16-يونيو-2023
كن

شاع استخدام الأطباء لأسلوب العلاج بالوهم حتى سبيعينات القرن الماضي. (GETTY)

بدأ استخدام مصطلح العلاج الوهمي (Placebo) في الطب في نهاية القرن الثامن عشر لوصف الإجراءات الطبية التي كان الأطباء يستخدمونها لإرضاء المريض لا لعلاجه. وكانت تشمل الأقراص الخاملة، وحقن المحلول الملحي، والعمليات الجراحية الوهمية.

شاع استخدام الأطباء لأسلوب العلاج بالوهم حتى سبيعينات القرن الماضي، إذ كانوا يصفون للمرضى أقراصًا خاملة على أنها مسكنات قوية تساعد في تسكين الألم في حين أنها كانت مجرد قطع سكر لا تحتوي أي مادة علاجية، أو كانوا يحقنونهم بمحلول ملحي على أنه الدواء الشافي فتتحسن حالة المريض بعد برهة.

أما في الحالات الأشد ابتكر الأطباء عملية جراحية وهمية تسمى بجراحة اللاشيء (Nothing surgery)، وفيها يدخل المريض غرفة العمليات تحت تأثير التخدير العام ويجري الطبيب جرحًا سطحيًا في بطنه ثم يعيد خياطته ليوهمه بإزالة الجزء التالف من أحشائه واستئصال سبب الألم. واللافت في الأمر أن 70% من المرضى كانوا يشعرون بتحسن بعد إجراء العملية وتختفي الآلام المبرحة التي كانت تصيبهم.

شاع استخدام الأطباء لأسلوب العلاج بالوهم حتى سبيعينات القرن الماضي، إذ كانوا يصفون للمرضى أقراصًا خاملة على أنها مسكنات قوية تساعد في تسكين الألم في حين أنها كانت مجرد قطع سكر لا تحتوي أي مادة علاجية، أو كانوا يحقنونهم بمحلول ملحي على أنه الدواء الشافي فتتحسن حالة المريض بعد برهة.

يعلم مقدمو الرعاية الصحية أن الكثير من المرضى يشكون من أعراض مرضية مزمنة لا يمكن علاجها، أو أعراض لها منشأ نفسي وليسوا مصابين بمرض عضوي يستدعي تدخلًا علاجيًا. كما يدركون تمامًا مدى تأثير الانحيازات المعرفية (أي خداع العقل ليدرك الأمور على غير حقيقتها) على دماغ المريض وطريقة تفكيره و بالتالي استجابته للعلاج، فيلجأون للعلاج الوهمي في سبيل إرضاء المريض دون أن يغني ذلك عن الأدوية والإجراءات الطبية اللازمة للعلاج إن استدعت الحالة لذلك.

ما هو سر نجاح العلاج الوهمي؟

تبين مقالة نشرها موقع Harvard Health Publishing أن طريقة عمل العلاج الوهمي لا تزال غير واضحة تمامًا لكنها تشمل استجابة عصبية واسعة كارتفاع مستوى النواقل العصبية المسؤولة عن الشعور بالسعادة مثل الإندورفين والدوبامين، وزيادة نشاط مراكز معينة في الدماغ مسؤولة عن حالة المزاج والاستجابة العاطفية والوعي الذاتي.

كما تبين نتيجة تجربة قام بها الباحثون بمسح أدمغة مرضى يعانون من آلام مزمنة في مفصل الركبة باستخدام الرنين المغناطيسي قبل إعطائهم دواء وهميًا وبعده، وهي أن المرضى الذين شعروا بتحسن وانخفاض في شدة الألم كان لديهم نشاط أكبر في تلفيف الدماغ الجبهي الأوسط الذي يشكل ثلث الفص الجبهي من الدماغ.

وقد تترافق عوامل أخرى مع العلاج الوهمي فتساعد في تحسين حالة المريض مثل:

- الصدفة: قد يفقد المريض صبره بعد أيام من تناول دواء معين فيلجأ لتناول علاج آخر ويشعر بالتحسن مباشرة، فتصبح لديه قناعة تامة برداءة العلاج الأول وفقدان الثقة بالطبيب الذي وصفه له، وكفاءة الدواء الثاني ومهارة الطبيب الذي وصفه. فالمريض في هذه الحالة شعر بالتحسن لأن حالته كانت تتطلب هذا الوقت للشفاء ولم يكن ليتحسن منذ اليوم الأول باستخدام العلاج الأول أو الثاني.

نت

- الاطمئنان: قد يكون مجرد الذهاب إلى طبيب مشهور ووصف علاج باهظ الثمن سببًا كفيلًا لشعور المريض بالأمان ويبدأ بالتعافي قبل حتى تناول العلاج، إذ تلعب الحالة النفسية دورًا كبيرًا في تجاوب الجسد مع العلاج فتساهم في تقوية المناعة وتقليل الألم.

- الانحياز المعرفي: وهو وسيلة يخدع بها الدماغ نفسه ليدرك الأمور على غير حقيقتها. وقد تساعد الانحيازات المعرفية في تحسن حالة المريض كأن يكون مؤمنًا بمبادئ وقناعات تسيطر على طريقة تفكيره كالإيمان بالتأثير السحري للعلاجات التقليدية مثل الإبر الصينية ولدغ النحل والأعشاب أو اللجوء للشعوذة والسحر للتداوي فيحفز الدماغ الشعور بالراحة وإنكار مشاعر الألم بعد القيام بأي إجراء مماثل.

وقد تزيد الانحيازات المعرفية الحالة سوءًا لو علم المريض بالتأثيرات الجانبية للدواء، فيبدأ توهم الشعور بكل ما قرأ في مطوية الدواء من تسارع في النبض وصداع وشعور بالغثيان وغيرها من الآثار الجانبية التي لو لم يعلم بها ما كانت لتصيبه، وهذه التأثيرات الجانبية الوهمية للعلاج تسمى تأثير نوسيبو (Nocebo) أو التوهم المرضي.

العلاج الوهمي في القرن الحادي والعشرين

تمنع السياسات في الدوائر والمؤسسات الصحية في مختلف البلدان اللجوء للعلاجات الوهمية، وتقدم نموذج تفويض بالعلاج يوقع عليه المريض أو من ينوب عنه يفصل تشخيص المريض والإجراءات الطبية اللازمة لعلاجه وآثارها الجانبية، ومع ذلك لا زال بعض مقدمي الرعاية الصحية يستخدمون أسلوب العلاج الوهمي في بعض الحالات، أو يتعمدون عدم إبلاغ المريض بالآثار الجانبية للعلاج لتفادي التوهم المرضي، لكن التوجه العام الآن يقضي بحظر استخدام العلاج الوهمي للأسباب التالية:

  1. حق المريض في فهم طبيعة مرضه ونوع العلاج المستخدم وآثاره الجانبية أهم وأولى من إرضائه.
  2. استخدام العلاج الوهمي أمر لا أخلاقي تمنع أخلاق مهنة الطب اللجوء إليه.
  3. يساعد العلاج الوهمي في تسكين الألم وتخفيف الأعراض المصاحبة للمرض ولكن ليس له تأثير علاجي حقيقي.
  4. العلاج الوهمي قد يكون سببًا رئيسًا في فقدان ثقة المريض في الطبيب وفي العلاج.

يعد نشر التثقيف الصحي والوعي الذاتي للأشخاص المرضى والأصحاء على حد سواء ضرورة ملحة، يستطيع الإنسان من خلالها فهم الأعراض التي قد تصيبه ومدى حاجته للتداوي، وإدراك أهمية اللجوء لمقدم الرعاية الصحية المختص والمرخص قانونيًا للحصول على المشورة والعلاج، والصبر والالتزام بتعليمات الطبيب، وعدم الانسياق لكلام المروجين للوهم على وسائل التواصل الاجتماعي  الذين يعدون المرضى بالأدوية السحرية والشفاء المباشر، وأصحاب الادعاءات الكاذبة من المعالجين غير المرخصين.