"والدي، رحمه الله، صياد ماهر، كان يحمل القليل من السمك الذي يجنيه بعد نهار متعب، وهو سعيد ولو بسمكة واحدة، كانت في كل خطواته نحو الشاطئ حكمة، لم نعلمها إلا بعد مرور السنوات، فالبحر والسمك يخطف العقل قبل القلب ويستهوي النفس، لأنه يمنح للصياد حياة متجددة كل يوم وطاقة كبيرة جدًا"، هكذا يعلق نور الدين، 34 سنة، وهو الذي تعلق أيضًا بالصيد وصار عنده حرفة وهواية، حيث لا يفارق الصنارة والبحر، "صارا الصديق والرفيق اللذين يمنحانه كل يوم حياة جديدة"، حسب تصريحه لـ"ألترا صوت".
شواطئ الجزائر مترامية الأطراف على مسافة 1200 كيلومترًا، وبعض الأماكن فيها يحبذها الصيادون لممارسة هواية الصيد المنتشرة شعبيًا
"لا توجد هواية دون ولع، ولكن تختلف الهوايات من واحدة لأخرى، فيها من يولد الصبر ومنها ما يعطي الحكمة، وهكذا هي هواية الصيد"، حسب نور الدين، الذي بات الصيد مصدر رزقه ورزق أسرته الصغيرة، ويضيف: "البحر يجود على من يعانق أمواجه ومن يصبر عليه".
اقرا/ي أيضًا: موسم الصيد العشوائي في لبنان.. أين القانون؟
الكثيرون يعتبرون الصيد هواية، خصوصًا إن كان بوسائل بسيطة وكان يهدف إلى الحصول على السمك بمختلف أنواعه دون تفكير في الكم، هكذا يفكر جعفر الملقب بـ"الباجي"، ويوضح في حديثه لـ"ألترا صوت": "مع مرور الوقت يصبح الأمر هوسًا وولعًا لا تشفي غليله سوى زيارة للشاطئ وانتظار الأسماك، ولو قضيت اليوم كاملًا لأجل سمكة واحدة، وقد صار الصيد أحد أولوياتي اليومية، بل وأتنافس مع زملائي فيه".
ويرى الباجي، الذي يقطن منطقة "القليعة" غرب العاصمة الجزائرية، أن لا طقس يمنعه من ممارسة هوايته، موضحًا: "لا تمنعني عن هوايتي الرياح ولا الأمطار، فهي تمنحني راحة بال وجسد، وطاقة إيجابية قوية وغريبة في آن واحد". ويضيف: "الصيد يعني الاستماع للأمواج، يعلمنا الصبر، فعند رمي الصنارة وانتظار الساعات من أجل الظفر بسمكة، أعتقد أن ذلك نوع من العلاج أيضًا".
قصص كثيرة تروى هنا وهناك، من أفواه الصيادين المولعين بالصيد. يذكر العم الطاهر عمراني لـ"ألترا صوت" أنه ورث الصيد عن والده، تربى على ذلك عندما كان يرافق والده في رحلات الصيد، بالقرب من شاطئ "فوكة" غربي العاصمة الجزائرية، ومع مرور الوقت بات الصيد هواية يقوم بها كل نهاية أسبوع، وباتت الترفيه الوحيد بالنسبة له، عندما تضيق به أيام العمل المضني في شركة للنقل.
اقرا/ي أيضًا: السمك في موريتانيا.. الثروة المستنزفة
شواطئ الجزائر مترامية الأطراف على مسافة 1200 كيلومتر، لكن هناك أماكن مفضلة للصيادين لمعانقة شبكاتهم أو صناراتهم، وتجدهم ينتظرون على حافة شاطئ "باب الوادي" مثلاً أو شاطئ "بومرداس"، الذي تكثر فيه الأسماك، حيث يؤكد الكثيرون في تصريحات متفرقة لـ"ألترا صوت" أن "الأهم أن لا يستبعد الصياد وجود السمك أثناء رميه للصنارة وينتظر الفريسة أما المهارات فيتعلمها مع مرور الوقت".
كريم، 32 سنة، حدثنا عن طريقة تحضيره للمعدات الضرورية وخصوصًا الأطعمة مثل "الديدان"، التي تتناولها الأسماك، وتكون بذلك لقمة صائغة ويتمكن منها الصياد. يوضح كريم: "لكل فصل الأطعمة التي يمكن بها اقتناص الأسماك، والتوقيت المفيد للصيد إما عند طلوع الشمس أو عند الزوال أو عند الغروب"، لافتًا إلى أن الصياد يجب أن "يعرف متى تتكاثر الأسماك، فمعرفة خبايا الطقس والرياح وتيار الماء الشرقي أم التيار الغربي، يمكن من الفوز بالكثير من السمك، غير أن كل ذلك يحتاج قبل كل شيء إلى إصرار وصبر".
اقرا/ي أيضًا: