تنتقد عدة أطراف سياسية ودينية في الجزائر استغلال السلطة لزوايا الطرق الصوفية في المشهد السياسي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات سواء كانت التشريعية أو المحلية أو الرئاسية، وهو ما ترك انطباعاً في الجزائر بأن هذه الزوايا والطرق الصوفية باتت القشة التي تتمسك بها بعض الوجوه السياسية وحتى التيارات المتصارعة من أجل استمالة عواطف الشعب وكسب تأييدهم.
تنتقد عدة أطراف سياسية ودينية في الجزائر استغلال السلطة للزوايا في المشهد السياسي خاصة مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي القادم
اللافت أنه ومع وصول الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم منذ عام 1999، أعاد الوهج للزوايا واستند إلى الطرق الصوفية في فترة حكمه واعتمد عليها في الدعوة إلى الوئام المدني والمصالحة الوطنية بعد العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، مستغلًا تأثيرها المجتمعي خاصة في المناطق الداخلية والأرياف، بهدف استتباب الأمن وعودة الاستقرار للبلاد، حيث لا تزال هذه الطرق الصوفية تحظى بتأثير كبير عند الناس.
اقرأ/ي أيضًا: الصوفية في تونس.. من يستثمر الصراع؟
ويرى الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد الهادي خربوش خلال حديثه لـ"ألترا صوت" أن "الطرق الصوفية في الجزائر لم تعد تقتصر فقط على تعليم القرآن وأصول الدين والعقيدة، بل تعدى الأمر إلى استغلالها وتوظيفها كورقة في المعترك السياسي، بمعنى أن أغلب السياسيين اليوم نجدهم على صلة كبيرة بشيوخ الطرق الصوفية لما تقدمه هذه الأخيرة من دعم كبير أثناء الحملات الانتخابية خصوصًا"، مضيفًا أنها "استغلت خلال حملات الرئيس بوتفليقة في انتخابات الرئاسة في 2014".
"إلى وقت قريب، بات الوزراء والمسؤولون في الجزائر يهتمون بزوايا الطرق الصوفية ويقدرون دورها"، يقول الأستاذ خربوش، موضحًا "باتت الطرق الصوفية مؤخرًا تلعب دورًا سياسيًا كبيرًا لصالح السلطة وأحزاب الموالاة، وبرز ذلك من خلال دورها في تأهيل بعض الشخصيات السياسية وإضفاء قيمة دينية عليها وتطهيرها من ماضيها مثلما حدث لوزير الطاقة شكيب خليل"، الذي كان متهمًا منذ آب/أغسطس 2013 بقضايا فساد في الشركة الجزائرية للمحروقات (سوناطراك) لكنه نجح في "تبييض" صورته عبر زوايا الطرق الصوفية، التي تعاطت معه على أساس أنه كفاءة وطنية مظلومة، إضافة إلى لعبها دورًا في الانتخابات لصالح الأحزاب السياسية الموالية للرئيس بوتفليقة.
ويعتقد الباحث في القضايا الدينية في الجزائر الأستاذ محمد بغداد، في تصريح لـ"ألترا صوت" أن "المؤسسة الدينية التقليدية أي الزوايا والطرق الصوفية، قد تورطت في المشهد السياسي بشكل مفضوح، حيث نجحت السلطة في استغلالها ضد تيارات الإسلام السياسي. وهذا التورط وضع الزوايا والطرق الصوفية في مأزق حقيقي بشأن دورها المجتمعي"، مضيفًا أنها "تحولت إلى مغسلة سياسية وداعم رئيس لتوجهات وخيارات سياسية لا علاقة لها بها من الناحية العملية".
في مقابل ذلك، لا يمكن إغفال أن الطرق الصوفية في الجزائر تتمتع بقدرة كبيرة على التعبئة الجماهيرية خصوصًا في المحافظات الداخلية والجنوبية، وذلك لأن المواطن الجزائري نفسه "لا يزال ينشد الولاء لهذه الزوايا والطرق الصوفية وهو الأمر الذي يستغله السياسيون بمنطق شراء الأصوات والتبرك".
للطرق الصوفية في الجزائر قدرة كبيرة على التعبئة الجماهيرية خصوصًا في المحافظات الداخلية والجنوبية
تاريخيًا، كشفت بعض الدراسات انتشار أكثر من 30 طريقة صوفية بشكل كبير في الجزائر، أسسها علماء دين منذ أزيد من 200 سنة، أهمها الطريقة التيجانية نسبة لأبي العباس التيجاني وتتمركز قيادة هذه الطريقة الصوفية في منطقة الأغواط وسط الجزائر، وتنتشر في ربوع الساحل الأفريقي ودول النيجر ومالي والسنغال حتى وسط أفريقيا. وهنالك أيضاً الطريقة الشاذلية نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي وتنتشر في منطقة وسط الجزائر، والطريقة القادرية التي تنسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي وانتشرت في مناطق غرب الجزائر، والطريقة الرحمانية نسبة إلى محمد بن عبد الرحمن الأزهري وكانت تعتبر من أكثر الطرق انتشارًا في الجزائر أثناء الحقبة الاستعمارية، والطريقة البلقايدية التي أسسها محمد بلقايد في تلمسان قرب الحدود مع المغرب، إضافة إلى طرق صوفية عديدة أخرى مثل الشيخية والدرقاوية والهبرية والزيانية والوزانية والشابية.
وبرأي الباحث في تاريخ الصوفية في الجزائر الدكتور علي نجاري فإن "الطرق الصوفية والزوايا اهتمت بتعليم القرآن وأصول الدين والتربية الروحية" كما انتشرت بقوة في المجتمع الجزائري، لكنها تشتتت بعد دخول "بعض الطقوس الغريبة على الدين الإسلامي"، لافتًا في تصريح لـ"ألترا صوت" إلى أن هذه الطرق الصوفية "قد شهدت انحرافات وبعض الخرافات التي تقول بمعجزات الأولياء الصالحين وتقديس الأضرحة وتنظيم الولائم والاحتفالات المرتبطة بأساطير قدرة سيدي فلان وعلان".
اقرأ/ي أيضًا: الزاوية الناصرية.. من حياة العز إلى الفقر والعوز
وخلال الحقبة الاستعمارية، وظف الاحتلال الفرنسي (1830-1962) نقطة "الضعف" التي وجدها في المجتمع الجزائري، حيث استعمل الطرق الصوفية لإخضاع بعض المناطق الثائرة ضد جيوش الاحتلال واستمالة المنتمين للطرق الصوفية نحو صفه من أجل محاربة المقاومة الشعبية، وهو ما دفع ببعض الطرق إلى أن تكون ضد الأمير عبد القادر ورموز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي.
يشرح الأستاذ نجاري قائلًا إن "الصراع بين المقاومة الشعبية والمنتسبين للطرق الصوفية امتد حتى ثلاثينات القرن الماضي عندما حاربت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس الخرافات والدجل التي كانت تنشرها الطرق الصوفية"، وظل هذا الخلاف والتوجس بين الطرفين بعد الاستقلال، حيث قام الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين بتهميش الزوايا والطرق الصوفية من كل دور ديني ومجتمعي بسبب مواقفها السابقة، وشجع الرئيس الذي خلفه في الحكم، الشاذلي بن جديد، "الفكر الإسلامي الحداثي" ضد الفكر التقليدي للزوايا والطرق الصوفية.
اقرأ/ي أيضًا: