تتفاقم الأزمات والكوارث في بلادنا، نتيجة الحالة السياسية القائمة وانهيار الدول والأنظمة السياسية، مما يعني أن الكارثة البيئية، تحمل تبعات وتأثيرات أكبر، مثلما حصل في إعصار "دانيال" الذي اجتمع في ظرف راهن، أدى إلى كارثة مأساوية في مدينة درنة شرق ليبيا.
ويقول المحرر في صحيفة "الغارديان" باتريك وينتور، كانت مدينة درنة ستعاني من مستوى غير عادي لهطول الأمطار بسبب عاصفة "دانيال" التي ضربت الساحل الشمالي لليبيا، وتسببت العاصفة في أضرار جسيمة في اليونان قبل عبورها البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، فإن حجم الدمار الذي جرف ربع المدينة إلى البحر يرجع إلى السياسة الفاشلة في البلاد.
ويرجع الأزمة الفعلية في ليبيا، إلى نظام القذافي، قائلًا: "في ظل اشتراكية القذافي الزائفة في أواخر السبعينيات والثمانينيات، قام الدكتاتور بتفكيك القطاع الخاص الليبي، عبر إدارة الشركات المملوكة للدولة، مما أدى إلى تحطيم قاعدة القوة المستقلة للطبقات العليا. وأصبحت مؤسسات الدولة شبكات رعاية".
الأزمة السياسية في ليبيا، انعكست بشكلٍ كبير على سوء وفشل التعامل مع فيضان درنة
انقسام البلاد
يوضح المحرر ولفرام لاشر، المشارك لمجموعة من المقالات نُشرت مؤخرًا بعنوان "العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا"، أنه في مرحلة ما بعد القذافي، خطت الإدارتان في ليبيا، على نفس نهج القذافي، ففي غرب ليبيا، رشحت حكومة الوحدة الوطنية، وزراء من قادة الميليشيات.
وفي الشرق، انتهت حملة دموية قادها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلى سيطرته وعائلته على شرق ليبيا، وبالمثل ظهر العديد من المديرين التنفيذيين الذين رشحهم حفتر أو أعضاء تحالفه العسكري.
ودخل الطرفان في حرب شاملة حتى عام 2020، فقد حاصرت قوات حفتر طرابلس في حملة عسكرية فاشلة استمرت لمدة عام، في محاولة للاستيلاء على العاصمة، حيث قُتل فيها آلاف الأشخاص.
وفي عام 2022، حاول رئيس الحكومة السابق المعين من قبل برلمان طبرق، فتحي باشاغا، نقل حكومته إلى طرابلس، قبل أن تجبره الاشتباكات بين الميليشيات المتنافسة على الانسحاب.
يشير وينتور، إلى أن هذا الصراع العنيف، كان يتطلب من القادة تهدئة قاعدتهم بالريع، هو ما خلق بيئة تعتبر الأسوأ للاستثمار في البنية التحتية، التي لم تظهر نتائجها، حتى على المدى الطويل.
درنة ضحية الموالاة والفساد
يقودنا سياق الحديث إلى درنة، المدينة التي عانت لفترة طويلة منذ سقوط القذافي، إما من خلال سيطرة التنظيمات الإسلامية على المدينة، أو منذ سقوطها بيد قوات حفتر عام 2016 بدعم خارجي، كان الاستثمار في البنية التحتية دائمًا في أعلى مستوياته. وحاول حفتر، الذي تلقى تعليمه الثانوي في المدينة، الحفاظ على سيطرته على كل ما يدور في درنة.
وكان من المقرر إجراء انتخابات المجالس البلدية هذا الشهر، مع إعداد القوائم وتسجيل الناخبين. لكن في الأسابيع الأخيرة، أحرق أعضاء من كتائب "أولياء الدم" سيئة السمعة، والموالية لحفتر، ملصقات انتخابية، وهددوا المرشحين بالخطف والقتل، مطالبين بإلغاء الانتخابات، وتنصيب حاكم عسكري في المدينة.
وأفاد رئيس اللجنة الانتخابية في المدينة بتعرضه للتهديد. واقترح رئيس مجلس النواب في برلمان طبرق، عقيلة صالح، تشكيل مجلس إدارة مؤقت، وهي طريقة لتأجيل الانتخابات.
يوضح المحرر في الجريدة البريطانية، أن السدان الكبيران اللذان بُنيا في الوادي الضيق فوق درنة، كانا بمثابة خطر وشيك، خاصة وأن المساكن ضعيفة البناء المبنية بالقرب من النهر أصبحت كثيفة وشاهقة بشكل متزايد.
فقد تم بناء السدين في سبعينات القرن الماضي من قبل شركة يوغوسلافية، وكان الخطر الذي يشكله السدان، وحالة اضمحلالهما موضوعًا لمقال أكاديمي مطول في عام 2022، حيث تم حساب وزن الماء الذي قد يسحقهما، وكيف يمكن أن ينفجرا في ضوء التضاريس التي تحيط بالمدينة.
يرجع محرر الغارديان الأزمة الفعلية في ليبيا، إلى نظام القذافي، قائلًا: "في ظل اشتراكية القذافي الزائفة في أواخر السبعينيات والثمانينيات، قام الدكتاتور بتفكيك القطاع الخاص الليبي، عبر إدارة الشركات المملوكة للدولة، مما أدى إلى تحطيم قاعدة القوة المستقلة للطبقات العليا. وأصبحت مؤسسات الدولة شبكات رعاية"
وأضاف: "لقد تم تخصيص الأموال للعمل على إعادة بناء السدين، لكن على ما يبدو من خلال المراجع المتداولة عبر الإنترنت، تظهر أنه تم إنفاق القليل من الميزانية المخصصة لذلك، وبمجرد أن غمرت مياه الفيضان السد الأول، تراكمت بسرعة خلف السد الثاني، مما أدى إلى انفجاره أيضًا".
وما زاد في حجم الكارثة، عدم إصدار تعليمات بإجراء عملية إخلاء مع اقتراب العاصفة، وبدلًا من ذلك تم فرض حظر التجول، وهو الرد المعتاد للميليشيات الليبية على أي أزمة.
يختم باتريك وينتور مقاله، بالقول: "لم يتضح بعد، ما إذا كان السياسيون الذين كان لهم دور في ترك درنة مكشوفة للطبيعة سوف يجرفون مع المباني التي انهارت بفعل النهر المتدفق"، مردفًا القول: "الدرس المستفاد من السنوات القليلة الماضية في ليبيا، أن المسؤولين في الشرق والغرب، لديهم قدرة مذهلة على البقاء".