لا أعتقدُ أنّ ثمّةَ شروطًا محدَّدة على المرء الالتزام بها ليُصبح كاتبًا، وهنا لا أقصدُ المعايير الأساسيّة التي يُقاسُ من خلالها نجاح أيّ نصٍ، كأصالتهِ، ولغتهِ السليمة، وفنّياتهِ، وما يؤهِلهُ ليكون عملًا أدبيًا، إنّما ما يروِّجهُ بعض الكتّاب الجدُّد، أو الدخلاء على الكتابة إنْ صح التعبير، من شروطٍ وطقوسٍ باتت متداولةً وذات أهمّيةٍ فيما بينهم، علمًا أنّها، وهنا أقصدُ الشروط لا الطقوس، غير مُرتبطةٍ بالكتابة، ولا تخدِمُ النصّ أو كاتبه، كضرورةِ شرب القهوة أثناء الكتابة، أو الاستماع لفيروز، وإشعال الشموع، إلخ.. ورغم أنّ هذهِ الأمور تعدُّ طقوسًا لا شروطًا، إلا أنّ هناك إصرارًا واضحًا من هذه الفئة على جعلها شروطًا، وإن كانت خاصةً بهم فقط، إلا أنّها تمرّرُ إلى الأخرين بشكلٍ دائم.
لا توجد شروط محدَّدة على المرء الالتزام بها ليُصبح كاتبًا، فذلك ما يروجه الدخلاء على الفن
ينحسرُ وجود هذهِ الفئة من الكتّاب عادةً في الفيسبوك، حيثُ من الممكن خلق جمهورٍ بسهولةٍ شديدة، كونهُ غير خاضعٍ لأيةِ جهة تحريرٍ أو تقييمٍ لما يُنشر على متنهِ، وعادةً ما يكون هذا الجمهور من الشبّان اليافعين، وغير المطّلعين على الأدب بشكلٍ كافٍ يؤهلهم للتمييز ما بين الأدب وغيرهِ، والميّالين لحبّ "الخاطرة القصيرة" والتي لا يستغرِقُ المرء وقتًا في قراءتِها أو فهمِها، كما أنّها تكون دائمًا موجّهةً لهم، ومتصلةً بمشاعرهم اليومية، بمعنى أنّها تأتي - كما يُقال - لتعبِّرَ عن شعورٍ أو حدث مرّوا بهِ، وأعتقد أنّ هذا الأمر عادةً ما يكون مقصودًا من هذه الفئة، كونهُ الأكثر جاذبيةً لهذا الجمهور المسؤول بشكلٍ غير مُباشر عن انتشار هذه الفئة وتوسُّعها.
اقرأ/ي أيضًا: حجي جابر: أنا منحاز لإرتريا التي نتمنى
لا أحدِّدُ هنا المؤهلين من غير المؤهلين للكتابة، حيثُ إنّ الكتابة بطبيعة الحال فعلٌ حرّ، ومن حق الجميع التعبير من خلال الكتابة، والنشر أيضًا، شرط أن تكون خاضعةً للمعايير المطلوبة، أو الابتعاد عن تصنيف ما هو ليس أدبًا على أنّهُ أدب، وهنا تكمن ضرورة التفريق بين الكتابة الأدبيّة - بمختلف أجناسها - والتدوين الحرّ في الفيسبوك وغيرهِ من المنصّات الأخرى.
لا يعدُّ الفيسبوك وجمهورهِ المسؤولين فقط عن انتشار هذه الفئة بصفتها فئةٍ أدبيّةٍ حداثيّة شابّة، كما تُسمّي نفسها، حيثُ تلعب دور النشر التجاريّة دورًا مهمًا أيضًا، من خلال نشر أعمالهم - التي لا تندرجُ تحت تصنيف الأدب على أنّها أدب، مقابل مبالغ ماليّةٍ معينة، دون الرجوع إلى النصّ وتحديد إذا ما كان صالحاً للنشر أم لا، من خلال توفر المعايير المطلوبة والأساسية، وهذا الأمر من أهم العوامل التي ساهمت في زيادة عدد الأعمال الرديئة، وهيمنة الرواية على المشهد الأدبي العربي، وأورِدُ هنا ما قالتهُ الروائيّة سحر خليفة، رئيسة لجنة تحكيم جائزة البوكر 2017، عبر صفحتها الشخصية في الفيسبوك: "186 رواية تقدَّمت لجائزة بوكر كان على لجنتنا أن تقرأها وتقيمها وتختار ما تراه الأجمل والأعمق. لم تكن المهمة سهلة ولا ممتعة، فالكثير من الروايات، أغلبها، من وجهة نظرنا، لا يستحق حتى الورق الذي نشرت عليه. وفي هذه الحالة، أنا ألوم الناشرين الذين يتخذون من النشر عملية تجارية ولا يولون أي اهتمام للمستوى الفني والإنساني".
وأورِدُ في النهاية أيضاً قولًا للكاتب الروماني شيشرون: "إنّها أوقاتٌ عصيبة، الكلّ أصبح يؤلف الكتب". وأعيدُ هنا أنّ الأمر لا يتعلق بالكتابة أو النشر، أنّما إعطاء كل عملٍ تصنيفهُ الذي يستحق.
اقرأ/ي أيضًا: