فعلًا سؤال محيّر ويثير الفضول.. من هذا الذي يطلق على الظواهر الطبيعية أسماء بعينها، وهل علينا ألا نربط تلك الأسماء بمعانيها اللغوية المعجمية أو الاصطلاحية، أو بقصصها التاريخية والدينية؟ وماذا عن تسمية العاصفة التي اجتاحت أوروبا باسم يونس؟ في حين كانت تطلق أغلب التسميات الأنثوية على الأعاصير؟
درجت العادة على تسمية الأعاصير بأسماء أنثوية، وقد أثارت هذه الأسماء الجدل الكبير، لا سيما لدى في المنظمات النسائية
إن قراءة إحصائية متأنية لغضب الطبيعة، وما أصاب ويصيب مناطق متفرقة في كوكبنا من ذاك الغضب ستخبرنا عن الكثير من الظواهر التي لا نهتم بها، ليس لمجرد بعدها وحسب، بل لأن هول الكارثة ليس بتلك الضخامة التي تتناولها وسائل الإعلام وتتناقلها الألسن إلا إذا أصابتنا مباشرة.. لكن ثمة أعاصير موسمية تطال مناطق باستمرار وتحصد الآلاف، وبات سكانها ينظمون حياتهم وفق توقيتها ويتآلفون معها، بل ويمنحوها أسماء خاصة بها.
اقرأ/ي أيضًا: أهواؤنا التي صودرت منا
لكن الغريب هو إطلاق أسماء نسائية على أغلب الأعاصير، فهل هي محاولة لتأنيث الغضب، أهو تشبيه لها برقة النساء أم بكيدهن؟ أو كما عنونت "القدس العربي" في عدد من أعدادها عن العاصفة الثلجية "اليكسا" التي جاءت من روسيا وضربت منطقة الشرق الأوسط ومنها بلاد الشام: "اليكسا عاصفة ثلجية لعوب عبثت بأعصاب الأردنيين.. والجيش في الشوارع للإنقاذ المدنيين".
وفي حينها أطلق عليها الفلسطينيون والأردنيون اسم "هدى" وحمّلها اللبنانيون اسم "زينة"، وتكبد خسائرها سوريو الشتات.. لكن على ما يبدو أن الطبيعة لا تفرق بين شعب وآخر، فخلال الأيام القليلة الماضية اجتاحت العاصفة "يونس" شمال غرب أوروبا، مخلفة على الأقل 16 قتيلًا: أربعة في هولندا وأربعة في بولندا وثلاثة في إنجلترا واثنان في ألمانيا واثنان في بلجيكا وواحد في إيرلندا، والكثير من الأضرار المادية الجسيمة، وأدت إلى انقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل، وتعطيل آلاف الكيلومترات من السكك الحديدية بسبب تساقط الأشجار.
وإن كانت هذه العاصفة قد تسببت أيضًا في ارتفاع الأمواج لعشرة أمتار وبرياح عاتية وصلت سرعتها إلى 176 كلم في الساعة، وبظلام حالك في أحياء كاملة.. فهل لذلك علاقة بقصة إلقاء "النبي يونس" في البحر ودخوله بطن الحوت وإحاطته بالظلمات الثلاث؛ ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الحوت؟
لقد درجت العادة على تسمية الأعاصير بأسماء أنثوية، وحتى هذا الإعصار أُطلق عليه في ألمانيا اسم "زينب"، وقد أثارت هذه الأسماء سابقًا الجدل بين الإناث والذكور، لا سيما في المنظمات النسائية التي احتجت على خصخصة الأسماء الأنثوية للأعاصير بعدما تم تعليل ذلك بوجه الشبه بين النساء والأعاصير مثل: أجنيس وإلينا وبرتا ودوللي ونانا وسالي.. وربما لذلك ظهرت أسماء رجالية للأعاصير والعواصف مثل: آرثر وقيصر وإدوارد وماركو وايفان..
يتمنى نشطاء البيئة والعلماء لو تطلق أسماء الأعاصير على السياسيين ورؤساء الدول والأغنياء الجشعين لمسؤوليتهم عن الكوارث الطبيعية
وتحولت التعليقات من تشبيه الأعاصير بالنساء إلى أمور أخرى أكثر طرافة مثل "أنسنة الأعاصير"، حيث يطلق عليها أسماء أشخاص تاريخيين، وأسماء الباحثين والمراقبين الذين يكتشفونها، وأحيانًا أسماء موجودات طبيعية كالزهور مثلًا، وهو ما يحدث في اليابان وجنوب شرقي آسيا.. ولكن الملفت للنظر أن اليابانيين يعطون للأعاصير أرقامًا متسلسلة للدلالة عليها، وكأنها مرتبطة بتتابع حياتهم. في حين يقول المؤرخون إن أول من بدأ بتسمية العواصف والأعاصير عالم أرصاد أسترالي كان يسميها بأسماء سياسيين لا يحبهم، وبداية من عام 1953 أصبحت الأعاصير تحمل أسماء النساء، وفي سنة 1979 تم تطبيق نظام أسماء الرجال والنساء بالتناوب بحيث يتبع كل اسم امرأة اسم رجل، ولذلك نرى اختلافًا في الأسماء التي تطلق على الأعاصير مثل: ايفان وكاترينا.. وحاليًا تستخدم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ست قوائم لكل منطقة يعاد استخدامها كل ست سنوات، وهي المسؤولة الآن عن تسمية الأعاصير، وقد تحذف بعض أسماء الأعاصير المدمرة من قاموس التسميات حيث لا يتوقع إعادة استخدام اسم كاترينا أو أندري أو هوغو، وهي أعاصير تسببت في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
اقرأ/ي أيضًا: وجه آخر لقصص النجاح
وتختلف التسمية أيضًا تبعًا لسرعة الرياح، فلا يمكن تسمية الرياح القوية بالإعصار إذا كانت سرعتها لحظة تكونها أقل من 120 كلم في الساعة، وهناك تسميات مختلفة للأعاصير تعتمد على المكان، فتلك الأعاصير التي تضرب مناطق غرب المحيط الهادئ تسمى بالتيفون، أما تلك التي تضرب المناطق في شمال المحيط الأطلسي وبحر الكاريبي فهي تعرف بالهاريكان.
ومهما اختلفت أسباب التسميات فإن البيئيين يتمنون لو تطلق أسماء الأعاصير على السياسيين ورؤساء الدول وغيرهم من الأغنياء الجشعين، وذلك لما يعتبرونه مسؤوليتهم عن الكوارث الطبيعية التي تحيق بالعالم وفي مقدمتها الاحتباس الحراري واتساع ثقب الأوزون وارتفاع حدة التلوث في العالم، إضافة للحروب التي تشعلها أسواق النفط والسلاح.
اقرأ/ي أيضًا: