تشهد الضفة الغربية المحتلة تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا يشمل عمليات اقتحام للمدن والمخيمات والقرى، إضافةً إلى التدمير الممنهج للبنية التحتية.
وتزامن هذا التصعيد مع حملة لهدم المنازل بحجة البناء بدون ترخيص، بالإضافة لإجراءات حصار وضغط اقتصادي وإطلاق يد المستوطنين لتخريب أراضي الفلسطينيين في الضفة ومصادرتها. وإلى جانب ذلك، يقوم الاحتلال بزيادة عدد الحواجز العسكرية وقطع سبل التواصل بين المدن والقرى الفلسطينية.
وخلال كل عملية عسكرية في مخيمات الضفة، تعمد قوات الاحتلال إلى ضرب البنى التحتية من طرق وشبكات مياه وكهرباء وصرف صحي وحتى المنازل، وهو ما يجعل عمليات الإعمار تظل جزئية نتيجة عدم توقف الاقتحامات الإسرائيلية.
ومع إطلاق الاحتلال عمليته العسكرية المستمرة على قطاع غزة، بعد عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، اعتبرت الدوائر العسكرية والأمنية الإسرائيلية الضفة الغربية المحتلة جبهة قتال ثانية.
تتعمد السلطات الإسرائيلية تقليص البناء الفلسطيني في القدس الشرقية، في الوقت الذي تكثف فيه من إصدار تراخيص البناء للمستوطنات في المدينة
وتشير مصادر فلسطينية إلى أن مخيم جنين تعرض، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، إلى 40 اجتياح تم خلالها تدمير كل ما له علاقة بالحياة.
وتعمد الآليات العسكرية الإسرائيلية إلى تدمير البنية التحتية في مخيم نور شمس مع كل عملية اقتحام، فتقوم الآليات الإسرائيلية بتدمير خطوط المياه ومياه الصرف الصحي والكهرباء الرئيسية، إضافةً إلى تدمير العديد من المنازل والمركبات، فضلًا عن إعادة تدمير الشوارع الرئيسية مثل كل مرة تجري فيها عملية الاقتحام.
وقدرت اللجنة الشعبية في مخيم نور شمس أن الخسائر التي لحقت بالمخيم جراء الاقتحامات الإسرائيلية تجاوزت 2 مليون دولار.
أما مخيم طولكرم الذي يعتبر ثاني أكبر مخيمات الضفة الغربية المحتلة، فقد شهد العديد من الاعتداءات والعمليات عسكرية والاجتياحات منذ بداية العام، ووصف مسؤولون محليون ما جرى في المخيم بأنه: "صورة مصغرة لما يحدث بغزة".
وتستخدم قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اجتياحها للمخيم الطائرات الحربية والمسيّرات، وتقوم بعمليات قصف وتدمير للمنازل وهدمها.
ويذكر أن مدير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، أجيث سونغاي، قد صرح بأن: "القوات الإسرائيلية تتصرف كما لو أن هناك صراعًا مسلحًا في الضفة الغربية".
وأضاف: "لا يوجد صراع مسلح في الضفة الغربية، لكن طبيعة هذه العمليات والتوغلات التي يجريها الجيش الإسرائيلي تشير إلى أنه يستخدم عددًا هائلًا من الجنود، والطائرات بدون طيار، وأحيانًا الطائرات المقاتلة التي تقوم بإسقاط القنابل، والقذائف المحمولة على الكتف، بمعنى آخر أسلحة ثقيلة تستخدم عموما في نزاع مسلح، وليس في تنفيذ القانون".
وتابع أن الوضع في الضفة الغربية: "كان سيئًا للغاية حتى قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حيث تم تسجيل أعلى عدد للقتلى منذ بدء الأمم المتحدة تسجيل الضحايا عام 2003".
وأشار أيضًا إلى: "ارتفاع كبير في الانتهاكات الأخرى. على سبيل المثال، عنف المستوطنين، والاستخدام المفرط للقوة من قبل القوات الإسرائيلية، والاستخدام غير الضروري للقوة، وهدم المنازل" وإخلاء سكانها كذلك.
وتكشف الممارسات اليومية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة تصاعد حملات هدم منازل المواطنين الفلسطينيين، وتقديم إخطارات بالهدم أو وقف البناء في ظل تزايد هجمات المستوطنين المتطرفين، وتصاعد مشاريع البناء في المناطق التي تنفذ فيها المقاومة عمليات فدائية.
يُقتل طفل فلسطيني في الضفة الغربية كل يومين في المتوسط منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.
أفاد الأطفال بأنهم خائفون من التجول في أحيائهم أو الذهاب إلى المدرسة.
"يجب أن يتوقف هذا العنف الآن." - المديرة التنفيذية لليونيسف https://t.co/y68NBQlCX2 pic.twitter.com/pph9mbg1Fx
— منظمة اليونيسف (@UNICEFinArabic) July 22, 2024
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، إن السلطات الإسرائيلية هدمت 92 مبنى بالقدس الشرقية منذ بداية العام الجاري بداعي "البناء غير المرخص".
وتقول مؤسسات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية إن السلطات الإسرائيلية تتعمد تقليص البناء الفلسطيني في القدس الشرقية، في الوقت الذي تكثف فيه من إصدار تراخيص البناء للمستوطنات في المدينة.
وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن سلطات الاحتلال نفذت 47 عملية هدم، طالت 66 منشأة منها 35 مسكنًا مأهولًا، و5 غير مأهولة، و15 منشأة زراعية وغيرها، في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، خلال شهر مايو/أيار الماضي.
كما هدمت السلطات الإسرائيلية نحو 50 منزلًا في صحراء النقب وسوّت جرافات بالأرض المنازل الواقعة في قرية وادي الخليل.
ويترقب نحو 1200 فلسطيني في منطقة مَسافِر يطا، جنوبي مدينة الخليل أقصى جنوبي الضفة الغربية المحتلة، قرارًا إسرائيليًا نهائيًا بالترحيل وهدم منازلهم.
وفي 4 أيار/مايو 2022، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأنه: "ليس ثمّة عقبات قانونية تحول دون تنفيذ الخطط الرامية إلى طرد السكان الفلسطينيين من مسافر يطا لإتاحة المجال أمام إجراء التدريبات العسكرية".
وتحت ذرائع مختلفة، أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصحاب أكثر من 25 ألف منزل ومنشئة تجارية بقرارات هدم، فيما باتت أحياء بكاملها معرضة للزوال.
ولم تقتصر عمليات الاحتلال على تدمير البنية التحتية في الضفة الغربية المحتلة، بل عمد الاحتلال إلى توسيع دائرة استهداف المواطنين الفلسطينيين، فقد أعلن عن استشهاد 578 فلسطينيًا، وإصابة نحو 5400 أخرين، وفق أرقام قدمتها وزارة الصحة الفلسطينية.
لم تقتصر عمليات الاحتلال على تدمير البنية التحتية في الضفة الغربية المحتلة، بل عمد الاحتلال إلى توسيع دائرة استهداف المواطنين الفلسطينيين
وكان لافتًا تركيز قوات الاحتلال على استهداف الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، فقد كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف" عن "عنف فظيع" يمارسه جيش الاحتلال بحق الأطفال، حيث أشارت الأرقام إلى زيادة بنسبة 250% في عدد الأطفال الفلسطينيين الشهداء في مدن الضفة الغربية المحتلة، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وجاء في البيان الذي نشرته المنظمة الأممية، أمس الإثنين، أن 143 طفلًا فلسطينيًا قتل في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهو ما يمثل تصاعدًا بحوالي 250% مقارنة مع الأشهر التسعة التي سبقت ذلك، حيث أُعلن خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2023، عن استشهاد 41 طفلًا فلسطينيًا.
ولفتت المنظمة الأممية إلى ما معدله استشهاد طفل كل يومين منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
كما أشارت إلى أن: "أكثر من 440 طفلًا فلسطينيًا أصيبوا بذخائر حية خلال الفترة التي تبعت تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية تزامنًا مع اندلاع الحرب على قطاع غزة".
وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة "يونيسف"، كاثرين راسل: "لقد ظل الأطفال الذين يعيشون في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، معرّضين منذ سنوات لعنف فظيع. وقد تدهور الوضع تدهورًا شديدًا تزامنًا مع تصاعد الأعمال العدائية داخل غزة".