"مصر سنية المذهب، شيعية الهوى"، قالها لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني خلال ندوة عقدتها جمعية الصداقة المصرية الإيرانية في ديسمبر 2009.
تبني مصر لمذهب أهل السُنة والجماعة منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، رافقه بقايا ضمنية من آثار التشيع في ثقافة وفكر المصريين
عند الحديث عن تاريخ التشيع في مصر، لا يمكن إغفال أن المحروسة، كان مذهبها الديني شيعيًا لما يزيد عن قرنين من الزمان، فمع سيطرة الفاطميين على مصر، عام 969، اتخذت الدولة من الشيعية مذهبًا رسميًّا لها، وأظهر عددٌ من الخُلفاء الفاطميّين تعصُّبهم الشديد للمذهب الإسماعيلي، واستمر الحال حتى زوال دولتهم على يد صلاح الدين الأيوبي عام 1171، وانتهى العصر الفاطمي وعادت مصر إلى المذهب السُني، ولكن بقي للتشيع أثرٌ بين المصريين.
اقرأ/ي أيضًا: إغلاق مسجد الحسين في عاشوراء: لا لاحتفالات الشيعة!
تبني مصر لمذهب أهل السُنة والجماعة منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، رافقه بقايا ضمنية من آثار التشيع في ثقافة وفكر المصريين، وتتجلى هذه البقايا في حب المصريين الفطري لآل البيت، ويظهر في طقوس أصبحت جزءًا مما يسمى بـ"التدين الشعبي"، كمثل زيارة مقامات الأولياء والصالحين، والاحتفاء والتبرك بهم في الموالد، خاصةً مع وجود ما يقارب من 140 عتبة مقدسة من مقامات آل البيت تتعلق بها قلوب المصريين.
وعن هذا يقول القيادي الشيعي المصري الطاهر الهاشمي، في حديث لـ"ألترا صوت": "وُلدتُ على الولاء لأهل البيت عليهم السلام. هذا واقع مجتمعيٌّ مصريّ، لستُ وحدي فيه". ولذا أيضًا يعتقد الهاشمي أن التشيّع ليس فكرة مستحدثة في مصر، لكن ربما كانت للتغيرات السياسية في العقد الأخير دور في بروز الظاهرة.
الثورة المصرية تبرز التنوع في المجتمع
خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، عاش الشيعة في مصر تحت قمع خفي، إذ كانوا ملاحقين من قبل الأجهزة الأمنية، على الأقل بالمرقابة والرصد لجميع تحركاتهم، فضلًا عن التضييق عليهم في ممارساتهم الدينية، ما حال دون ظهورهم للعلن.
لكن ذلك لم ينف وجودهم، فبحسب تقرير "الحرية الدينية في العالم"، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2006، وصل عدد الشيعة في مصر آنذاك لـ1% من إجمالي عدد السكان.
ورغم أن لكل شيعي توجهه الخاص سياسيًا، إلا أنهم اجتمعوا على المشاركة، باختلاف توجهاتهم السياسية، في ثورة 25 يناير بسبب القمع الذي كانوا يتعرضون له، كما أشار الطاهر الهاشمي.
شكلت أحداث الثورة، وما تبعها من تغيرات سياسية داخل الدولة، بدايةً لبروز التنوع الموجود أصلًا داخل الشعب المصري، من الأفكار والتيارات العقائدية، وصولًا إلى المواقف السياسية، فالثورة أعطت للجميع حرية الظهور والحديث عن حقوقه، ومنهم الشيعة المصريون، الذين طالبوا بالاعتراف بهم كطائفة وفقًا لقانون الأقليات لسنة 1925.
وبحسب الطاهر الهاشمي، فقد شهدت هذه الفترة تحسن في الأوضاع بالنسبة للشيعة، وأتيحت لهم فرصة الظهور، وهو ما لم يكن متاحًا من قبل.
النشاط الشيعي الملحوظ بعد الثورة، كان من المتوقع أن يصاحبه محاولات لوجود حضور سياسي، حيث لفت الهاشمي إلى أنه "كانت هناك عدة محاولات لعمل أحزاب للمشاركة في العملية السياسية بفاعلية ولكنها باءت بالفشل"، ولعل أبرز هذه المحاولات كانت في آب/أغسطس 2011، عندما أطلق شيعة مصر حزب "الوحدة والحرية"، الذي تحول لاحقًا لاسم "التحرير"، من قبل أحمد راسم النفيس، ومحمود جابر، والطاهر الهاشمي.
مع صعود الإخوان للحكم
"اعلموا أن أهل السنّة والشيعة مسلمون تجمعهم كلمة لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، وهذا أصل العقيدة، والسنّة والشيعة فيه سواء وعلى التقاء، أما الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب فيها بينهما، كان هذا هو رد حسن البنا عندما سأله عمر التلمساني عن مدى الخلاف بين السنّة والشيعة، بحسب ما ذكره التلمساني في كتابه "ذكريات لا مذكرات".
وهذه النظرة أكدها المرشد العام الأسبق لجماعة الاخوان المسلمين، مهدي عاكف، عندما صرح بمساندة الجماعة لحزب الله اللبناني، قائلًا: "جماعة الإخوان على استعداد لإرسال 10 آلاف مجاهد للحرب بجوار حزب الله".
من هذا المنطلق كان من الممكن التطلع لمستقبل أفضل على صعيد تحقيق مكاسب جديدة للشيعة في مصر اجتماعيًا وسياسيًا حال صعود جماعة الإخوان للحكم.
لكن الواقع كان الصخرة التي اصطدمت بها كل هذه التطلعات، خاصةً وأن وصول جماعة الإخوان للحكم عام 2012، متمثلة في محمد مرسي، كان مصحوبًا بصعود سياسي واجتماعي لجماعات أخرى مثل الدعوة السلفية وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، التي لم تكن على استعداد لتقبل فكرة وجود شيعي في مصر.
وبدأ الأمر يأخذ منحى مغايرًا. وشهدت هذه الفترة حالة من الحشد الشعبي ضد الشيعة في مصر بشكل كبير على شاشات القنوات التي يمتلكها سلفيون وعلى منابر المساجد. يعتقد الهاشمي أن ما أسماه "الاضطهاد الممنهج" الذي تعرضوا له آنذاك، كان "محاولة للتغطية على فشل هذه الجماعات سياسيًا ومجتمعيًا".
ولعل أبرز نتائج هذا الحشد، كان مقتل القيادي الشيعي حسن شحاتة برفقة آخرين، في حزيران/يونيو 2013 بقرية "زاوية أبو مسلم" في مركز أبو النمرس بالجيزة، قبل أيام من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.
حدثت الواقعة باقتحام عشرات من أهالي القرية منزلًا تجمع فيه عدد من الشيعة للاحتفال بميلاد الإمام المهدي (الإمام الـ12 عند الشيعة)، وانهالوا عليهم بالضرب والسحل، ما أفضى إلى موت القيادي الشيعي حسن شحاتة وشقيقيه ورابع، وسط تكبيرات المعتدين!
ماذا بعد 30 حزيران/يونيو؟
العنف المعنوي والمادي الذي واجهه أبناء المذهب الشيعي في مصر، خلال فترة حكم محمد مرسي، والذي أفضى لمقتل أربعة منهم على الأقل في الحادثة سابقة الذكر؛ دفع كثيرين منهم للمشاركة أو تأييد الدعوات لمظاهرات 30 حزيران/يونيو.
لكن ما لم يكن متوقعًا، أنه مع القضاء الذي أعقب 30 حزيران/يونيو على جماعات الإسلام السياسي في مصر؛ بقيت جماعة الدعوة السلفية، بل كحليفة للنظام الحاكم، وبدلًا من أن تكتب مظاهرات 30 حزيران/يونيو نهايةً للاضطهاد الذي لقيه الشيعة على مدار سنوات في مصر، كانت بداية لفصل جديد عنوانه الإقصاء الناعم.
في تشرين الأول/أكتوبر 2013، وزعت مجلة الأزهر، الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، كتابًا بعنوان: "الخطوط العريضة لدين الشيعة". وُزّع الكتاب مجانًا، وقدّمه الكاتب الإسلامي محمد عمارة، إذ شملت المقدمة أن "الشيعة ليست مذهبًا أو طائفة، إنما دين، تحالف أصحابه مع الصليبيين وهولاكو، والإمبريالية الأميركية، والمسيحية الصهيونية، ضد المسلمين".
ومنا هنا بدأ التلويح بورقة جديدة من أوراق التحريض ضد الشيعة، باعتبارهم "عملاءٌ لإيران"، ما يجعل منهم بطبيعة الحال "خطرًا على الأمن القومي". وتعود السلفية مرة أخرى إلى صدارة مشهد التحريض على الشيعة. ولكل مقام مقال، وكان مقال المقام هذه المرة من باب الأمن القومي ورفض التدخلات الأجنبية!
يتضح ذلك في تصريح القيادي السلفي الأبرز ونائب رئيس الدعوة السلفية، ياسر برهامي خلال مؤتمر الدعوة السلفية "ضد المد الشيعي" بمسجد عمرو بن العاص، عندما قال: "نرفض التغلغل الناعم الذي يريده هؤلاء كمخطط لتقسيم البلاد ونحن لا نشك في ذلك، إنهم يريدون ما فعلوه في لبنان واليمن وما يطالبون به في السعودية من فصل المنطقة الشرقية وتكوين دولة مستقلة فيها. وأهل السنة في مصر والسلفيون خصوصًا يقفون حجر عثرة".
وفي سياق الإقصاء لأبناء المذهب الشيعي في مصر، البلاغ المقدم من مصطفى بكري في البرلمان المصري، ضد ما اعتبره "اختراقًا إيرانيًا" بعد اتهامه مؤذن مسجد الحسين بالقاهرة، برفع الأذان الشيعي خلال صلاة جمعة، في حزيران/يونيو الماضي.
العنف المعنوي والمادي الذي واجهه أبناء المذهب الشيعي في مصر، خلال فترة الإخوان دفع كثيرين منهم لتأييد مظاهرات 30 حزيران/يونيو، ليستمر بأشكال أخرى بعدها
هذا الاتهام وإن استتبعه نفي من الحكومة يؤكد أن "جميع مساجد مصر تدين بمذهب أهل السنة والجماعة"، ففي وفي نفي الحكومة تأكيد على أن الشيعة في مصر لا يمتلكون أماكن رسمية للصلاة فيها، وعلى الأرجح أنهم لن يخاطروا بأداء الصلوات على طريقتهم في مساجد السنة.
اقرأ/ي أيضًا: