ظهر أول ملحق ثقافي في المغرب مع جريدة حزب الاستقلال باسم "العَلَم الثقافي" الذي صدر في شباط/فبراير 1969، قبل أن تتناسل ملحقات ثقافية أخرى في صحيفة "الاتحاد الاشتراكي" وجريدة "المنعطف" وغيرها، لتبلغ الصحافة الثقافية بالمغرب أزهى عصورها خلال عقدي السبعينات والثمانينات، مع كثرة المجلات والأسبوعيات المتخصصة في الصحافة وتعدد الملاحق الثقافية.
في المغرب، اختفت الملاحق الثقافية عن معظم صفحات الجرائد اليومية، التي لم يعد الجمهور في حاجة إليه
وهو ما ساعد في بلورة حيوية فكرية وبروز أسماء تنويرية ساهمت في تطوير المجتمع المغربي إبان تلك الفترة، إلا أن حال الإعلام الثقافي اليوم بالمغرب صار يبعث على الشفقة، بعدما باتت الثقافة عامة على الهامش إن وجدت فيه مكانًا.
اقرأ/ي أيضًا: إعادة الاعتبار إلى شاعر الثورة الجزائرية
إنتاج ثقافي بدون جمهور
أمام اجتياح أخبار الإثارة والفرجة والحوادث صفحات الإعلام، انزوت المواضيع الثقافية إلى الهامش على صعيد مختلف الوسائل الإعلامية، على سبيل المثال، لا يتجاوز عدد البرامج الثقافية على القنوات التلفزية المغربية أصابع اليد الواحدة، ناهيك عن أنها تبث بشكل أسبوعي وفي أوقات ضعيفة المشاهدة بعد منتصف الليل، بالرغم من أن قانون التلفزيون الرسمي المغربي يحث على "إشعاع الثقافة والحضارة المغربيتين".
فيما تبتعد الإذاعات الخاصة عن كل ما هو ثقافي، في اتجاه برامج الترفيه والبوح والشخصيات الشعبوية، أملًا في استمالة المستمعين ورفع نسب الإقبال، ومنه ضمان حصة التمويل من الإعلانات، الأخيرة التي تطارد الجمهور أينما سار ذوقه، أما بالنسبة للصحافة الورقية، فقد توقفت جل المجلات الصحفية الثقافية نتيجة محدودية البيع، واختفت الملاحق الثقافية عن معظم صفحات الجرائد اليومية، التي لم يعد الجمهور في حاجة إليها.
الشيء الذي جعل المشهد الإعلامي الثقافي بالمغرب يتراجع إلى الحضيض، وضْع لخصته الكاتبة سعيدة شريف بقولها "إن واقع الإعلام الثقافي في المغرب بئيس ولا يعطي الاعتبار للصحافي الثقافي"، بينما يشكك الروائي المغربي هشام بن الشاوي أصلًا بوجود صحافة ثقافية بالمغرب، قائلًا: "تخيل بلدًا يتجاوز فيه عدد المنابر الأربعين مطبوعة، ولا توجد صفحة ثقافية واحدة، تغريك بتصفحها، ثمة صفحات ثقافية باهتة، وأخرى تكرس الرداءة والعهر الثقافي، حضورها وغيابها سيّان".
بالمقابل تعرف الوجوه الثقافية المغربية بروزًا على الساحة العربية والدولية أحيانًا، ففي ظل غياب بنية إعلامية تسوق لمنتجاتهم الثقافية مع جمهور غير مهتم للثقافة، باتت أدمغة الصحافة الثقافية تهاجر إلى الخارج بحثًا عن التقدير، وصار الكُتاب المغاربة يُسفّرون مقالاتهم إلى كبريات المنابر الثقافية الممولة جيدًا، والتي تلقى إقبالًا على الساحة العربية.
أسباب اضمحلال الصحافة الثقافية بالمغرب
تتعدد الأسباب التي جعلت الإعلام المغربي يطرد الثقافة من قائمة اهتماماته، ويغرق بدل ذلك في صحافة السياسة والحوادث والفضائح، وهو توجه يرتبط بدرجة أولى بالجمهور وإن كان للمجتمع الصحفي دور في هذا التهميش.
مجموع مبيعات سوق الصحافة الورقية في المغرب لا تتعدى 200 ألف نسخة يوميًا
يعاني المغرب من أزمة قراءة حادة حتى مقارنة مع البلدان العربية، إذ أن مجموع مبيعات سوق الصحافة الورقية، من جرائد ومجلات وأسبوعيات، لا تتعدى في المغرب، حسب مكتب مراقبة توزيع الصحف بالمغرب "لوجيدي"، 200 ألف نسخة يوميًا، وهو رقم تتجاوزه صحيفة واحدة في بلد مثل الجزائر أو مصر أو حتى لبنان الأقل سكانًا، مع العلم أن الجمهور المفترض القادر على القراءة، يصل إلى عشرين مليون فرد في البلاد، إن قمنا بإزاحة نسبة الأميين والأطفال.
اقرأ/ي أيضًا: مهرجان وهران للفيلم العربي.. انتقادات بالجملة
وبالتالي فإن معضلة محدودية القراءة للمغاربة ترتد مباشرة على الإقبال على الصحافة عامة، والصحافة الثقافية خاصة، باعتبار أن آخر شيء يمكن إغراء القراء المغاربة به هو الثقافة، مما يحول الإعلام المغربي انسجامًا مع رغبات الجمهور إلى بوق للإثارة والفضائح والشعبوية.
من جهة أخرى، تغيب البنى الإعلامية المتخصصة في الصحافة الثقافية بالبلاد، سواء على مستوى الكوادر ذات التكوين الإعلامي الثقافي، أو على صعيد التمويل، إذ ينفر الأثراء المغاربة من الاستثمار في مجال الثقافة، كسمة بنيوية في البورجوازية المغربية منذ القدم، وعادة ما كانت الصحف الثقافية على قلتها نتاج جهود وتضحيات فردية لمثقفين، وفي غياب إعلام ثقافي متخصص وممول، فإن المثقفون المغاربة يُحرمون من الآلة الإعلامية التي يمكن أن تروج لأعمالهم الثقافية.
لكن بروز الإعلام الرقمي، فتح نافذة أمام المجتمع الثقافي بالمغرب، من أجل نشر إنتاجاتهم الثقافية والتواصل مع الجمهور المعني، من خلال المواقع الإلكترونية والمدونات والشبكات الاجتماعية، الأمر الذي يبعث الأمل في إحياء المشهد الثقافي المغربي من جديد، وإن لم يتبلور بعد إعلام رقمي متخصص في الصحافة الثقافية، حيث لا يزال يفتقر إلى المهنية والتنظيم والجودة.
اقرأ/ي أيضًا: