عندما تزور المغرب، فإنك حتمًا ستختار وجهات سياحية معتادة كمدينة أكادير الساحلية أو مراكش الحمراء أو حتى مدينة فاس العتيقة، لكن زيارة مدينة الصويرة تستحق منك خوض تجربتها، لأن هناك ما قد يجذبك لاستكشاف معالم المدينة الأطلسية، وربما قد تغريك لزيارتها في إجازتك السنوية.
الصويرة هي واحدة من أقدم المدن المغربية، وتحفة معمارية تزخر بمرسى وأسوار ومدافع وأبواب، تؤكد حضورًا حضاريًا واقتصاديًا بارزًا
اقرأ/ي أيضًا: شلالات "إيموزار إداوتنان" المغربية.. سحر الطبيعة
الصويرة متحف أثري يتنفس بعبق التاريخ
مدينة الصويرة هي واحدة من أقدم المدن المغربية، والشاهد على ذلك هو حينما تجوب فضاءاتها، للوهلة الأولى ستكتشف مواقع ومآثر تاريخية تعود لقرون مضت. قصتها ابتدأت ما قبل الميلاد مع أزمنة وحقب تركت فيها بعض الإمبراطوريات آثارًا عمرانية، شاهدة على تاريخ توالى على تدوينه الفينيقيون ثم حكم الملكان يوبا الثاني وبطليموس والرومان فالبرتغاليون، إلى أن جاء السلطان محمد بن عبد الله، الذي أحب أن يصنع من المدينة الساحلية الأطلنتية، إبان المنتصف الثاني من القرن 18 ميلادي، تحفة معمارية تزخر بمرسى وأسوار ومدافع وأبواب، تؤكد حضورًا حضاريًا واقتصاديًا بارزًا.
جزيرة "موغادور"، هي واحدة من المآثر التاريخية للمدينة، صُنِفَت من قبل منظمة "اليونيسكو" كتراث إنساني عالمي سنة 2001. بجانب أسوار المدينة، تتراءى للناظر من بعيد كأراض صخرية طواها النسيان، وترك آثارًا تقاوم رطوبة الزمن، تجسدت في أبراج متهالكة وسجن ضخم ومساكن قديمة. المكان، صار الآن مملكة طبيعية لطيور النوارس البيضاء، ومزارًا لأنواع مختلفة من الطيور البحرية.
"السقالة" هي أيضًا موقع أثري يستحق الزيارة، ففيها المدافع والأسوار المطلة على صفحة المحيط الأطلسي، تحفة معمارية تُزَاوِجُ بين الأصالة الأندلسية والتصميم البرتغالي العصري، مكان يحكي قصة دفاع مستميت وتحصين أمني ضد الهجمات الإيبيرية من الإسبان والبرتغاليين.
للبحر سحر في مدينة الرياح
للبحر سحر يأسر خيال العشاق، ويلهم بنات أفكار المبدعين، لمدينة الرياح بحر يمتد طولًا وعرضًا، وهو يزين وجهها بأمواج ورياح تلهب حماس رواد رياضة "السورف" وركوب الأمواج. وأنت تحط رحالك في أراضي المدينة، حتمًا ستنجذب للبحر، تنظر إليه متأملًا في صورة بانورامية لا مثيل لها في العالم، مشهد قد يدهشك وأنت تستغرق في رؤيته وهو يعانق شمس الغروب البرتقالية، ويداعب بأمواجه جزرًا أثرية معزولة مرصعة بسرب من النوارس البيضاء وهي تسرح في سماء ملبدة برذاذ ملح اليم.
المنظر قد يدعوك للاسترخاء وصفاء الذهن عندما تأخذ لنفسك جلسة فوق إحدى شرفات الأسوار الأثرية، وفي نفس الوقت تراه من تحت السور الأثري يهيج بقوته العنفوانية، يتحدى باندفاعاته إبداعًا حضاريًا يقاوم ما أمكن من اندفاعات الطبيعة.
اقرأ/ي أيضًا: شفشاون.. المدينة الزرقاء الساحرة
في الصويرة.. فن وإبداع
الحرفيون في الصويرة يخلقون من خشب العرعار مصنوعات تقليدية تنتشر في كل أركان وأزقة المدينة القديمة وتتخذ أشكالًا وأحجامًا متعددة
تتميز الصويرة بإبداع مميز عن كل المدن المغربية، الحرفيون هنا يخلقون من خشب العرعار مصنوعات تقليدية تنتشر في كل أركان وأزقة المدينة القديمة، تتخذ أشكالًا وأحجامًا متعددة، بين علب وديكورات وتماثيل بنية اللون، تمتاز بتحفتها وندرتها وصنعها الإبداعي المتميز، فعندما تشتري لنفسك قطعة تذكارية، حتمًا لن تندم على السعر، فأقل ثمن ستجده هو ابتداء من دولار واحد أو دولارين اثنين، حسب نوعية القطعة وحجمها وشكلها المميز.
وللمدينة أيضًا هويتها الفنية والثقافية، يرسمها فن "غناوة" الأصيل، ففي كل سنة، ينظم في فضاءاتها مهرجان له صيته الدولي والإقليمي، ملتقى يجمع بين إيقاعات "غناوة" المحلية وألحان الجاز والريغي والبوب والروك، يجسد تناغمًا وحوارًا بين ثقافات العالم، في رسالة مكنونها الضمني أن الموسيقى لا وطن ولا حدود لها، تحاول أن تذوّب كل الحواجز بين البشر مهما كان لونهم أو جنسهم أو عرقهم، انتماؤهم الديني أو القومي أو الجغرافي.
وأنت تحضر فعالياته الفنية، قد يغريك سماع إيقاعات موسيقى "غناوة" الممزوجة بألحان وأهازيج أمازيغية وأفريقية تنطق بكلمات عربية، تزلزل كيانك المسكون بالهموم، وتحاول أن ترحل بك إلى عوالم ميتافيزيقية روحانية، تحررك من قيود وروتين الحياة اليومية، هي أغان مأثورة من حكم وموروث شفهي، تحتفي بمكنونات الخلق والوجود، في ترانيمها قصة عبودية تعود للقرون الوسطى، عندما كان بشر من ذوي البشرة السوداء، مجرد سلعة تباع وتشترى، استجلبوا من ديارهم، من أعماق أفريقيا المنسية، ليصبحوا فيما بعد عبيدًا في الديار والقصور المغربية، قصة العبودية تلك، انتهت وولت مع الصيرورة التاريخية، فاندمج حفدة "غناوة" مع النسيج الاجتماعي، وصاروا الآن جزءًا لا يتجزأ من المكون الثقافي المغربي.
اقرأ/ي أيضًا: