انطلقت فكرة إنشاء اختصاص للعلاج بالموسيقى في الجامعة الأنطونية، من قبل عدد من الأساتذة والفنانين، مثل الأستاذ نداء أبو مراد، والمختصة بالمعالة بالموسيقة لارا واكيم، والموسيقية ناتالي أبو جودة، ومجموعة من الاختصاصيين في علم النفس وفي التربية.
بدأت بادرة تدريس اختصاص العلاج بالموسيقى في إحدى الجامعات اللبنانية، استطاعت الحصول على ترخيص لهذا الاختصاص من وزارة التربية
وجاءت الفكرة بمباشرة تدريس اختصاص العلاج بالموسيقى في كلية علم الموسيقى، تكرارًا لتجارب أخرى في جامعات عالمية.
اقرأ/ي أيضًا: حوار | "قعدة غُنا".. السعادة التي أزهرت على يديّ داليا إيهاب يونس
وبدأ المشروع في العام الدراسية 2017/2018، بأن أضيفت مواد تتعلق بعلم النفس والاضطرابات النمائية والاضطرابات الشخصية إلى مواد الموسيقى، في منهجية شاملة مزجت بينهم. أما نظام التعليم فيتحدد بناءً على دراسة الطالب لثلاث سنوات في قسم الموسيقى، من ثم سنتين ماجستير، تليها سنة واحدة معمقة لإنهاء الاختصاص.
ويشترط على الطالب التدرب في مركز علاجي لمدة 135 ساعة قبل الانخراط في سوق العمل، وذلك تحت إشراف أستاذ متخصص، وبمتابعة من قبل المراكز العلاجية المختصة، بهدف تغطية الحاجات وتحصيل أفضل الخبرات من الطلبة.
ويحظى هذا الاختصاص الجديد برخصة من وزارة التربية في لبنان، علمًا بأن الجامعة الوحيدة التي تدرسه حتى الآن، هي الجامعة الأنطونية. وهنا محاولات من قبل أساتذة في جامعات لبنانية أخرى لإدخال هذا الاختصاص.
تقول لينا رياشي حداد، الأستاذة الجامعية في العلاج بالموسيقى، وأخصائية علم النفس في الجامعتين الأنطونية واللبنانية، إن هذا الاختصاص "يجذب العديد من طلاب المدارس الذين يحبون الموسيقى ويرغبون في صقل مواهبهم وإيجاد مسارات جديدة داخل علم الموسيقى، بعدما اختبروا تأثير الموسيقى في حياتهم".
ووفقًا لينا رياشي حداد سجل في الاختصاص بداية افتتاحه، ما بين 12 و15 طالب في مرحلة الإجازة، وسبع طلاب في مرحلة الماستر، وهي ما تعتبره أعدادًا "جيدة للانطلاق".
شروط فنية وعلمية
وأوضحت لينا رياشي حداد أنه على الطالب لدراسة التخصص، أن يكون متقنًا للغزف على إحدى الآلات الموسيقية، أو موهوبًا في الغناء، كي يكون فاعلًا في إدارة جلسة علاج بالموسيقى.
وفي جانب الحاجة عليه، أكدت حداد على الحاجة اللبنانية، والعربية عمومًا، لهذا الأسلوب العلاجي، خاصة مع الأطفال المصابين بالاضطرابات النمائية أو الذهنية والجسدية، كما أن له، وفقًا لها، دور مؤثر في علاج الاضطرابات النفسية للبالغين.
وتوضح حداد أن المعالج بالموسيقى يعمل ضمن فريق متخصص يضم ممرض، ومعالج نفسي، وأخصائي تقويم نطق، وأخصائي حركي، من أجل وضع خطة عمل والوصول إلى تحقيق الأهداف المطلوبة مع المريض.
البدايات عالميًا
فكرة العلاج بالموسيقى موجودة منذ القدم. وهناك العديد من الدراسات التي تظهر كيف أن حضارات قديمة استعملت الموسيقى في العلاجات النفسية والجسدية.
