عند كل محطة أو إبان كل قضية في لبنان، تنتشر حالة من العنف وخطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، وتبدأ حالة من الغليان وتعميم المسؤولية عليهم. وما يزيد الطين بلة، ضجر الشارع اللبناني من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصفت بالبلاد منذ العام 2019، وتدهور القدرة الشرائية للبنانيين مقابل أنباء تشاع كل فترة، وتستخدمها بعض الأطراف، عن وصول تمويلات للاجئين السوريين.
هكذا إذًا تزداد حدة خطاب الكراهية والأحكام التعميمية وتحميل مسؤولية الخراب للاجئين السوريين، وبات كل طرف سياسي يجيّر الأحداث لخدمة روايته.
تحشيد بهدف القمع
وسائل إعلام لبنانية حفلت بأرقام ونسب حول ولادات اللاجئين السوريين ونسب أعمارهم، وقارنتها بأرقام تخص اللبنانيين، في حملات موجهة تهدف إلى حشد الرأي العام ضد اللاجئين السوريين. يأتي ذلك في ظل انتشار هائل لأرقام متضاربة ومبالغ فيها، إذ تشير أرقام الدولة اللبنانية إلى وجود ما بين مليون ونصف المليون كحد أقل إلى مليوني لاجئ سوري في البلاد، في الوقت الذي تشير فيه منظمات دولية إلى أن تعداد اللاجئين السوريين في لبنان يبلغ 800 ألف كحد أقصى.
الحملات الإعلامية رافقتها أنباء عن مداهمات على الأرض وشيكة لقوات تابعة للجيش وللمخابرات بهدف ترحيل اللاجئين، الأمر الذي زرع خوفًا وترقبًا في نفوس السوريين.
حملات إعلامية معادية للاجئين السوريين رافقتها أنباء عن مداهمات على الأرض وشيكة لقوات تابعة للجيش وللمخابرات بهدف ترحيل اللاجئين، الأمر الذي زرع خوفًا وترقبًا في نفوس السوريين.
ر. الجاسم، وهو لاجئ سوري يسكن في البقاع، قال لألترا صوت أنه لن يرسل طفليه إلى المدرسة خوفًا من الأوضاع، بينما أضافت زوجته أن طفليها يشعران بالقلق والخوف مما يسمعانه من أخبار داخل المخيم.
حملات أخرى انتشرت تطالب بترحيل اللاجئين السوريين، في مقدمتها الحملة التي أطلقها مارون الخولي بعنوان "الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الإحتلال الديموغرافي"، إذ دعا الخولي اللبنانيين بمختلف شرائحهم لمقاومة وجود اللاجئين الذي وصفه بـ"الاحتلال الذي ساهم في تدمير اقتصادنا وبنيتنا التحتية وسرقة مياهنا وكهربائنا وتلويث أرضنا وهوائنا وثقافتنا وقيمنا".
لم تقف الأمور عند هذا الحد، ففي مدينة صور جنوب لبنان، وبتاريخ 4 آيار/ مايو، انتشر عدد من شبان المنطقة وشكلوا حاجزًا وطلبوا هويات المارة واعتدوا على السوريين بالضرب. وقد علل الشبان سلوكهم بالإشارة إلى الوضع الاقتصادي وبسبب "إشغال السوريين لجميع الشقق السكنية في المنطقة". فيما اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بحملات مشابهة وأخرى مدافعة عن اللاجئين.
عودة غير آمنة
في بيان أصدره مركز وصول لحقوق الإنسان ACHR أدان فيه عمليات الترحيل القسري الجماعية التي أجرتها السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريي، وقال إن "هذه العمليات نفذت بشكل تعسفي، منتهكة الوضع القانوني والسياسي للاجئين في سوريا وفي تجاهل صارخ للقانون الدولي لحقوق الإنسان".
وأشار المركز إلى أن الجيش اللبناني نفذ عمليات ترحيل جماعية لـ 29 لاجئًا سوريًا في حارة الصخر- جونيه، و35 لاجئًا سوريًا من وادي خالد شمالي لبنان. وتعرض اللاجئون خلال المداهمات لسوء المعاملة رغم أن بعضهم مرضى وأطفال. كما وثق المركز بيان أصدره يوم الجمعة 28 نيسان/ أبريل 2023 "ما لا يقل عن 13 قضية اعتقال تعسفي منذ بداية نيسان" والتي طالت نحو "542 من اللاجئين السوريين في لبنان"، إذ تم ترحيل أكثر من 200 شخص.
منظمات دولية اكدت أن النظام السوري أخضع العائدين إلى سوريا للاعتقال غير القانوني أو التعسفي، والتعذيب، والاغتصاب، والعنف الجنسي، والإخفاء القسري.
