28-يوليو-2024
الشرطة الألمانية

(DW) تنامي أنشطة العصابات الإجرامية الهولندية في ألمانيا

سلّطت قناة دويتشه فيله الألمانية الضوء في تقريرٍ مطوّل على تنامي أنشطة المافيا الهولندية في ألمانيا، حيث حذّرت الشرطة الألمانية مؤخّرًا من مخاطر انتشار مجموعات الجريمة المنظمة الهولندية في ألمانيا، وجاء هذا التحذير بعد أن شهدت البلاد عمليات خطف وتعذيب وتفجيرات لماكينات الصراف الآلي. وسط تحذيرات خبراء ومتابعين من التباطؤ في مواجهة هذه العصابات المعروفة في عالم الجريمة بالمافيا.

وبحسب دويتشه فيله الألمانية، فإن المخاوف تتزايد من اندلاع حربٍ محتملة بين عصابات المافيا الهولندية والألمانية، وذلك عقب إحباط صفقة مخدرات أسفرت عن خطف وتعذيب رجل وامرأة غرب ألمانيا في وقت سابق من شهر تموز/يوليو الجاري.

وكانت الشرطة الألمانية في كولونيا قد تمكنت "من تحرير رجل وسيدة فيما يُعتقد أنهما كانا ينتميان إلى إحدى عصابات الجريمة المنظمة في ألمانيا. وأدت العملية إلى اعتقال أربعة أشخاص ومداهمات طالت ستة منازل في المدينة أسفرت عن القبض على شخصين اثنين".

كما شهدت نفس الولاية خلال الأسابيع الماضية "تفجيراتٍ مرتبطة بمحاولات سرقة أموال من ماكينات الصراف الآلي فيما يشتبه بتورط جماعة موكرو مافيا الإجرامية في تنفيذ هذه الأعمال".

أصبحت عصابة "موكرو مافيا" موضوعًا لمسلسل هولندي ناجح في موسمه السادس ويُبث في ألمانيا، حيث يؤكد خبراء الجريمة والشرطة أنها لم تعد ذات هوية عرقية واحدة

يشار إلى أنّ وسائل الإعلام في ألمانيا وهولندا تطلق تسمية "موكرو مافيا" على مجموعات الجريمة المنظمة التي نشأت في الأصل داخل الجالية المغربية - الهولندية في تسعينيات القرن الماضي. وتشتهر المافيا الهولندية، حسب دويتشه فيله، بكونها واحدةً "من كبرى شبكات الجريمة المنظمة التي يقدر عددها بأكثر من 820 شبكة في أنحاء أوروبا وتضم 25 ألفًا من العناصر في صفوفها، بحسب بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في إنفاذ القانون (يوروبول)".

عصابة موكرو مافيا

تعرف عصابة "موكرو" بكونها مافيا مغربية في هولندا وأجزاء من بلجيكا، ذلك بسبب تحدر أعضائها بالأساس من جنسيات مغاربية، وأكثرهم مغاربة من حاملي الجنسية الهولندية. وتمثل تجارة المخدرات نشاط العصابة الأساسي، بالإضافة إلى تبييض الأموال والتهديد والابتزاز واستخدام العنف والقتل، كما ترويع المواطنين ونشر الخوف في الأحياء وتزوير البيانات الشخصية والبيانات المالية. ويشتق اسمها من الكلمة الهولندية "Mocro"، والتي تستخدم للدلالة على المهاجرين ذوي الأصول المغربية. فيما ترفع شعار الصابة شعارًا لها: "Wie praat، die gaat"، أي "من يتحدث يموت".

وعرفت هذه العصابة ميلادها بداية التسعينات في هولندا، حيث تحولت تدريجيًا إلى إحدى أقوى المنظمات الفاعلة في البلاد. وبعد تزايد قوتها، شعرت في توسيع نشاطاتها؛ كاستيراد وتجارة الكوكايين والحشيش والحبوب المخدرة كـ "الإكستاسي" (Extacy) وحبوب "الميثامفيتامين" (Methamphetamine)، بداية من المغرب إلى هولندا، ومنها إلى دول أخرى، حيث باتت تسيطر على ثلث تجارة المخدرات في القارة الأوروبية.

وقد أتاحت التجارة الخارجية للمنظمة في دول أوروبية كألمانيا وبلجيكا وإسبانيا، وكذلك في دول أمريكا اللاتينية، من إيجاد تمويلات لعملياتها وعدم الاعتماد على نشاط واحد أو سوق وحيد.