وزاد الاهتمام بالعلاج بالموسيقى في أوروبا والولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، بسبب تأثيرات الحرب النفسية المتمثلة في اضطرابات ما بعد الصدمة والانهيارات النفسية. وحينها كان هناك متطوعون موسيقيون يأتون إلى المستشفيات ويعزفون للجرحى. وبدأت تتوالى الدراسات في الغرب حول أهمية وتأثيرات العلاج بالموسيقى.
وتظهر الدراسات أن الموسيقى لها أثر فعال على العديد من المشاكل النفسية للمرضى، فمثلًا تساعد الموسيقى الأطفال الذين يعانون من التوحد على كسر الحواجز والتواصل الكلامي مع الآخرين، وتحسين مهارات الاندماج الاجتماعي، وتنعكس التأثيرات الإيجابية على كل مجالات حياتهم، وذلك وفقًا لدراسة إحصائية أجرتها لينا رياشي حداد على مجموعة من الأطفال في إطار بحثها في رسالة الدكتوراه.
ويعتبر العلاج بالموسيقى نوع من العلاجات التعبيرية المحفزة التي تساعد الشخص على التعبير من خلال استعمال الآلات الموسيقية والغناء، أو من خلال العناصر الموسيقية كالنغم والإيقاع والأصوات والنبرات والرنات وغيرها من التقنيات.
التقنيات المتبعة
وتستخدم في العلاج بالموسيقى تقنيتان يمكن دمجهما أو فصلهما حسب الشخص الذي يتلقى العلاج، هما:
الأولى: تتمثل في العلاج بالموسيقى النشطة. ووفقًا للينا رياشي فتتضمن هذه التقنية الغناء والرقص والعزف وحركات تعبيرية إيقاعية.
الثانية: فتتمثل باستماع المريض للموسيقى، ويلي ذلك حوار مع المعالج، أو رسم للانفعالات. ويمكن أن يصاحب الاستماع للموسيقى مع الرسم في نفس الوقت.
وتعتقد لينا رياشي أن لبنان تحتاج لكل التقنيات المتاحة لنشر العلاج بالموسيقى على أوسع نطاق، مشيرة إلى أن "العلاجات التعبيرية تعتبر من أكثر العلاجات قربًا للإنسان، لأنها تساعده على التعبير عن نفسه بطريقة جيدة وسريعة، ودون الشعور بأنه خاضع لعلاج نفسي تقليدي".
تجارب من أرض الواقع
مي شديد وهي طالبة ماستر في الجامعة الأنطونية في اختصاص العلاج بالموسيقى، كما أنها تدرس مادة الموسيقى في لطلبة المدارس؛ قالت لـ"الترا صوت" إن "دور الموسيقى لا ينتهي، ولها جانب علاجي، لأن الموسيقى تستوعب الجميع حتى الأشخاص الذين لا يمتلكون موهبة موسيقية".
تروي مي تجربتها الشخصية، فقالت إنها كانت تبحث عن هذا الاختصاص خارج لبنان، ولمّا أدخل هذا الاختصاص في الجامعة الأنطونية، انتسبت إليه فورًا.
تعمل مي مع العديد من الحالات المرضية، مؤكدة على أهمية هذا النوع من العلاجات في تحسن المرضى مع اختلافهم، سواءً المصابين بألزهايمر أو الباركنسون أو الصرع أو اضطرابات ما بعد الصدمة والقلق والتوتر.
تكمن أهمية العلاج بالموسيقى في كونها تعمل على استثارة وتحفيز الذاكرة، وتساعد المريض على إيجاد هوية خاصة به
وتقول: "تكمن أهمية العلاج بالموسيقى في كونها تعمل على استثارة وتحفيز الذاكرة، وتساعد المريض على إيجاد هوية خاصة به، ورفع منسوب الثقة بالنفس، وتحسين المزاج، مما ينعكس على مجمل الصحة النفسية للمريض".
اقرأ/ي أيضًا: