وسط عدوان مستمر وشرس من الاحتلال الإسرائيلي على لبنان، يعكف الفنانون اللبنانيون على التشبّث بما يمكن من المظاهر الثقافية والفنية، والتي اشتهرت بها بلادهم.
إذ لطالما كان لبنان مركزًا حيويًا للمشهد الفني في العالم العربي، حيث اختلطت فيه التأثيرات التقليدية مع المعاصرة، وازدهرت الفنون البصرية والموسيقية والمسرح، ومع ذلك، يحاول الفنانون اللبنانيون استخدام إبداعاتهم كوسيلة للتعبير عن الإحباط الذي تعاني منه البلاد.
الفنان اللبناني شربل صموئيل عون تحدث لوكالة رويترز عن دور الفن في لبنان، في وقت تتسع فيه دائرة العدوان الإسرائيلي، وتتفاقم الأزمات المعيشية فيه، فتسائل الرسام والنحات صاحب الـ45 عامًا: "هل ما زال للفن مكان في مثل هذه الأزمة؟".
وسط عدوان مستمر وشرس من الاحتلال الإسرائيلي على لبنان، يعكف الفنانون اللبنانيون على التشبّث بما يمكن من المظاهر الثقافية والفنية، والتي اشتهرت بها بلادهم.
تشكل أعمال شربل عون انعكاسًا مباشرًا للأزمات التي يعيشها لبنان، حيث عاد الرسام والنحات إلى إنتاج لوحات فنية مميزة من خلال الغبار، وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها بهذا الأمر، فقد بدأ في عام 2013 باستخدام الغبار الذي يجمعه من مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان لإنشاء سلسلة من اللوحات التي تعبر عن المعاناة والألم. ومع تصاعد حدة العدوان الإسرائيلي والقصف المكثف الذي خلف دمارًا في جنوب لبنان وشرقه، وحتى في ضواحي بيروت الجنوبية، أحيا هذا العدوان من جديد رغبة عون في العودة إلى العمل بالغبار.
ومع إلغاء معرضين من معارضه بسبب العدوان على لبنان، يعترف عون بأن الدخل الذي كان يعتمد عليه من مبيعات فنه أصبح غير كافٍ. وبدلًا من ذلك وجد نفسه يلجأ إلى بيع العسل الذي يستخرج من خلايا النحل التي أنشأها في البداية لاستخدام شمعها في أعمال فنية. "لم يعد بإمكاني الاعتماد على سوق الفن"، يعترف عون، ويعكس هذا التوجه الجديد واقعًا أكثر صعوبة للفنانين في لبنان، حيث أُغلقت صالات العرض الفنية في بيروت بسبب ضعف الطلب وانعدام القدرة على شراء الأعمال الفنية.
لم يكن الفن البصري وحده هو المتضرر في لبنان، فقد تأثرت أيضًا الموسيقى اللبنانية بهذا الصراع. الفنانة والموسيقية اللبنانية جوي فياض، البالغة من العمر 36 عامًا، عانت من آثار الصراع على إبداعها، حيث توقفت عن العزف لعدة أشهر.
جوي فياض قالت في حديث لها مع وكالة "رويترز"، متحدثة عن آثار العدوان الإسرائيلي على مسيرتها الفنية: "لقد حد من إبداعي، كان الأمر وكأنني أغلقت نفسي. لم أستطع أن أعطي للآخرين، ولا لنفسي". وبدلًا من ذلك، لجأت إلى كتابة الأغاني التي تعبر عن الظلم والألم، وكتبت في إحدى أغنياتها: "أنت من الناس المظلومين، الذين تم إسكات كلمتهم، وبأسلحتهم، تدفع الثمن بدمائك".
وبالرغم من ذلك، بدأت فياض مؤخرًا في استعادة روحها الموسيقية، حيث أحيت حفلًا للأطفال النازحين واللاجئين في شمال بيروت، محاولةً منحهم لحظات من الفرح، وسط واقع صعب اعتادوا فيه على صوت القنابل بدلًا من صوت الموسيقى.
أصبح الفن في لبنان أكثر من مجرد وسيلة للتعبير، بل بات ملاذًا للأمل ونافذة للتعبير عن الألم والمعاناة في زمن الحرب. يواجه الفنانون اللبنانيون تحديات غير مسبوقة، لكنهم يستمرون في محاولة إحياء الفن في قلب المعاناة. ورغم الظروف الصعبة، يظل الفن أداةً تساعدهم وتساعد المجتمع على مقاومة الضغوط النفسية والاجتماعية التي فرضتها الحرب، ما يحافظ على روح الثقافة والحياة في لبنان.