أنشطة عابرة للحدود

وعمدت المنظمة أيضًا إلى تطوير صلاتها وشبكة علاقاتها مع الكارتيلات الكولومبية والمكسيكية، وبدأت بنقل المخدرات عبر موانئ أنتويرب وروتردام لتصبح بذلك المنظمة الأساسية لتهريب الكوكايين في أوروبا، سيما في هولندا وبلجيكا، حسب وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون "اليوروبول".

وتجدر الإشارة إلى استفادة المنظمة من الطلب الأوربي المرتفع على الاستهلاك تلك المخدرات، إذ يقدر حجم استهلاك الكوكايين السنوي في فرنسا -على سبيل المثال لا الحصر- بحوالي 15 طنًا، وفق ما أوضح الباحث المشارك في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية (IRIS) والخبير في الاتجار غير المشروع بالمخدرات، ديفيد واينبرغر، لموقع فرانس24.

وحاولت السلطات الهولندية مكافحة هذه العصابة الإجرامية، عبر سلسلة من الاعتقالات طالت قياديين بارزين فيها وإخضاعهم للمحاكمة، كضربات في قلب مافيا الـ "موكرو". غير أن عدم خضوع المنظمة كون المنظمة لتنظيم تراتبي في السلطة والمسؤوليات، بل اعتمادها على المجموعات الصغيرة والنشيطة على شكل فروع ترتبط ببعضها البعض وتنشط خلاياها بشكل منفصل ولكل مجموعة رأس مدبر، أضعف من نتائج مساعي السلطات الهولندية في تحجيم نشاطها وتجفيف منابع ومصادر تمويلها.

وبسبب شيوعها، أصبحت هذه العصابة موضوعًا لمسلسل هولندي ناجح بات الآن في موسمه السادس وأصبح يُبث في ألمانيا، حسب دويتشه فيله التي تنقل عن خبراء الجريمة والشرطة اتفاقهم على أن عصابة "موكرو مافيا" لم تعد ذات هوية عرقية واحدة.

وفي مقابلة مع DW، يقول ديرك بيغلو، رئيس رابطة المحققين الجنائيين الألمان، إن عصابة "موكرو مافيا" بدأت في "استيراد الحشيش إلى هولندا في التسعينيات، ثم توسعت أعمالها بعد ذلك ليشمل استيراد الكوكايين. لذا يمكن القول إننا نواجه عصابةً يعود تأسيسها لعقود".

كما يقول خبراء الأمن إن عصابة موكرو مافيا "تعد أكثر ميلًا للعنف بشكل ملحوظ مقارنةً بعصابات الجريمة المنظمة في ألمانيا.

وتناقلت وسائل إعلام قصصًا عن وجود غرف للتعذيب وعمليات قتل خارج الحانات، بل وصل الأمر إلى مزاعم وجود مؤامرة لخطف وريثة العرش الهولندي، الأميرة أماليا ، البالغة من العمر 18 عامًا.

وبحسب د"ي أو" يشير سيريل فيجنوت، أحد أبرز خبراء الجريمة في هولندا، إلى أن رجال "موكرو مافيا" يقتلون ما بين 10 إلى 20 شخصًا سنويا.

أما محمود جرابعة، الباحث المتخصص في قضايا الجريمة بـ"مركز إيرلانغن للإسلام والقانون في أوروبا"، فيقول إن "معدل العنف مرتفع للغاية في كل هذه العصابات، لكن داخل عصابة (موكرو مافيا)، فإن الاستعداد لارتكاب أعمال العنف أعلى". مضيفًا أن العصابات الإجرامية داخل ألمانيا "لم يُعرف عنها من قبل التورط في أعمال تفجير طالت ماكينات الصراف الآلي".

يشير خبراء الأمن إلى أن عصابة "موكرو مافيا" تميل للعنف بشكل أكبر مقارنة بعصابات الجريمة المنظمة في ألمانيا

 

وأشار جرابعة في حديثه لـ "دي أو" إلى تشابه عصابات الجريمة المنظمة في هولندا وألمانيا في السمات الهيكلية والنشاط الإجرامي، قائلًا: "لا تختلف كثيرًا عن عصابات العشائر العربية في ألمانيا حيث تنحدر العناصر الرئيسية من عائلة معينة، لكن هذه العصابات ليست مجموعات مغلقة؛ فلولا امتداد شبكاتهم داخل وخارج ألمانيا وهولندا، لم يكن بمقدورها الاستمرار طوال هذه العقود".

