقتصادية لاحقًا، أقل بعشرات الأضعاف مما يمكن أن تتحمله الدولة لاحقًا لدعم أبنائه الأيتام ومواجهة تسربهم من التعليم أو تحولهم إلى أطفال شوارع. الحسبة سهلة واضحة لمن ليس في نفسه غرض.