البيان عبر عن قلقه بشكل خاص من أن هذه الإجراءات تعتبر جزءًا من خطة الحكومة اللبنانية لإعادة 15 ألف لاجئ شهريًا إلى سوريا، رغم أن هذه الخطة قوبلت بإدانة واسعة النطاق من قبل منظمات حقوق الإنسان سيما وأن مصير المستبعدين إلى سوريا يبقى مجهولًا.
من ناحيتها، أشارت منظمة العفو الدولية في تقرير بعنوان "ذاهبون إلى الموت" إلى أن "المخابرات السورية أخضعت النساء والأطفال والرجال العائدين إلى سوريا للاعتقال غير القانوني أو التعسفي، والتعذيب، والاغتصاب، والعنف الجنسي، والإخفاء القسري". واعتبرت المنظمة أن "هذه الانتهاكات جاءت نتيجة مباشرة للظن بأن هؤلاء العائدين ينتمون للمعارضة لا لشيء سوى أنهم لاجئون نزحوا عن بلدهم". وبناء على هذه النتائج، خلصت منظمة العفو الدولية إلى استنتاج مفاده أنه "لا توجد في سوريا أي منطقة آمنة يمكن للاجئين العودة إليها، بما في ذلك العاصمة دمشق، وأن الأشخاص الذين رحلوا عن سوريا منذ اندلاع الصراع فيها معرضون لخطر حقيقي يتمثل في تعرضهم للاضطهاد لدى عودتهم".
بدورها أفادت هيومن رايتس ووتش في ذات العام في تقريرها المعنون بـ "حياة أشبه بالموت" إلى أن "اللاجئين العائدين يواجهون انتهاكات جسيمة، واضطهادًا على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، كما أنهم عانوا للبقاء على قيد الحياة وسط الخراب وتدمير الممتلكات".
الجميع ضحايا لتقصير الدولة
بلديات عديدة أصدرت تعليمات تهدف إلى التضييق على تواجد السوريين، إذ مُنع العمال السوريون من التواجد والعمل داخل بلدات عديدة، كما طلب من آخرين تجديد إقاماتهم من قبل الأمن العام اللبناني، الذي بدوره يع عراقيل عديدة أمام السوريين لتجديد إقاماتهم.
كما أصدر محافظ لبنان الشمالي القاضي رمزي نهرا تعميمًا يتعلق بتنظيم العمالة الأجنبية في محافظة الشمال "حفاظًا على السلامة والأمن العام"، بدعوى تخفيف التوترات بين اللبنانيين والسوريين، فجاء التعميم ليضيق الخناق على عمل السوريين وتجولهم وتحركاتهم وتجمعاتهم والتأكد من قانونية أوراقهم وغيرها من البنود التي يشير إليها التعميم.
من جانبه، قال الأستاذ الجامعي والمستشار المالي، حسن دياب، لألترا صوت، إن "العمالة تعتبر من الموارد البشرية الهامة التي تستفيد منها الدول"، واعتبر أن المشكلة في لبنان تكمن في عدم استثمار القوى العاملة من قبل الحكومة التي وصفها بأنها "في كل مرة تبحث عن شماعة من أجل إلصاق التهم بالآخرين والتهرب من مسؤولياتها، فتارة تضع اللوم على اللاجئين الفلسطينيين وتارة على اللاجئين السوريين، في الوقت الذي تغرق الحكومة والدولة اللبنانية برمتها في أزمات كبيرة كيانية من عشرات السنوات دون إيجاد أي حلول لها". إذن، بحسب دياب، فالمشكلة تتعلق "بالنهج العملي الإداري للدولة وليس بملف ما".
ويضيف دياب أن ملف العمالة الأجنبية في لبنان غير منظم، مما يؤدي إلى "استغلال أي وافد إلى هذا الاقتصاد دون التمييز بين جنسيته وذلك من أجل مراكمة أرباح على حساب قوة عمل العمال والطبقات الأكثر ضعفًا."
ورأى دياب أن هناك " استغلال للعامل السوري لكونه يعمل بأجر زهيد ودون أي ضمانات اجتماعية"، موضحًا أن الأجر عادة ما يجب أن يكون على الصعيد الاجتماعي أيضًا، وهذا ما لا يحصل مع العمال السوريين الذين يشغلون قطاعات إنتاجية عدة ينأى العامل اللبناني بنفسه عنها.
وتساءل دياب: "ماذا لو فرغ البلد من العمالة الأجنبية وخاصة السورية؟ حينها يجب البحث في كيفية سد الفراغ الذي يمكن أن تشهده مهن عدة وخاصة في الزراعة والبنى التحتية والصناعة وغيرها من القطاعات والمؤسسات التي تستقطب هؤلاء للعمل"، ويضيف أن "المسألة متشابكة ومعقدة ويجب دراسة أثرها من نواحٍ عديدة"، وأن بحثها من ناحية اقتصادية فقط لا يكفي.