يذكر أنه في عام 2021، هزت واقعة مقتل صحفي هولندي متخصص في تغطية الجرائم بعد إطلاق النار عليه، الرأي العام في البلاد. وأثارت جريمة مقتل الصحفي الاستقصائي بيتر دي فريس الغضب في هولندا، حيث اعتبر العاهل الهولندي فيليم ألكسندر في حينه الهجوم "اعتداءً على الديمقراطية".

وجاءت واقعة مقتل فريس في إطار سلسلة جرائم ارتبطت بـ "محاكمة مارينغو" التي استمرت ست سنوات ودرات حول اتهام العديد من الأشخاص المعروفين في عالم الجريمة، بالتورط في ارتكاب جرائم قتل أو محاولة قتل. وكان من بينهم رضوان تاغي أحد أبرز وجوه المافيا في هولندا.

وصدرت، في شباط/فبراير الماضي أحكامٌ بالسجن لفترات طويلة على جميع المتهمين السبعة عشر، بما في ذلك الحكم بالسجن مدى الحياة على تاغي وثلاثة آخرين.

ولم يكن فْريس الضحية الوحيدة لهذه الجرائم، بل قُتل المحامي ديرك فيرسوم في عام 2019، ثم شقيق نبيل ب، وهو الشاهد الرئيسي للادعاء في قضية مارينغو في عام 2018.

تنامي قوة العصابات الإجرامية

يشار إلى أنه ورغم عمليات القبض والإدانات القضائية، إلا أن خبراء يشيرون إلى تنامي قوة العصابات الإجرامية في ألمانيا. وفي حديثه إلى DW، قال ديرك بيغلو، رئيس رابطة المحققين الجنائيين الألمان، "لقد رصدنا في ولاية شمال الراين فستفاليا تزايد نشاط هذه المجموعة الإجرامية التي لم تعد تخفي وجهها الوحشي في أنشطتها الإجرامية بما في ذلك إصابة المارة الأبرياء أو حتى قتلهم".

ورغم أن واقعة الخطف التي كانت مدينة كولونيا مسرحها تنذر بحدوث صراعات بين المجموعات الإجرامية الهولندية والألمانية، إلا أنه يبدو أن هذه الشبكات تتعاون حيث تستورد العصابات الألمانية الكوكايين والهيروين من العصابات الهولندية.

وفي تعليقه، قال محمود جرابعة، الباحث المتخصص في قضايا الجريمة، "إن أشكال التعاون بين الجماعات الإجرامية المختلفة بين ألمانيا وهولندا ما تزال قائمةً حتى يومنا هذا".

أعمال مافيوية

ولا يعرف خبراء الأمن بداية قدوم عناصر "موكرو مافيا" إلى ألمانيا أو حتى الجرائم التي تورطت بها في ألمانيا وهل كان الأمر مرتبطًا بأوامر من عصابات هولندية. ومع ذلك، قالت الشرطة في ألمانيا وهولندا إنها تمكنت من جمع المزيد من المعلومات حول شبكات الجريمة المنظمة الدولية بعد رصد محادثات عبر تطبيقات الدردشة.

ورغم ذلك، حذر بيغلو من أن الحكومة الألمانية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لدعم الشرطة لمنع انتشار عصابات الجريمة المنظمة الهولندية إلى ألمانيا. وقال "لا يمكننا في ألمانيا الانتظار حتى يتم إنشاء هياكل إجرامية مماثلة على غرار هولندا. علينا أن نعمل بشكل وثيق مع الشرطة الهولندية لمنع تكرار وقوع حوادث مثل تلك التي وقعت مؤخرا في شمال الراين فستفاليا لتصبح فيما ما بعد أمرًا عاديًا".

من جهته، يرى جرابعة أن الشرطة الألمانية في حاجة إلى الدعم وإلا فإن فرص مواجهة هذه الكيانات الإجرامية سوف تكون ضئيلةً، قائلًا: "لدينا إمكانيات قليلة للغاية لمكافحة هذه الظاهرة، فهذه العناصر الإجرامية، تأتي في معظم الحالات من هولندا وتمتلك طرقًا للهروب وأشخاصًا يتعاونون معها".